فرح قبيسي: عفوية الشارع لا تكفي

في 22 تموز 2015، بدأت تحركات ما سيعرف لاحقاً بـ"الحراك المدني"، على خلفية أزمة النفايات. أقله، في السنوات الخمس الماضية، كان الحراك التجربة الأكثر تعبيراً عن سعي فئات متعددة من اللبنانيين إلى إحداث تغيير ما، وإن لم تكن خاتمته، وما وصل إليه أو أنتجه، واضحة أو جذرية. كان تجريباً ضرورياً، في كل الأحوال. خلال الأيام المقبلة، تستعيد "المدن" الحراك في سلسلة مقابلات مع أبرز فاعليه. وفي ما يلي مقابلة مع الناشطة في مجموعة "الشعب يريد" وعضو "المنتدى الإشتراكي" فرح قبيسي.


"مساواة، علمانية وعدالة اجتماعية"، هو الشعار الذي خاضت به مجموعة "الشعب يريد" المعركة ضد السلطة أثناء الحراك الشعبي. الخطاب السياسي الجذري الذي تجاوز أزمة النفايات ليشمل أزمة النظام اللبناني ككلّ هو ما ميّز المجموعة، وكان القاسم المشترك بين مجموعات طلابية ونسوية وسياسية، مثل "المنتدى الإشتراكي" و"نادي السنديانة الحمراء" في "الجامعة الأميركية" في بيروت، وبعض التنظيمات النسوية، بالإضافة إلى ناشطين مستقلين.

اليسار الجديد
إحدى أبرز أهداف الحراك، بالنسبة إلى "الشعب يريد"، كانت "الإستفادة من المساحة التعبيرية التي خلقها الحراك بهدف خلق خطاب سياسي يواجه خطاب السلطة"، وفق قبيسي. رأت المجموعة في فورة الشارع فرصة ذهبية لطرح خطاب شامل يوحّد المعركة ويربط قضايا العنصرية والتمييز الطبقي والذكورية وغيرها من الأزمات، ببعضها بعض. والنتيجة كانت صياغة ورقة سياسية تضمّنت، وفق قبيسي، "تشخيصاً لأزمة النظام اللبناني، ومعالم محاولة تجاوزها".

وفي حين حاولت بعض مجموعات الحراك إبعاد نفسها قدر الإمكان عن أي صبغة سياسية أو أيديولوجية، خشية خسارة شعبيتها أو تغيّر وجهة المعركة، حملت "الشعب يريد" خطابها بعداً يسارياً. فالأساس الذي بُني عليه تحالف "الشعب يريد" والذي سمح بإنتاج ورقة سياسية مشتركة، وفق قبيسي، هو "التشابه في الرؤى السياسية لأطراف التحالف، وذلك إنطلاقاً من إنتمائها إلى ما يمكن توصيفه باليسار الجديد". تضيف قبيسي أن "اليسار التقليدي منحاز لفئة من فئات السلطة. ما أدّى إلى فقدانه ثقة الناس، فكان ضرورياً بناء يسار جديد يسترجع هذه الثقة من خلال الشارع. فاليسار بحاجة، اليوم، أكثر من أي وقت مضى إلى حمل خطاب جذري والتشبيك مع مجموعات ناشطة"، على حدّ قولها.

العفوية والتنظيم
تعيد قبيسي أحد أسباب الضعف البنيوي في الحراك إلى "غياب التنظيمات السياسية، فقد عمدت السلطة السياسية منذ التسعينات حتى اليوم إلى تصفية معظم الصفوف النضالية والتنظيمات النقابية والحزبية التي تكوّنت تاريخياً من خلال السياسات الإقتصادية النيوليبرالية". هذا، بالإضافة إلى النظرة السلبية للأحزاب بسبب تاريخها غير المشجع، والنزعة العصرية إلى الميل إلى الفردية، ساهم في "خلق أفكار معادية للتنظيمات".

وترى قبيسي أن "ديمومة أي حراك، تفرض وجود تنظيمات تتجاوز المرحلة الراهنة، غير أن الحراك إعتمد بالكامل على عفوية الشارع". ولا تنفي قبيسي أهمية العفوية وضرورتها في خلق وهج للشارع، لكنها تعتبر أن العلاقة بين العفوية والتنظيم هي علاقة جدلية، يستفيد كل عنصر منها من الآخر. تضيف أن "التواصل مع الناس لا يكون في المظاهرات فقط. وهنا تكمن أهمية التنظيمات التي تحافظ على إستمرارية التواصل والحوار مع الشارع".

وفي مرحلة من مراحل الحراك، قرّرت "الشعب يريد" الإنسحاب من كتلة الحراك التنسيقية. أما السبب، فتعيده قبيسي إلى "غياب المساحة الديمقراطية التي تسمح للنقاش بأن يحصل، ما أفقد الاجتماعات فعاليتها. فقد كنا نمضي ساعاتٍ من أجل صياغة بيان أو الإختلاف حول موقع المظاهرة المقبلة". ففقدان الثقة المسبق بين المجموعات، وإنعدام التجانس بينها، "حال دون التفكير بتكتيكات يمكن إعتمادها من أجل تسجيل بعض الإنتصارات"، وفق قبيسي.

لحظة فارقة
مع إنطفاء وهج الحراك، وتراجع وطأة الشارع، عمد أعضاء "الشعب يريد" إلى حلّ التحالف. وتشير قبيسي، في هذا الصدد، إلى أن التحالف "كان مرحلياً ونشأ على خلفية الحراك، ولم نجد ضرورة لإستمراره بعد إنتهاء الحراك بالشكل الذي كان فيه". وتقرّ قبيسي أنه رغم رغبة بعض أطراف المجموعة بتحويل التحالف إلى تنظيم سياسي "لكن الإحباط الذي شعرنا به مع تراجع الحراك حال دون ذلك، لكننا مازلنا نتعاون ونتقاطع مع مجموعات التحالف في عديد من التحركات".

أما الحراك، رغم عدم إنتصاره في معركة النفايات أو العناوين الأخرى التي حملها، فترى قبيسي أنه حقّق مكاسب تجسّدت في "إحتلالنا، بأجسادنا، مساحات كنّا مقصيين عنها". عليه، توصّف قبيسي الحراك بـ"اللحظة الفارقة التي أدّت إلى تجذير وعي مئات من الشباب، والتي شكّلت تحوّلاً يُبنى عليه في المعارك المقبلة، خصوصاً أنها جهّزت أرضية التحالف والتشبيك".