أهالي الطفيل السُّنّة: "أهل ذمة" بحمى حزب الله وكهربائه
كأنها لجنة "دولية"
عودة الكهرباء إلى الطفيل قد يكون "الديّة" التي لا بد من تسديدها، لوضع حد لتوترات متكررة في البلدة، منذ قام حسن دقو بجرف مساحات شاسعة من أشجار مثمرة تعود لأهالي البلدة، الذين يتوزعون مساحات من أراضيها "عرفياً"، من دون صكوك تثبت ملكيتهم لها.
وقد عادت الكهرباء تتويجا لتوافق ضمني لم يتخلله أي لقاء مباشر بين مفتي الجمهورية عبداللطيف دريان والرئيس سعد الحريري من جهة، وحزب الله من جهة ثانية. وكان مفتي بعلبك بكر الرفاعي صلة التواصل، فخلص إلى تشكيل لجنة ضمت إليه كل من النائب ابرهيم الموسوي، محيي الدين الجمال ممثلا عن تيار المستقبل، ومحام يمثل الأهالي وآخر عن حسن دقو، وطارق دندش. وأوضح الرفاعي أن مهمة اللجنة إرساء توافق ينزع فتيل التوترات التي سادت البلدة.
إطلاق أسرى وأرض
نظرياً، باشرت اللجنة بتطبيق بعض قراراتها، وأبرزها ما يتعلق بتجميد الدعاوي القضائية من الطرفين، وحتى تلك المتعلقة بوقف الشيوع، والتي رفعها الأهالي لانتزاع اعتراف قانوني بحقوقهم في استثمار الأراضي التي "ثمّرها" أجداهم. ووفقاً للمفتي الرفاعي فإن وقف الدعاوى أو تجميدها يترافق مع إطلاق بعض الموقوفين، الذين فك أسر بعضهم صباح اليوم الخميس والعمل جار على إطلاق آخرين في الأيام المقبلة.
وحسب المعلومات فإن المسار القضائي سيشكل المقدمة لتوافق أوسع، يتعهد من خلاله حسن دقو بالتعويض مالياً على المتضررين من عملية جرفه الاشجار المثمرة، من دون أن يعني ذلك استعداده لإعادة الأراضي التي انتزعها منهم. علما أن موضوع ملكية الأراضي يبقى عامل الخلاف الأقوى، كونه يتخطى 600 سهم التي أثبت دقو ملكيته الشرعية لها، إلى محاولة وضع يده على ممتلكات مصرف لبنان من الـ 1800 سهم المتبقية.
ذمية بلدية
وفي هذا الإطار يؤكد محيي الدين الجمال أن اللجنة ستعمل على صياغة اتفاق يحدد ملكية 600 دنم، ولا يسمح بتخطيها للتعدي على أرزاق الأهالي ومنازلهم.
وأوضح الرفاعي أن الخلاف في البلدة ليس على الـ600 سهم التي اشتراها دقو، بل على من يضع يده على حصة مصرف لبنان من ملكية الأراضي. أما المعادلة التي تم التوصل إليها وفقاً للرفاعي، فهي أن يحمي القوي الضعيف، وبالتالي يمتنع دقو عن مضايقة المزارعين في استثمار بعض الدنمات التي يسترزقون منها.
يبرر الجمال تدخل تيار المستقبل في مفاوضات يبدو فيها ميزان القوى مائلا لغير مصلحته، بمحاولته حماية أهالي الطفيل.
لكن البنود المتسربة عن اجتماع اللجنة الأول، تكشف عن حلول تعتبر "حمالة أوجه" ويمكنها إذا ما أسيء تنفيذها أن تسيء إلى أهالي البلدة الضائعة على الحدود، والتي يجاهد أهلها بين انتماءين للحفاظ على وجودها، من دون أن يتمكنوا من تحديد هوية واحدة نهائية تفرض الحماية الشرعية لأهلها، بعيدا عن منطق "الذمية" الذي قد يقتادون إليه حفاظاً على أمنهم ولقمة عيشهم.
