"الحزب" المجروح خائف ومخيف: التضامن لياقة وصواب سياسي

رأي دنيز عطالله
الأربعاء   2024/09/18
وسط "التروما" الجماعية لا يعود من متسع لنقاش سياسي، فكيف بالاختلاف والمساءلة والنقد؟ (Getty)
تتهيّب الأحزاب، كما عموم السياسيين، الكلام السياسي في زمن القتل والمجازر والاستهداف. يكتفي الجميع بإبداء التعاطف، مصحوباً بكمّ من الكلام الاجتماعي المنمّق. فوسط "التروما" الجماعية لا يعود من متسع لنقاش سياسي، فكيف بالاختلاف والمساءلة والنقد؟

بالأمس، أضيف 17 أيلول إلى تواريخ "التروما" الكثيرة في الروزنامة اللبنانية الدامية. واستدرجت عملية تفجير الـ"Pagers" غير المسبوقة "اضطراباً" سياسياً غير مسبوق بدوره. حاولت التصريحات أن تعكس مواقف وطنية تندرج تحت مصطلح "الصواب السياسي" (Politically correct) تراعي الحساسيات السياسية والاجتماعية، كما تراعي حساسيات طائفة مدماة بالمعنيين المادي والمعنوي.

بدا الجسد اللبناني وكأن فيه بعض من نبض "وحدة" لا يزال يخفق، وإن تراكم فوقه كمّ من ردم الخلافات الجوهرية.

لم تتغيّر المواقف العلنية اليوم. التزم معظم السياسيين المعارضين لحزب الله بالمواقف "الإنسانية". لكن التعهد بعدم ذكر الأسماء يشجع بعضهم على الافصاح عما يدور في الغرف المغلقة من نقاشات وانتقادات ومقاربات مختلفة.

فأحد النواب يقول "ليت حزب الله قبل أن يورطنا في مثل هذه الحرب، كان يعي أنها ليست لعبة طاولة زهر ترمي فيها النرد أو المقاتلين، وتراهن على الحظ والاستعداد للموت، لتفوز. هي لعبة شطرنج لا يمكن أن تربحها إلاّ إن كنت تمتلك كل قواعدها إضافة إلى الخطط المتعددة والهامش الواسع للمناورة والذكاء الطبيعي والاصطناعي".

الأسئلة المشروعة
بعيداً عن شروط الحرب وقواعدها، تأتي مجزرة الأمس لتعيد لدى بعض اللبنانيين التساؤل عن جدوى هذه الحرب وعن قدرة البلد على تحملها. فهي بالنسبة لكثيرين توريط للبنان بحرب لا تخصهم، بغض النظر عن تعاطف جزء كبير منهم مع القضية الفلسطينية. هي واحدة من ممارسات حزب الله الناتجة عن "فوقيته" واستقوائه في الفرض على اللبنانيين ما يرتئيه، مسقطاً من حساباته مصلحة لبنان وسائر اللبنانيين.

على امتداد أشهر كان الحزب يخوّن ويهدد من ينتقدون هذه الحرب، ويسألون عن جدواها وآفاقها، وموازين القوى فيها، وجمهوره يحلل "دماء الخونة وصهاينة الداخل". ولم يتردد نائب سابق ومسؤول في حزب الله من التهديد، الأسبوع الفائت، باغتيال أي رئيس للجمهورية يُنتخب من دون موافقة الحزب.

ومع ذلك، وفي خطوة ليست بديهية، "احتضن" لبنان عناصر الحزب الذين يحملون الـpagers، بالحد الإنساني المقبول، ومن سقط إلى جانبهم من الأبرياء.

فعلوا ذلك وهم يرفضون المقارنة بين مجزرة الأمس ومقتلة 4 آب. فحاملو الـPagers هم من المنتسبين للحزب، المنخرطين بطريقة أو بأخرى بالحرب، أما ضحايا المرفأ فلم يكن موتهم احتمالاً ارتضوه.

سارع العديد من السياسيين إلى التضامن مع "الحزب المجروح"، وخلفه طائفة، في سياق "اللياقات" اللبنانية، وربما، قلقاً من أن يأتي ردّ فعل الحزب في الداخل اللبناني، على غرار ما بعد حرب 2006، فيطيح بما تبقى من هيكل الدولة وتوازناتها، ويستدرج إلى "ميني" حروب سبق اختبارها قبل أن يمسك حزب الله بالبلد بشكل كامل.
فالـ"تروما" التي يعيشها البلد اليوم تترجم مظاهرها بالخوف والغضب والشعور بالضعف واليأس. وهي كلها مشاعر تحتاج إلى عناية وحكمة في معالجتها والتعاطي معها.
حكمة غير متوافرة اليوم عند حزب مجروح في الصميم، ولا عند معارضيه، وقد أنهكهم استئثاره واستقواؤه في مقابل عجزهم عن صنع أي تغيير.
ولذا، فإن إنقاذ البلد وناسه، كل ناسه، من هذه الحرب يكاد يكون شبه مستحيل، وسط غياب أي تعاطف دوليّ جديّ يمنع تحويل البلد إلى حقل تجارب في سبل الموت وتكنولوجياته المتطورة.