حيطان المدن المدمرة في سوريا
ففي حمص وتحديداً في حي الوعر ينشط هذا الفن بشكل لافت. وتقول الكاتبة إيمان محمد إن "هذا الفن ليس جديداً على حمص، بل هو امتداد للنشاط السلمي منذ بداية الثورة لكنّه عاد أكثر جمالية وعمقاً". ففي أحد المباني الضخمة في المدينة والذي دمره القصف، رُسمت بعض الوجوه التعبيرية الممتعضة والمبتسمة، حتى غدا الحائط قبلة للأهالي ووجهة لالتقاط الصور التذكارية في هذه المدينة الحزينة.
"لك شيء في هذا العالم فقم" كتبت هذه العبارة على السور الخارجي لمدينة المعارض في حي الوعر المحاصر، وكانت بمثابة دعوة إلى طرد اليأس وتجديد روح الثورة. كما تضامنت هذه الرسومات مع الأحداث السياسية التي تجري على الساحة العربية، فرسم على أحد الجدران "الثورة لا تعدم" مصحوبة بإشارة "رابعة"، وذلك تضامناً مع الأشخاص الذين سقطوا في "ميدان رابعة العدوية" في مصر في صيف 2013، ورفضاً لحكم الإعدام بحق الرئيس المصري المعزول محمد مرسي.
ويرى مهند الحمود وهو ناشط ومصور من حمص أن عودة هذه اللوحات لم تكن لمناهضة النظام فحسب، بل "لتحيي الثورة والأمل في النفوس التي استوطنها اليأس". وقد نجحت هذه الرسومات بحسب الحمود في "اختراق قلوب الآلاف من المحاصرين حتى وصلت إلى المقيمين خارج حمص عن طريق نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
وفي داريا، المدينة التي اشتهرت بنشاطاتها السلمية، تحول العديد من الجدران لوحات فنية حقيقية. ويقول أبو مالك الشامي، وهو من الذين ساهموا بانتشار هذا الفن في المدينة، إنّ "الحياة باتت روتينية كثيراً في المدينة بعد انخفاض وتيرة المعارك في الفترة الأخيرة، لذا عدت إلى هواية الرسم". والحال أن رسومه، كما الرسوم الأخرى، تعبّر عن الحياة في ظلّ الحرب، أو تسخر من الواقع.
وعن مراحل العمل، يقول الشامي: "استعنا بداية بمصممين ورسامين موهوبين، وكان الاتفاق على مواضيع الرسومات يتم بالتشاور، بحيث تكون بسيطة ومفهومة. وتنطلق الفكرة في البداية من نموذج صغير على دفتر، ثم نختار حائطاً مناسباً بحيث يكون مكشوفاً أمام الجميع وعلى شارع رئيسي، ثم ننظفه ونرسم عليه بالفحم أو الطبشور".
ويؤكد الشامي أن الهدف الأساسي من رسومات الغرافيتي "تصوير معاناة الناس. فالرسمة أبلغ أحياناً من اللغة، عدا عن أنها تضفي على المدينة طابعاً جمالياً. كما إنها رسالة للعالم ليرى أننا قادرون على الحياة وسط ضجيج الموت".