قاضية الحريات تبرّئ ناشطين في حراك "طلعت ريحتكم"
العلم رمز الحرية
تنطلق القاضية صفا في قرارها من مفهوم علم الدولة، معتبرةً أنه "رمز البلاد وسيادتها، ويجسد معاني الشرف والكرامة والحرية، ويرمز إلى مبادئ الاعتزاز والفخر والانتماء الوطني". وبالتالي فإن تحقير العلم، وفقاً للقرار، يقتضي تُوجّه إليه "عبارة أو إشارة أو حركة أو رسم من شأنها أن تنال من هذه المبادئ".
هكذا أخرجت القاضية صفا مسألة تحقير العلم من السياق الأخلاقي المطاط، وحصرته في مجموعة من الدلالات الوطنية القابلة للقياس. والحال فإن عبارة "طلعت ريحتكم"، وإن كانت وفقاً للمفاهيم العامة "تخرج عن حدود اللياقة وأصول التخاطب، فهي عبارة لا تعدو كونها تندرج في إطار حرية إبداء الرأي والتعبير عنه". وبهذا المعنى فصل القرار بين اللياقات الاجتماعية، مع ما تستدعيه من احترام مقامات معينة، عادةً ما تندرج رموز الدولة ضمنها، وبين حرية الرأي والتعبير التي تتوسّع مساحة تقبّلها الخروج عن اللياقة كلّما تعلّق الأمر بأداء السلطات. ويستند القرار إلى المادة 13 من الدستور اللبناني، والتي تكرّس حرية الرأي والتعبير، ليؤكد أن كتابة الشعارات على الحائط هي "ممارسة حق التعبير عبر وسيلة سلمية، لحض الدولة على القيام بمعالجة أزمة النفايات ..."
الكرامة وحرية التعبير
ومن النقاط المهمة في القرار، إبراز القاضية للواقع الاجتماعي مبيّنة أهمية ممارسة حرية الرأي والتعبير، وبالتالي أهمية حمايتها من قبل القضاء. وهو توجه مخالف تماماً للدور الذي تلعبه النيابات العامة والمتمثّل بالتركيز على ملاحقة الأفراد على خلفية تعبيرهم عن رأيهم، أو انتقادهم شخصية سياسية أو زعيم سياسي. بهذا المعنى تبرز القاضية صفا موقع قضية النفايات بالنسبة لمصالح اللبنانيين عموماً. فتشير إلى أن "هذه الأزمة طالت كل المناطق اللبنانية وعانى من تبعاتها الصحية والبيئية جميع اللبنانيين".
وهي تكمل في السياق نفسه، وبأسلوب ينطوي على نقد أداء الحكومة من جهة أولى، وادعاء النيابة العامة من جهة ثانية، حيث تعتبر أن العبارات موضوع الإدعاء "لم تهدف إلى تحقير العلم إنما دفاعاً عن إحدى المبادئ التي يجسدها، ألا وهي العيش بكرامة في بلد يفترض أنه يؤمن لمواطنيه حقوق ووسائل حياتية أساسية على أقل تقدير".
وتنتهي القاضية صفا إلى إعلان أن "ما أقدم عليه المدعى عليهما، يشكل تعبيراً إحتجاجياً عن تدهور وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني من تفاقمها واشتداد تأزّمها المجتمع اللبناني كله".
قاضية الحريات
بقرارها اليوم تكمل القاضية صفا مسيرتها في حماية حرية التعبير والاعتراض على إساءة استعمال السلطة. المشترك بين أحكامها، إضافة إلى كف التعقبات عن المتظاهرين، هو توسيع دائرة حرية التعبير وإبداء الرأي، عندما يتعلّق الأمر بمطالبة المواطنين بحقوقهم وانتقادهم أداء السلطة، إلى حدود تتخطى الأخلاقيات واللياقات. وهذا يكرس أولوية حقوق الناس الأساسية وسموها على كل مقام تكرّسه المنظومة. وكانت القضايا السابقة تتعلق بـ"تحقير الحكومة ووزرائها". وهذه التهمة وجّهت إلى ناشطين في دعويين: واحدة على خلفية رفع صورة لجميع الوزراء، وكتب عليها "زبالة لبنان"، والثانية بسبب رمي الناشطين طابات بينغ بونغ برتقالية اللون، دوّن عليها كلمة "حرامي"، "وزير حرامي"، "فاسد"....
ولوحق الناشطون أيضاً على خلفية توجيهه عبارة: "يا تمام يا زبالة" إلى رئيس مجلس الوزراء آنذاك. وأخيراً قضية ضد مجموعة من الناشطين دوّنوا عبارات تعبر عن رفضهم دفع ضرائب إضافية على بلوكات باطون في منطقة الروشة.