الأحزاب والحراك: "كلن يعني كلن"
انطلاقاً من اعتبارها جزءاً من المجتمع، ودورها في التغيير في الكيانات السياسية الحديثة، فإنّ موقف الأحزاب وحساباتها من الأحداث السياسية يبقى دائماً مهماً، حتّى لو كان الشائع في لبنان أنّ الأحزاب هي التي تقف عائقاً أمام التغيير على الأصعد كلها. وبالنسبة إلى الحراك المدني الذي هزّ لبنان في الصيف الماضي، بدا واضحاً أنه في أغلبيّته الساحقة كان "لاحزبيّاً" وناتجاً من فورة شعبية على فساد الأحزاب وحكومتها. لكنّ هذا لا ينفي أن الأحزاب كان لها مواقف مختلفة منه تراوح بين التأييد بتريّث والمعاداة بحذر.
"المستقبل"
في رواية منسّق الإعلام في "تيّار المستقبل" عبد السلام موسى، فإن "المستقبل كان أولّ من أخذ موقفاً رسمياً من الحراك، في بيان واضح يدعم فيه المطالب التي ذكرت، ويحمّل فيه الحكومة والسلطة بإختلاف ألوانها مسؤوليّة الأزمة التي يعيشها البلد". والأكثر من ذلك، "كان فضاء قناة المستقبل مفتوحاً للناشطين من الحراك لتيحدّثوا ويحاوروا الناس حتّى لو تضمّن ذلك اتّهامات لتيّار المستقبل بحدّ ذاته".
لكنّ هذا التضامن مع الحراك لم يدم طويلاً، وفق موسى، لأنّ "الحراك انقسم إلى مجموعات لا تعرف ما هي مطالبها، مقدمة نفسها كبديل من دون أن تكون بالفعل بديلاً". ولا يخلو موقف "تيّار المستقبل" من خطابه المعتاد، إذ "كان هناك طابور خامس أراد الإساءة لضريح الشهيد رفيق الحريري، وتمّ التصويب على تيّار المستقبل من دون التركيز على أطراف أخرى تهدّد البلد بالسلاح وتبعده من الديمقراطية".
"القوات"
على عكس موسى، فإن موقف رئيس مصلحة الطلاب في "القوات اللبنانية" جاد دميان من الحراك لم يكن محوره حزبه، بل كان محوره الحراك وماهيته. فيقول دميان إن "أي حراك يعبر عن مطالب الشارع بالمبدأ يكون صحياً وسليماً، خصوصاً الحراك الأخير الذي كانت مطالبه صحيحة ومحقة".
وقد حاولت "القوات"، وفقه، التواصل مع قياديين في الحراك، لكن تعلق بعض الأشخاص بمقولة "كلن يعني كلن" والعداء الحتمي للأحزاب لم يفتحا المجال لها للدعم إلا عبر الأفراد. فـ"الحراك فصل المجتمع المدني عن الأحزاب، في حين أن الأحزاب هي جزء منه والتغيير لا يأتي إلا بالتكامل بينها وبين الجمعيات وسائر المؤسسات غير الحكومية". وفي رأي دميان أن "المظاهرات الشعبوية لا تصنع التغيير، والتغيير يأتي في التكامل بين الأفراد ضمن أطر سياسية موحدة الهدف، وليست مبعثرة كما كانت الحال بين مجموعات الحراك".
"الإشتراكي"
ينظر مريدو "الحزب التقدمي الإشراكي" إلى حزبهم بإعتباره أول المطالبين بالدولة المدنية العلمانية الخالية من الفساد. وهم بذلك يعلنون تميزهم عن الأحزاب الأخرى. وهذا ما يسمح للأمين العام لـ"منظّمة الشباب التقدمي" سلام عبد الصمد أنّ يقول إن الحراك المدني "كان ومازال بريق أمل للبنان كلّه، وأيقظنا لنعي أكثر مشاكلنا التي كنّا نعرفها من قبل. فقد هزّ الأحزاب وجعلها تعيد حساباتها وتقيّم أداءها في البلد".
لكن إعتراض عبد الصمد على بعض ما آل إليه الحراك يأتي من باب اعتبار سقف بعض المطالب عالياً جدّاً، كإستقالة الحكومة مثلاً. فبالنسبة إلى عبد الصمد "لم يكن هذا المطلب واقعياً، فالبلد دائماً بحاجة إلى حكومة تسيّر أعماله مهما كانت فاسدة". ويشير عبد الصمدّ إلى أنّ منظّمة "التقدمي" شاركت "رسميّاً في المظاهرات في بداية الحراك، لكنّ الحراك أكل نفسه، ولم يفكّر في أنّ بعض الأحزاب يمكن أن تدعمه عبر وزرائها ونوّابها، مبعداً الأحزاب عنه، في حين أنّها ومؤيديها جزء أساسي من البلد، ومن الجنون تجاهلها".
"التيّار"
يمكن تقسيم موقف "التيّار الوطني الحرّ" من الحراك إلى ثلاثة عناصر عبّر عنها أنطون سعيّد، مسؤول الشباب في مكتب العماد ميشال عون، وهو كان مسؤول قطاع الشباب في "التيار" الصيف الماضي. في العنصر الأول، يقول سعيّد إنّ "مطالب الحراك سبق أن أعلنها التيّار وطالب بها. كما أن عون حثّ الجميع على المشاركة في الحراك ودعمه".
لكن، في العنصر الثاني، "لم يتقبل الحراك العونيين كمحزبّين، وهذه مشكلة. ذلك أنّ التغيير لا يأتي إلّا من الأحزاب ولا يمكن التقوقع ضدّها". أما العنصر الثالث فهو "شموليّة الحراك"، التي عبّر عنها، وفق سعيّد، شعار "كلن يعني كلن"، الذي "استفاد منه الفاسد عبر وضعه في خانة واحدة مع من يعارض الفساد، في حين ظلم الإصلاحي عبر وضعه في خانة واحدة مع الفاسد".
تكتيك الأحزاب
من الملاحظ في خطاب هذه الأحزاب أنّ تكتيكها السياسي تجاه الحراك يذهب في ثلاثة اتجاهات. فإمّا انتقاد الحراك انطلاقاً من عدم التوافق مع مطالبه لإبراز ضعفه. وإمّا محاولة إحراجه والمزايدة عليه من زاوية رفضه الأحزاب بإعتبارها السبيل الأساسي للتغيير كما لو أنّ الأحزاب اللبنانية كانت تعبّر دائماً عن نماذج تغييرية. أو وضعه في صراع مع الحزب نفسه عبر تمييز الحزب عن سائر الأحزاب الأخرى، واعتبار أنّ الحراك ظلم هذا الحزب أو ذاك عبر شمله كل الأحزاب في خانة واحدة أو التركيز على ملفّات تبدو مرتبطة بحزب وبعيدة من "اهتمامات" الأحزاب الأخرى.