بول أبي راشد: حان وقت الغربلة.. لنستمر
في 22 تموز 2015، بدأت تحركات ما سيعرف لاحقاً بـ"الحراك المدني"، على خلفية أزمة النفايات. أقله، في السنوات الخمس الماضية، كان الحراك التجربة الأكثر تعبيراً عن سعي فئات متعددة من اللبنانيين إلى إحداث تغيير ما، وإن لم تكن خاتمته، وما وصل إليه أو أنتجه، واضحة أو جذرية. كان تجريباً ضرورياً، في كل الأحوال. خلال الأيام المقبلة، تستعيد "المدن" الحراك في سلسلة مقابلات مع أبرز فاعليه. وفي ما يلي مقابلة مع الناشط البيئي بول أبي راشد.
كناشط بيئي، يترأس "جمعية الأرض" في لبنان و"الحركة البيئية اللبنانية"، يعتبر أبي راشد أن الحراك بدأ منذ المؤتمر الصحافي الذي عقد في بلدة عين درافيل (قرب مطمر الناعمة) في تموز 2013، لتوجيه صرخة ضدّ الطمر والفضيحة البيئية التي تتجاوز ما حصل في بيروت الصيف الماضي. فـ"ما حصل في بيروت هو صورة مصغرّة عما كان يحصل في مطمر الناعمة، والإنبعاثات والسوائل التي وصلت إلى شوارع بيروت هي قليلة مقارنة بالأطنان التي تحمّل وسخها أهالي الناعمة". والأخطر من ذلك هو العصارة التي كوّنتها النفايات التي كانت تُحوَّل إلى البحر لتعيدها التيارات إلينا، فـ"الزبالة رجعتلنا كلنا".ِ
التسلسل الزمني
صبر الناس حتى كانون الثاني 2014، حين نزلوا وأقفلوا المطمر لمدة أسبوع. ثم عادت الحكومة لتعد بأنّ سنة 2014 ستكون السنة الأخيرة للمطمر، لكن الوضع استمرّ على حاله. وخلال هذه الفترة، أي في العام 2014، نشطت "الحركة البيئية" و"حملة إقفال مطمر الناعمة" إعلامياً وقدّمتا إلى الحكومة في نيسان حلاً بيئياً لمشكلة النفايات يشمل لبنان كلّه وليس بيروت وجبل لبنان فحسب، ولا تتجاوز كلفتها 40 مليون دولار، أي بكلفة أقلّ بكثير من مشروع الطمر والحرق.
لكن الحكومة عادت إلى المماطلة ورفضت الحلول. وفي كانون الثاني 2015 أقفل الأهالي مجدداً المطمر وأعيد فتحه للمرة الأخيرة حتى 17 تموز 2015، حينما بدأت النفايات تعمّ بيروت. يؤكد أبي راشد أن "الحركة البيئية وحملة إقفال مطمر الناعمة أرسلتا حلاً لمشكلة تراكم النفايات في بيروت قبل إقفال المطمر، لكنّ كالعادة تجاهلته الحكومة".
يرى أبي راشد أن "شرارة الحراك الأولى كانت بيئية وأنتجت وعياً بين الناس وضخّته في المظاهرات ليتبنّاه المتظاهرون. هكذا، تحضّرت الأرضية البيئية تحت شعارات لا للطمر ولا للحرق لتستفيد منها الإنتفاضة التي ذهبت إلى حد رفع شعار إسقاط النظام، رغم أنّ الموضوع الأساس لم يكن إسقاط النظام، بل كان النفايات والبيئة". لكن أبي راشد يتفهم ما حصل. إذ "عندما لا يستجيب النظام إلى مطالب الناس يرفضونه كلّه، خصوصاً أن هدفه كان الإستغراق في المماطلة ورفض الحلول وصولاً إلى الملل ليلجأ إلى ردم البحر بالنفايات وكسب أراض في البحر تكون أسعارها خيالية".
محاكمة الحراك
ثنائية أبي راشد التي تميّز بين حراك طرح حلولاً وحكومة ترفضها، تضفي نوعاً من "المعصوميّة" على الحراك، كأنه لم يخطئ أبداً. لكن أبي راشد يعتقد أن الحراك أخطأ في العنف، الذي بدأ بسبب أشخاص بدوا كأنهم "زعران"، "وهؤلاء إذا كانوا مندسيّن فالحراك لا يُلام. أمّا إذا كانوا جزءاً من الحراك فهو خطأ، ولا بدّ أن تتحمل إحدى المجموعات مسؤوليتها، لأنّ كل التحرّكات كانت تفشل بسببهم". ويوضح أبي راشد نقطة أخرى في ما يخصّ مشاكل الحراك وأخطائه، حيث يقول إن "ما يعتبره البعض أخطاءً تنظيمية للحراك كانت مسألة طبيعية، فالمجموعات لا تعرف بعضها ومن الطبيعي أن تختلف كثيراً".
كانت لحظة إطلال الجمعيات البيئية في 24 آب 2015 في ساحة رياض الصلح في مؤتمر صحافي قبل يوم من اجتماع الحكومة لإعلان المناقصات، والذي دعت فيه الناس إلى النزول إلى الشارع في اليوم التالي من دون الإنتظار حتّى 29 آب، أهمّ النقاط المفصلية في الحراك. فـ"في 25 آب فشلت المناقصات وأزيل الجدار الذي وضع أمام مجلس الوزراء وكان ذلك نجاحاً كبيراً للحراك". ويعتبر أبي راشد أن مظاهرة 8 آب في ساحة الشهداء، التي يصفها بـ"الراقية والحضارية"، كانت مهمّة جدّاً حيث أعطت النموذج الذي استقطب الناس وخلالها أطلقت الحركة البيئية الفيديو الذي أوضحت فيه الحل الذي تقترحه، ليفهم اللبنانيون تفاصيل مشكلة النفايات.
أبي راشد والحراك
منذ بداية التحركات في 2013 كان أبي راشد يخرج من بيته ولا يعرف إن كانت العودة مؤكّدة، إذ كان يلاحق أحياناً. كما أتهمّ بـ"العونية" لإبعاد الناس عنه، وحاولت السلطة تشويه صورته عبر مقال نشر على أحد المواقع الإلكترونية تحت عنوان "تاجر حطب". وحكاية الحطب هذه، كما يقول أبي راشد، كانت أن إحدى الغابات التي تحميها "جمعية الأرض" في بعبدا احترق جزء منها في 2014 وتم قطع الأشجار المحروقة فيها بعد الحصول على ترخيص.
ومرّة طلب أحد الأشخاص بعض الحطب من الأشجار التي حرقت وتمّ إيقاف شاحنته رغم حصوله على ترخيصي القطع والنقل. فوزير البيئة، محمّد المشنوق أراد تشويه صورة أبي راشد، وفقه. وهو، بحسب معلومات تسرّبت إلى أبي راشد، قال في حديث جانبي مع أحد الأشخاص في مؤتمر بيئي في مصر إنّ "تجارة الحطب ليست الضربة الوحيدة، بل بول أبي راشد يشغّل قاصراً معه".
الحراك إلى أين؟
يرى أبي راشد أن مشكلة النفايات تشمل لبنان كلّه، ولا تنحصر في بيروت وجبل لبنان. وهذا ما يجب العمل على إيضاحه، داعياً مجموعات الحراك إلى الإكثار من اللقاءات الإعلامية التي كانت مفيدة جداً. فـ"الحراك كان خطوة إلى الأمام في محاربة الفساد في لبنان وتعلّمنا منه واستفدنا، وعلينا الآن غربلة الصادق وغير الصادق ضمنه لنستمرّ".