نقابة المحامين تبدأ عهدها الثوري لتكريس الدولة المدنية
لم يكن قد مرَّ 48 ساعة على انتخاب نقيب المحامين الجديد المستقل ملحم خلف، حين رأيناه على باب ثكنة الحلو يدافع عن حق الموقوفين بمقابلة محام. فليل 19 تشرين الثاني 2019، بعد يوم حافل تمكّن فيه الثوار من منع انعقاد الجلسة التشريعية، قام جهاز مكافحة الشغب بحملة اعتقالات عشوائية في ساحة رياض الصلح، متذرعاً بمشادّة حصلت في الساحة. اقتاد رجال الجهاز الأمني 12 شخصاً إلى ثكنة الحلو. وحضور خلف لم يؤدِ فقط إلى تدخل محامين منعهم عناصر الدرك من دخول الثكنة، بل إلى حضور عدد إضافي منهم، بينهم أعضاء في مجلس النقابة. وهكذا فتحت محاضر التحقيق وختمت، في حضور محامين يفوق عددهم المعتقلين في الثكنة. وليلاً خرج خلف إلى المعتصمين أمام الثكنة، وأعلن موقف النقابة من التوقيفات:
- إنتهاء أيام دخول الموقوفين إلى المخافر من دون محامين: "لا يقفل باب في وجه محامٍ يحمل بطاقته"
- حضور المحامي ضمانة لتطبيق المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية: "لكل موقوف حقوق فورية بالتواصل مع أهله أو مع محام ومقابلة أكثر من شخص. نريد حسن تطبيق هذه المادة"، قال خلف
- حماية الموقوفين من الإهانة والتعذيب: "نريد أن نعرف مكان توقيف كل موقوف ووضعه الصحي".
وقبل انتخابه أعلن خلف أنه "من الأشخاص الذين يتكلم عنهم عملهم، ولا يعيش على الوعود والأمنيات". وهو بدأ بإثبات ذلك بتوجهه السريع إلى ثكنة الحلو، وقيام جمعية "فرح العطاء" التي يرأسها بتنظيف باحة قصر العدل بعد الانتخابات، وفرزها، وتوجهه ليلة فوزه إلى ساحة اللعازارية، حيث خيمة لجنة محامي الحركة الاحتجاجية.
انتخابات وطنية
لا يتصل توجه خلف إلى ساحة الاعتصام في وسط بيروت، بموقفه الشخصي من الثورة حصراً. فهو انضم إلى صفوفها منذ اللحظة الأولى، واعتبر فوزه إنتصاراً جديداً لها. وفي العقد الأخير للمرة الأولى تتصدر انتخابات نقابة المحامين الأخبار، وينخرط الناس في الشارع في مناقشة نتائجها محاولين التأثير فيها. وقبل ثورة 17 تشرين الأول، ربما لم يتخيل محام أن شباناً وشابات يمكن أن يهتفوا في ساحة رياض الصلح: "اسمع حرامي، منك أخدنا المحامي"، أو "قولو لكل العصابة، نحن أخدنا النقابة، وجبناها من السلطة النصابة".
يعرف خلف أنه وصل إلى هذا الموقع في مرحلة حرجة جداً. لذا قال لفريق حملته الانتخابية بعد إعلان النتائج: "يجب أن نتفق على أن لا أحد ينجح وحده. أنا أنتظر من المحامين الحاضرين هنا أن نتكاتف. فما ينتظرنا صعب صعوبة المرحلة. يجب أن نكون أقوياء ومتعاونين لنفتح أفقاً للبلد الذي يستحق أن نعمل لأجله". وفي كلمته الأولى في النقابة قال: "النقابة حصن منيع للحريات، لبناء مؤسسات الدولة، لتكون مثالاً لها. دولة لا تخشى تداول السلطات".
برنامج النقيب
تحت عنوان "رافعة وطن" أطلق خلف حملته. وبرنامجه ينقسم إلى جزأين متلازمين، هما النقابة والوطن. وهو يحمل طابعا "إستراتيجياً" يهدف إلى استشراف "كيف تكون النقابة عام 2030".
على الصعيد النقابي يتجه خلف إلى "تحويل النقابة مؤسسة سندها علوم الإدارة". وهذا ما يستدعي احتمال "إعادة نظر في نظام النقابة الداخلي، بعد العودة إلى الجمعية العامة". ورؤية خلف لا تنفصل عن الحاجة إلى تطوير عمل النقابة ومكننته. وهو يتطرق إلى ملف الاستشفاء النقابي، الذي تدور شبهة فساد كبيرة لا تزال معالمها غير واضحة، لا سيما بعدما منع النقيب السابق أندريه الشدياق أي محامي من الاطلاع على الملف المتصل بالقضية وبعقد التأمين. وخلف مهتم بـ "التزام الشفافية المطلقة في هذه المسألة، وتمكين كل محام من الاطلاع عليها، إضافة إلى تصويب كل شائبة في العقد".
على الصعيد الوطني يذكّر خلف بالحاجة إلى استرداد دور النقابة الوطني الكبير، و"أن نقف (المحامين) في وجه التسلط والظلم، لا سيما أن النقابة هي حصن حريات الأفراد وحقوقهم". من هذا المنطلق "على النقابة استعادة دورها في زمن الانهيارات والتشرذم والخطر على لبنان".
دور النقابة.. والزواج المدني
إضافة إلى دور النقابة في حماية المتظاهرين والمحامين المدافعين عنهم، يتصل دورها الأساسي في التشريعات. ذلك أنه يتوجب على رئيس السلطة التشريعية ووزير العدل ورئيس لجنة الإدارة والعدل، أن يعرضوا القوانين التي تهم المواطنين على مجلس نقابة المحامين لتكلف اخصائيين منها لإبداء الرأي والمقترحات في شأن التشريعات وتقديم مقترحات حولها إلى المراجع المختصة وكان للنقابة مساهمات عديدة في هذا المجال.
كان خلف عضواً في لجنة التشريع في نقابة المحامين عام 2017. في العام نفسه أعلنت اللجنة عن مسودة مشروع قانون الزواج المدني، وهو استعادة لقانون قدمته النقابة سابقاً مع إدخال تعديلات عليه. وطرح مسألة نظام مدني للأحوال الشخصية، تماشياً مع تكريس مدنية الدولة. ودور النقابة المتوقع في هذا المجال هو الضغط لعدم عقد جلسات تشريعية لا تستجيب مطالب الثورة التي باتت واضحة، والمشاركة في إبداء الملاحظات على أي مشروع قانون يطرح على جدول أعمال المجلس النيابي، وكذلك بنود الموازنة.
وأبرز ما يمكن تسجيله بالنسبة لتوجهات النقيب في هذا المجال، هو ما أعلنه عن "استقلالية السلطة القضائية"، باعتبارها أولوية في عمله. وهذه المسألة لا تستقيم إلا بإدخال تعديلات واسعة على قوانين تنظيم القضاء العدلي والإداري، وإلغاء المحاكم الاستثنائية التي تحرم الأفراد من الوصول إلى حقهم في المحاكمة العادلة.