"مداهمة حمام الآغا".. إستنسابية أمنية وفيض من الإنتهاكات
- أنا ما بعبد ألله، أنا بعبد جسد المرأة، لح علمك (سأعلمك) كيف تعبد جسد المرأة".
الحوار أعلاه الذي حصل بين الموقوف الأول (س) في قضية "حمام الآغا" و"محقق مكتب حماية الآداب" يصلح للتدليل على كم الإنتهاكات التي تعرض لها الموقوفون. فتختصر عبارة المحقق حقيقة مفادها أن عمليات التعذيب، لم تكن لإنتزاع إعترافات فحسب، بل لتأديب الموقوفين بما يتناسب وفهم المحقق الشخصي للآداب و"الطبيعة".
توثق الدراسة التي أطلقها كل من "المفكرة القانونية" وجمعية "حلم"، أمس في فندق "كراون بلازا" في الحمرا، تحت عنوان "مداهمة حمام الآغا، مداهمة من زمن آخر" الإنتهاكات والمخالفات القانونية التي تعرض لها الموقوفون الـ28. والحال أن كل تفصيل من تفاصيل الواقعة تقريباً، يشكل مخالفة للقوانين مرعية الإجراء وإنتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية.
إذن، وصل (س) الى المديرية العامة للأمن العام للحصول على تسهيل مرور ليتمكن من السفر، بعد أن أضاع أوراقه الثبوتية في لبنان. لكن التحقيق الروتيني الذي يُجرى للأجنبي تحول الى استجواب وتفتيش في محتويات هاتفه المحمول. بمعنى آخر، فإن طرح تهم من قبيل ممارسة الدعارة السرية و"المجامعة المخالفة للطبيعة"، كانت منذ البداية "بطريقة غير قانونية ولأسباب غير مشروعة". أما سندها فكان إعتبار عنصر الأمن العام أن (س) يتصرف بطريقة "غير سوية".
يوضح التقرير لهذه الناحية أن أولى المخالفات القانونية تكمن في كون "الأمن العام قد باشر التحقيق من دون دليل على وقوع جريمة". ذلك أن جل ما وجدوه في هاتفه كان عبارة عن أفلام إباحية، وهذا ما ورد في المحضر. في المقابل لم يرد فيه ما يدل على وجود أدلة ما حول نشاط (س) الجنسي. بالتالي، فإن السند الوحيد في التحقيقات كان مجرد حكم مسبق من قبل العنصر في الأمن العام، وهو مبني على أساس السلوك أو اللباس أو غيره من المظاهر الخارجية. ويعتبر هذا النوع من الممارسات، وفقاً للتقرير، "تمييزاً على أساس الإنتماء لفئة اجتماعية أو دينية أو عرقية، وبالتالي مساساً بالحقوق المدنية والحريات الفردية، وبالأخص مبدأ المساواة والحق بالخصوصية".
والواقع أن الأمن العام "خرج عن إختصاصه" بمجرد قيامه بتفتيش الهاتف من دون إشارة من النيابة العامة. اذ لا سلطة مباشرة للضابطة العدلية لإجراء أي استقصاء عن أي جرم، خارج حالة الجرم المشهود، من دون إشارة من النيابة العامة التمييزية.
وتحول ادلاء (س) أنه كان يعمل سابقاً في "حمام الآغا" الى ذريعة استند اليها مكتب حماية الآداب لمداهمة المكان. ينقل التقرير رواية أحد العاملين في الحمام التركي، عن شخص "دخل بثياب مدنية من دون أن يُعرِّف عن نفسه بصفته مؤهلاً أولاً في قوى الأمن الداخلي، بل إكتفى بطلب مساج اكسترا". يقول العامل أنه اعتذر من الشخص الذي أصر على طلبه مدعياً أن (س) أرسله الى المكان، بهدف استدراج العامل. غادر الشخص المكان بعد رفض طلبه، لتبدأ المداهمة.
نفذت المداهمة بحسب ما يورده التقرير وفقاً لـ"قرار مسبق بتوقيف جميع الموجودين في الحمام". ما يزيد الطين بلة، أن المدعي العام كان قد أشار لقوى الأمن بـ"توقيف جميع العاملين داخل المحل والزبائن ومالكه بعد التثبت من وجود أعمال مخلة بالآداب". والحال أن إتباع هذه الإجراءات من قبل قوى الأمن يعتبر خرقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية التي تفترض الفصل بين المتهمين والشهود. وذلك على فرض أن الجرم كان مشهوداً عند المداهمة. غير أن هذا الشرط لم يكن متحققاً أصلاً.
لا حدود للإنتهاكات التي تعرض لها الموقوفون. واللافت أن كل هذه المخالفات كانت ترتكب بطريقة يصح وصفها بالمنهجية، لا سيما أنها تشابهت وتكررت في كل الأماكن التي نقل الموقوفون اليها، من المديرية العامة للأمن العام حيث تم توقيف (س)، مروراً بمكتب حماية الآداب، وصولاً الى سجن زحلة وأخيراً في الأمن العام عند إحالة الأجانب من الموقوفين اليه، لتسوية أوضاعهم أو ترحيلهم.
لكن الإضافة في سجن زحلة كانت إشتراك السجناء في حفلة الإنتهاكات. وفي كل مرحلة من هذه المراحل، كانت خصوصية الموقوفين تُنتهك من جديد، خصوصاً لجهة طبيعة ممارساتهم الجنسية. والأهم، أن الأحكام المسبقة لدى عناصر الأمن دفعتهم إلى إخضاع الموقوفين لفحوص السيدا والمخدرات وذلك من دون الحصول على أي موافقة مسبقة من قبلهم. ليهدد الموقوفون لاحقاً بالتلاعب بنتائج الفحوص ما لم يُقروا بالتهم الموجهة اليهم. بالإضافة الى تهديدهم بإجراء فحوصات شرجية، في الوقت الذي أصبحت فيه هذه الفحوصات ممنوعة قانونياً.
واللافت أن التعذيب وسوء المعاملة كانا مختلفين بين اللبنانيين والأجانب، وتحديداً بين العمال والزبائن. ذلك أن الأخيرين أستخدموا لترهيب اللبنانيين، فكانوا يتعرضون للتعذيب في غرفة قريبة منهم. ليقتصر التعذيب مع اللبنانيين على أشكاله غير الجسدية. يطرح هذا السلوك أسئلة أخرى حول وجود النزعة العنصرية والطبقية لدى أجهزة الأمن. وهنا لا بد من التساؤل عن أصل المشكلة لدى هذه الجهات، هل ترتبط حصراً بخوفهم على "الآداب" من المثليين، أم أنها تتعلق بنزعة نحو رفض الآخر في المطلق، وبالتالي الذهاب نحو انتهاك حقوقه؟
حتى اليوم لم يغلق ملف "حمام الآغا" أمام القضاء. وتتراوح التهم بحق العمال والزبائن بين "التعرض للآداب العامة" و"الإتجار بأشياء مخلة للحياء ومجامعة مخالفة للطبيعة". أما صاحب الحمام والعمال فيواجهون إتهامات بـ"تعاطي الدعارة السرية وتسهيلها وإغواء العامة على ارتكاب الفجور والإعتماد على دعارة الغير".