منال العاصي التي قُتلت بالصدفة

أورنيلا عنتر
الأحد   2016/07/17
انتقلت القضية من محاكمة القاتل إلى محاكمة الضحية عبر اتهامها بالخيانة الزوجية (علي علوش)

"يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد ناتج من عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه". استناداً إلى هذه المادة 252 من قانون العقوبات، خفضت عقوبة زوج الضحية منال العاصي، محمد النحيلي، من الإعدام إلى الحبس لمدة 5 سنوات، من ضمنها فترة توقيفه منذ سنتين. هكذا إذن. غضب زوج منال بعض الشيء، "فشّ خلقه"، ارتاح بعد تنفيسه الاحتقان الذي يضيّق على صدره، ثم عاد كل شيء إلى مكانه. الطنجرة التي ضرب بها منال عادت إلى مكانها. في هذه الأثناء، أي أثناء لململة "الفوضى"، صودف أن قُتلت منال العاصي.

مذ كنّا صغاراً، نسمع من حولنا النساء تنصحن بعضهن البعض: "إحذري غضب الرجل، هابيه، حاولي ألّا تغضبيه. وفي أسوأ الأحوال حاولي أن تحتوي غضبه بدلاً من أن تواجهيه في لحظتها". أن تواجه المرأة الرجل يعني أن تغضب هي نفسها، أن تنفعل، أن تعلو نبرة صوتها. أن يردّ عليها الرجل يعني أن يغضب أيضاً. غير أن غضب الرجل، على عكس غضب المرأة، مقوننٌ ومحق.

أن يغضب الرجل يعني أن تنتابه "ثورة غضب" كتلك المذكورة في المادة 252. يعني أن "يغلي دمه" فيشتهي سيلان دم زوجته. يشتهيه، تعلو نبرة صوته في وجهها ثم تعلو ذراعه وترتفع حتى تصل إلى وجهها وتبدأ رحلة ارتواء عطشه. خلال ثورة الغضب الشديد هذه التي يعترف بها القانون اللبناني ويبررها، سحل "الرجل الغاضب" زوجته من شعرها من دون نتيجة، إذ لم يزل الغضب بسرعة فضربها. ثم لكمها ورماها بطنجرة الضغط. لكن الرجل، على ما يبدو، كان فعلاً ثائراً، غاضباً، شديداً. لم يستعد هدوءه كما يجب إلى أن روى عطشه. امتصّ محمد الدم من فم منال، تركه في فمه يستطعم به ويستلذ. لما ارتاح وزال الغضب وعادت الأمور إلى ما كانت عليه، بصق الدم في وجه والدة الضحية، التي بدت، قانونياً، أنها ليست غير "فشة خلق".

في نهاية سوريّالية هي الأكثر تماشياً مع المادة التي اسنتدت إليها القاضية في حكمها، يخرج الزوج من المطبخ إلى الشرفة. يحمل معه الطنجرة، يضعها أرضاً ويقلبها. يجلس عليها ككرسي صغير، ليدخن سيجارة. إنها سيجارة ما بعد الشجار القصير. ثم يسأل عن طبق اليوم. يخيّل للمطلّع على بعض تفاصيل الحكم أنّ القاضية تعاملت مع القضيّة بهذه الخفّة، كما لو أنّها مجرد سجال بسيط دار بين زوجين. شجار يوميّ عاديّ حول من يُقلُّ الأطفال، أو مصروف البيت وتقصير أحدهما تجاه الآخر.

لكن "ثورة الغضب" التي شخصها القانون اللبناني لقاتل منال العاصي جاءت طويلة ومديدة، تفرّد خلالها بالضحية فعذّبها ونكّل بها. وهذه صدفة ليس إلا. "ثورة غضب" تنتهي بأن يمتص القاتل الدماء من فم زوجته. لم ترَ القاضية في محمد النحيلي وحشاً بل رجلاً غاضباً نتيجة عمل غير محق قام به المجني عليه. هكذا، تنتقل القضية من محاكمة القاتل إلى محاكمة الضحية، عبر اتهامها بالخيانة الزوجية. ذريعة أخرى، إلى جانب ثورة الغضب، تساهم في تركيز تخفيض حكم النحيلي: شرفه. شرف رجل غاضب، وقاضية امرأة أكثر ذكوريّة من الرجال الذكوريين أنفسهم.