طلاق الإحباط العربي في العرس المونديالي
إفتتح العرب مونديالهم في قطر بفوز تاريخي هو الأعظم في تاريخ كأس العالم سطره المنتخب السعودي على حساب نظيره الأرجنتيني ونجمه الأول في العالم ليونيل ميسي الذي اختصر المأساة بكلمة: نحن موتى ... وأكمل المنتخبان التونسي والمغربي في فتح صفحة جديدة لكرة القدم العربية وبدء مسيرة إنهاء الطلاق مع حالة الإحباط في العرس العالمي، بتعادلين هما أشبه بالفوز أمام أبناء " الفايكنغ" الدانمركيين ورفاق مودريتش، أفضل لاعب في العالم، والفرقة الكرواتية التي أنهت المونديال السابق في روسيا في مركز الوصافة.
أداء مغاير لقدرات" العنابي"
هذا الإبهار للثلاثي العربي خفّف من وطأة التعثر القطري في مباراة الإفتتاح أمام الفريق الإكوادوري الذي تأهل عبر الملحق، بانتظار تعديل وضع "العنابي" اليوم الجمعة أمام السنغال بطلة أفريقيا التي خسرت "أسدها" ماني، ثاني أفضل لاعبي العالم. والتي خسرت مباراتها الأولى أمام هولندا القوية بهدفين في الدقائق الأخيرة.
الإنطلاقة العربية التي كان رائدها المنتخب السعودي، شكّلت حافزاً للممثل الآسيوي الآخر الفريق الياباني لكسر هالة الكبار، فأسقط بطلاً آخر للعالم (ألمانيا) وبالنتيجة ذاتها للسعودية أمام الأرجنتين (2-1) لتكون الرسالة الأولى للمونديال: تحذير الصغار للكبار، وتقوّق آسيا على أوروبا.
لم تكن الخسارة القطرية بهدفين نظيفين في الإفتتاح متوقعة، وأصبحت كذلك مع ظهور اللاعبين والفريق ككل في شكل مغاير لحالة التحضيرات ومؤهلات لاعبين عدة ومهاراتهم، وحنكة وخبرة مدربهم الإسباني سانشيزالذي أحّل الإستقرار في المنتخب وجعله يكتسب الخبرة العالمية بالإحتكاك بالأوروبيين في 10 مباريات، عدا فترة المعسكرات التي عُدت الأطول للفرق المشاركة في المونديال.
وبالخسارة أمام الإكوادور، باتت قطر الدولة المنظمة الثانية بعد جنوب أفريقيا، تخسر الإفتتاح، بعدما أصبجت أول دولة تنظِم المونديال من دون المشاركة سابقاً. فيما صارت السعودية الدولة العربية الثانية التي تهزم بطلاً للعالم، بعد الجزائر التي هزمت الفريق الألماني ذاته في 1982 وبالنتيجة ذاتها (2-1).
ميسي وينو كسرنا عينو
السعودية التي أصبحت أول فريق عربي يواجه الأرجنتيني في كأس العالم، أوقفت سلسلة مباريات دون خسارة لأبناء مارادونا عند الرقم 36. وأحبطت ميسي الذي أنشدت له الجماهير السعودية "ميسي وينو كسرنا عينو" فلم ينجز سوى هدف ركلة الجزاء اليتيم، فيما ألغت له التقنية الجديدة لكشف التسلل هدفاً، هو واحد من سبعة أهداف "مع وقف التنفيذ" في شوط واحد. بينما كانت حالات التسلل للأرجنتين طوال المونديال السابق ستاً فقط!.
السعودي الذي عابه قلة الأهداف في المباريات التحضيرية، إفتتح المونديال بهدفين في الأرجنتين أحد أبرز المرشحين للفوز بالبطولة الثانية والعشرين، أحد هذين الهدفين بإمضاء سالم الدوسري اعتبر أحد أجمل الأهداف، وحمل الرقم الثاني سعودياً بعد هدف سعيد العويران في بلجيكا بمونديال 1994 الذي صُنف أحد أجمل عشرة أهداف في تاريخ كأس العالم.
