فكرة المونديال من ألف ليلة وليلة
ذات ليلة في قصر الوجبة أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2006 خلال حفل عشاء فاجأ الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، جوزف سيب بلاتر، رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم آنذاك، أحد ضيوف الحفل، وهو يحدثه عن رغبته في إستضافة إحدى نسخ كأس العالم.
هذا ما كشفه محمد بن همام العبدالله رئيس الإتحاد الآسيوي السابق، قبل أيام من بدء مونديال 2022، عن الحلم الذي أصبح حقيقة، والذي أراد الأمير الوالد تأكيد جديّة فكرة إقامة أول مونديال في الوطن العربي والشرق الأوسط، بتشكيل فريق عمل على رأسه الشيخ تميم بن حمد أمير البلاد والشيخ جاسم بن حمد الممثل الشخصي لأمير دولة قطر.
تلك الليلة وعد حسن الذوادي الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث، جماهير المونديال، بأن تكون ألف ليلة وليلة داعياً للإستعداد لعيش تجربة تاريخية. فعاشت البلاد منذ إسناد تنظيم المونديال الثاني والعشرين إليها قبل 12 عاماً ورشة إنشاءات بل ورشة تغييرات جذرية لمعالم البلد، طالت في الأساس البنى التحتية، إلى إنشاء ثمانية ملاعب أصبحت جاهزة قبل عام من الحدث الكبير، الذي رصدت له دولة قطر 200 مليار دولار.
متابعة ميدانية أميرية
وفي الوقت الذي لم تتوقف الحملة الأوروبية الغربية على إقامة المونديال العربي، لم تهدأ حركة المسؤولين في متابعة كل شاردة وواردة تتعلق بالتحضيرات، فها هو الأمير تميم بن حمد يلتقي قبل أيام كبار المسؤولين في اللجنة العليا للمشاريع والإرث و"الفيفا" ممثلاً بالرئيس أنفانتينو وقيادة بطولة كأس العالم في مركز الدوحة للمعارض، مطلعاً على الإستعدادات والإجراءات المتخذة لضمان تحقيق أعلى المعايير العالمية في التنسيق والمتابعة. كما أنّ الأمير الوالد إفتتح معرضاً عن تاريخ الرياضة في قطر في متحف قطر الأولمبي تقديراً لترسيخ الرياضة الإحترافية الأمر الذي كان عاملاً حاسماً في تهيئة قطر في استضافة المونديال.
ساركوزي مستاء من الإفتراء
لم يأبه رجالات قطر لحملات الإفتراء، طالما أنّ مجتمع كرة القدم العالمي يفند تلك الإدعاءات والفبركات، بل أنّ بعض كبار السياسيين في العالم تصدوا لها وآخرهم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي عبّر عن استيائه من حملات بعض الدول الأوروبية على مونديال قطر قائلاً: كرة القدم ليست حكراً على الغربيين، ومنتقداً بعض بلديات مدن فرنسا كباريس وليون لعدم الترويج للمونديال، فيما هي راضية عن تمويل قطر لنادي سان جرمان الباريسي الأكبر في البلاد.
وكان "الفيفا" صارماً في حماية المونديال من حملات التحريض، وآخرها رفضه طلب الدانمارك إرتداء قميص تحمل مزاعم حقوقية ضد قطر وعليها شعار حقوق الإنسان. هكذا وبكل وقاحة، إذ أنّ المنتخب الدانماركي كان يتدرب في الدوحة!! وهنا كانت لرئيس "الفيفا" وقفة تأنيبية : لا تجرّوا كأس العالم لمعارك سياسية وأيديولوجية، ركزوا على كرة القدم..
زينة مونديالية كزينة الميلاد ورأس السنة
بعد غد يتحقق الحلم في قطر ويصبح للعرب مونديالهم بعد إخفاق المغرب في ثلاث محاولات كانت قاب قوسين أو أدنى من النجاح خصوصاً أمام جنوب أفريقيا 2010 (10-14) بعدما خسرت أمام الولايات المتحدة 1994 (7-10) وأمام فرنسا 1998 (7-12) بينما منيت مصر بخيبة صارخة بعدم نيلها صوتاً واحداً في سباق الترشح لمونديال 2010.