فالطفيل المعروفة ببيئتها السنية الموالية لتيار المستقبل، تقع جغرافيا تحت رحمة النظام السوري في تأمين كهربائها ومياهها وتعليم أولادها وحتى تصريف مواسمها. ويشكل تسديد ثمن تغذيتها الكهربائية من قبل حزب الله مؤخراً، مبرراً إضافياً لإخضاعها من الحزب، الذي بدخوله من باب المصالحات يمعن في وضع المنطقة تحت سيطرته بحجة ضمان حماية أهلها ومصالحهم.
والطفيل المحاصرة بـDEAD END يقودها إلى الأراضي السورية، لا تملك سوى منفذ واحد إلى الأراضي اللبنانية، يمر في قرى نفوذ حزب الله البقاعية، وفي مجتمعات تشكل خاصرته القوية في الدفاع عن مصالحه بهذه المنطقة.
مصالحات عشائرية
إنطلاقا من ذلك، يمكن قراءة قبول أهالي الطفيل بإسقاط الدعاوى القضائية المرفوعة ضد دقو، سواء تلك المتعلقة بالتعديات أو بالخطف أو برفع الشيوع، إلى جانب قبولهم عدم العودة إلى الأراضي التي اقتلعت أشجارها، والاكتفاء بالتعويض المالي على ما اقتلع منها، كتنازل أول عما ناضلوا لأشهر طويلة حتى لا يصلوا إليه، ومن دون ضمانات تؤكد التزام طرف النزاع الثاني بما تعهد به.
ويؤكد الجمال بأن الضمانة هي مقررات اللجنة التي ستكون ملزمة للكل، مشيراً إلى أن الأهالي جمدوا الدعاوى ولم يوقفوها. وبالتالي هم قادرون على تحريكها في حال جرى الإخلال بأي بند من بنود التوافق، مشدداً على أن كل الاتفاقات تجري تحت سقف القانون الذي لن يسمح بخرقه في البلدة.
ولكن عن أي قانون يجري الحديث، إذا كانت الدولة هي الغائب الأكبر؟! سواء في وقف الاعتداءات على الأهالي، أو في وقف التعديات على أملاك عامة وأخرى مشغولة من قبل أهالي الطفيل. كما أنها لم تشرك في المفاوضات التي تجري لحل النزاعات بطرق المصالحات العشائرية. وقد اعتزلت المسؤولية حتى بالنسبة لتسديد ثمن الكهرباء التي تستجر من سوريا لإنارة منازل البلدة.
بالنسبة للرفاعي، الدولة اللبنانية غير موجودة في الطفيل. وهي مظلومة تاريخياً وجغرافياً. ولولا أحداث سوريا لبقيت حتى من دون طريق داخلي يصلها بباقي الأراضي اللبنانية.
إنطلاقاً من هذا الواقع، يمكن قراءة التوافق الأولي الذي حصل لإنهاء توترات الطفيل، تسليماً لشؤون البلدة لقوى الأمر الواقع، وبرضى تيار المستقبل، الذي تبدو كفته الأضعف في إدارة المفاوضات التي جرت. ما يثير التخوف من أن الكهرباء التي عادت إلى الطفيل، قد لا تخرجها من "ظلمة" أشد وطأة عليها: تخلي الدولة رسمياً عن رعايتها، بعدما جرب أهلها كل السبل لانتزاع حقهم من هذه الدولة، وصولاً حتى إلى الاعتصام أمام دوائرها الرسمية. والخوف من أن يكون أهل الطفيل صاروا "أهل ذمة" لمن أمن لهم الكهرباء اليوم، وأن يكون ذلك مقدمة لإخضاعهم بأمنهم وحتى بحقهم في التمسك بانتمائهم للبلدة. والأيام المقبلة إما أن تثبت ذلك أو تكذبه.