وفي حين وصفت الصحف الأرجنتينية صالح الشهري صاحب الهدف السعودي الأول بالجلاد، أطلقت على سالم الدوسري لقب "الطوربيد" و"التورنيدو" الإعصار، ورجل المناسبات، وقالت مجلة بيلد : هذا الهدف المذهل حطم ميسي وقد تحقّق من عمق المنطقة الأرجنتينية بعدما تخطى ثلاثة مدافعين وخدعهم بدوارنه بسهولة مسدداً في الزاوية الصعبة (الـ 13).
سالم الدوسري إستقطب الأضواء في قطر، وهو لاعب إكتسب خبرة دولية، إذ كان واحداً من تسعة لاعبين إنخرطوا في الدوري الإسباني عام 2018 ولعب مع فياريال ضد ريال مدريد، وقد سجل هدف الفوز على مصر في مونديال روسيا وكذلك سجّل في بطولة آسيا 2019 وأولمبياد طوكيو 2021. كما سجل للهلال ضد فلامينغو البرازيلي في كأس العالم للأندية 2019 وضد الجزيرة الإماراتي في البطولة ذاتها 2022 وفي سجله 18 هدفاً في 72 مباراة دولية.
بطل سعودي جديد آخر هو الحارس محمد العويس الذي كان رجل المباراة بتصديه لخمس تسديدات، ولكن " النسور الخضر" خسرت مقاتلين من ركائز الفريق هما سلمان الفرج الذي اختاره " الفيفا" أفضل لاعب آسيوي في مونديال روسيا، وياسر الشهري اللاعب الفدائي وقد خرجا مصابين ولن يكملا المونديال.
تعادلان بطعم الفوز وعذاب عربي لمودريتش
تونس إنتزعت تعادلاً من الدنمارك أحد أقوى الفرق الأوروبية بعد أداء حماسي وشراسة، جعلت الفريق الخصم يقدّم أسوأ المباريات، حسب قول بيتر شمايشل الحارس الدولي الدنماركي السابق، الذي عزا ذلك إلى التنظيم الدفاعي التونسي، وإلى اللعب الراقي.
التعادل التونسي بلا أهداف أمام الدنمارك كان بطعم الفوز كما هو التعادل المغربي أمام الكرواتي والذي إنتهى أيضاً بلا أهداف.
بعد أداء رتيب غابت عنه الفرص وعكست هدوءه البطاقة الصفراء اليتيمة، برغم وجود لاعبين كبار في الفريقين، وعلى رأسهم الكرواتي مودريتش نجم ريال مدريد وأحد الفائزين بالكرة الذهبية الذي لم تظهر خطورته إلا في تسديدة واحدة علت العارضة، فيما فعاليته صبّت في قيادة اللعب ونال مكافأة أفضل لاعب في المباراة.
ومع نجوم أمثال زياش وحكيمي وبوفال والنصيري ومرابط وأملاح، سدّ المغاربة طريق مرماهم أمام مودريتش وكوفاتشيتش وبروزوفيتش وبيرتيشيتش، وفرض المغاربة سيطرتهم على وسط الملعب مع اعتماد الهجمات المرتدة. وفي حين أقفل المغاربة المنافذ، إفتقد الكرواتيون للحلول الهجومية. وهذا ما اعترف به مودريتش إبن الـ 37 عاماً: عانينا نقصاً في الفعالية الهجومية ولو كنا أكثر حدة في الهجوم لكنا اخترقنا الدفاع، وهذا ما أقرّ به أيضاً المدرب الكرواتي الذي قال: كنا بحاجة إلى بعض الشجاعة والمبادرة الهجومية. ولكنه أقر في المقابل بالمستوى العالي للاعبي المغرب.
الثلاثي العربي الذي حقّق انطلاقة جديدة في قطر، مؤهل لترك بصمات على غرار الإنجاز الكبير للفريق السعودي. فالمغرب كان أول من انتقل إلى الدور الثاني (1986) وتونس حقّق أول فوز عربي (على المكسيك 1978) والسعودية أول فريق عربي يتأهل أربع مرات متتالية. علاوة على أنّ الفرق الثلاثة تتأهل للمونديال للمرة السادسة.
وما يبعث على الأمل وجود نجوم عرب من طراز عالمي خاصة في الفريقين المغربي والتونسي، ولكن الفرق الخصمة تفوق فرقنا سجلاً وتصنيفاً وقوة، وما لا نتمناه أن نبقى على المنوال ذاته وتكون " الشطحة" السعودية الأولى والأخيرة.