ولا يخفى أنّ نجاح قطر أمام الولايات المتحدة (14-8) في الترشح لمونديال 2022 يعود في أحد أهم الأسباب، إلى خبرتها في تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى وعقد المؤتمرات والمنتديات العالمية، فهي نظّمت في الخمسة عشر عاماً الأخيرة نحو 500 بطولة إقليمية ودولية، أبرزها دورة الألعاب الآسيوية في 2006، وبطولة العالم لألعاب القوى 2019، وكأس آسيا 2011 ومونديال كرة اليد 2015 ومونديال الشباب لكرة القدم 1995.
ومما لا شك فيه أنّ قطر ستقدم مونديالاً لا يُنسى، ويشكل تحدياً وإحراجاً للدول التالية، خصوصاً بطولة 2026 في كندا والولايات المتحدة والمكسيك.
فما سنشاهده ابتداءً من الساعة الخامسة بعد ظهر الأحد المقبل سيكون إستثنائياً في كل مجالات التنظيم، وربما تكون قطر الأولى والأخيرة في تحولها إلى مهرجان مونديالي حقيقي يطغى على كل البلاد، وستكون "زينة المونديال" أشبه بزينة أوروبا في أعياد الميلاد ورأس السنة. مع فارق إظهار جمال تراث قطر التقليدي، من ذلك أنّ المشجعين من الزائرين ستتاح لهم فرصة مشاهدة سباقات الهجن، فيما كورنيش الدوحة سيتحوّل لمسرح مفتوح مع مهرجانات موسيقية.
موروث ثقافي وحياة عصرية
سيكون المونديال فرصة لإظهار الهوية القطرية، ومن ذلك إنارة 1440 عموداً على شكل سعف النخيل الذي يعكس الموروث الثقافي الوطني، فيما ستكون الشواهد على الحياة العصرية متعددة، فشارع 21 هاي ستريت هو واجهة التسوق الخارجية مع سلسلة مقاهي ومطاعم عالمية يقع في قلب عالم الموضة في دولة قطر.
لن يشعر المشجع الزائر بأي ملل ولن يجد صعوبة في التنقل أو تمضية الوقت أو تناول المأكولات على اختلافها ومنها القطرية الشعبية، وذلك في سلسلة مقاهٍ ومطاعم مطلة مباشرة على البحر في الكورنيش الذي يُخصص للمشاة فقط، وفي أماكن فسيحة لأكثر من137 ألف متر مربع مع 940 شجرة و920 نخلة، وطريقة الوصول إلى الكورنيش والخروج منه مسهلة مع مواقف تستوعب 7700 سيارة و3 أنفاق للمشاة والدرجات الهوائية، وما يزيد في تسهيل ذلك اعتماد بطاقة "هيّا" الإلزامية لجميع المشجعين لدخول الدوحة، وهي بمثابة البوابة الحصرية للمونديال، ودخول الأماكن السياحية والمواصلات والملاعب..
وثمة فعاليات في 12 موقعاً أثرياً متاحة للمشجعين إلى جانب 23 متحفاً و3 آلاف مطعم و30 مركزاً للتسوق ومسار 33 كيلومتراً لهواة ركوب الدراجات الهوائية هو الأطول في العالم، ومن أبرز تلك الفعاليات حديقة البدع. وسوق واقف أحد المعالم السياحية في قلب الدوحة، وجزيرة المها في مدينة لوسيل. وسيتمتع الزائرون بمئة ساعة بث الموسيقى الحية مع نجوم عالميين وإقليميين في مساحة 5 ألاف متر، إضافة إلى عروض ترفيهية تنير درب لوسيل مساحة 88 كيلومتر.
المونديال سيكون في كل مكان وحتى على 120 طائرة مزدانة بالشعار الرسمي الذي رُسم يدوياً على ثلاث طائرات بوينغ 777.
المونديال الإستثنائي سيكون مقروءاً من عنوانه.
حفل الإفتتاح الذي يقول الشيخ أحمد بن حمد عضو المكتب التنفيذي للإتحاد القطري أنه سيكون علامة فارقة للإبهار والتميّز وسيجعل العرب فخورين بالإستضافة وسيكون حدثاً تاريخياً بمفرده وسيُتعب الدول المستضيفة لاحقاً.