"المدن" برفقة اليونيفيل في الجنوب: الفرصة الأخيرة لمنع الحرب

بتول يزبك
الإثنين   2024/09/16
ميلي: ""لا نستطيع فعل شيء سوى أن نكون حاجزًا بين طرفي النزاع المتحاربين" (خاص "المدن" - علي علّوش)
منذ نهاية حرب تموز العام 2006 وحتّى شهر تشرين الأوّل من العام 2023 الفائت، اقتصر دور قوّات "اليونيفيل" على مراقبة وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، والتزام الطرفين بتطبيق مندرجات القرار 1701. إلّا أنّه ومنذ بداية الحرب في قطاع غزّة، وبروز جنوب لبنان كمنصة عسكريّة لما اُصطلح على تسميته بـ"جبهة الإسناد"، والإطاحة بـ17 عامًا من الهدنة النسبيّة، تبدّلت تدريجيًّا أدوار حفظة السّلام، من كونهم قوّات مراقبة، لقوّات تدأب على استنقاذ حلٍّ للوضع الخطير والمُعقّد في الجنوب، وتخفيف حدّة النزاع. لاعبةً إلى جانب دورها كمراقب، دور الوسيط الذي ينقل الرسائل (المباشرة وغير المباشرة) بين الجيش الإسرائيليّ وحزب الله (فضلًا عن لبنان الرسميّ). هذا الدور الذي كان محط جدل دوليّ قبل صدور القرار النهائيّ في التمديد لقوّات "اليونيفيل"، أواخر آب الفائت (راجع "المدن").

جولة ميدانيّة
في تقريرها الأوّل، كشفت "المدن" عن أبرز المحطات الّتي مرّت بها خلال الجولة الميدانيّة الّتي خُصّصت لها ليومٍ كامل، وذلك نهار السبت الفائت، 14 من أيلول الجاري. والّتي واكبت فيها نشاطات الكتيبة الإيطاليّة في قوّات "اليونيفيل" في كل من قاعدة UNP 2-3 الواقعة عند أطراف بلدة شمع، وقاعدة العمليات الأماميّة UNP 1-13 الواقعة عند أقصى الحدود اللّبنانيّة في الناقورة.

أما في هذا التقرير فتنقل "المدن" تصريحات الضباط المسؤولين في قواعد اليونيفيل، الّتي زارتها. وتحديدًا مقابلتها مع المسؤول الإعلاميّ لقوّات "اليونيفيل" في القطاع الغربيّ، الكولونيل ماركو ميلي، والتصريحات الإعلاميّة الصادرة عن القوّات.. وهنا وقائع المقابلة (الّتي أُجريت بالإنكليزيّة):

الخطر الداهم

* ما هي رؤيتكم الاستراتيجيّة للمرحلة المقبلة بما يتصل بأعمال "اليونيفيل"، وتحديدًا بعد قرار التمديد لها؟ هل هناك أهداف أو معالم محددة تهدف القوّات إلى تحقيقها، لا سيما بالنظر إلى المشهد السّياسيّ والأمنيّ الحالي؟

- "لا نستطيع فعل شيء سوى أن نكون حاجزًا بين طرفي النزاع المتحاربين. ومهمتنا تقتضي بوضع حدّ للخطر المُحدّق اليوم ودرء سيناريو الصراع الشامل بالرغم من ذلك. ستشاهدون اليوم، وبأمّ العين أبعاد هذا الخطر وعبثيّة هذا الصراع".. بهذه الكلمات استهل الكولونيل ميلي، إجابته.

وأضاف: "على الرغم من التوترات المتزايدة، لا يزال حفظة السّلام المتفانون موجودين في الميدان. نواصل تنفيذ أنشطتنا، بما في ذلك الدوريات الّتي تكون على مدار السّاعة (7/24)، وعملنا الأساسيّ مع الأطراف لتهدئة وتخفيف التوتر في المنطقة". وأكّد: "هنا تكمن أهمية التمديد، دورنا أساسيّ ولولا وجودنا لكان الصراع حتمًا سيتوسع".

وعن أعمالها ومهامها: "بالإضافة إلى مسؤوليتها عن مراقبة وقف الأعمال العدائيّة، رافقت "اليونيفيل" ودعمت الجيش اللّبنانيّ في المراحل المبكرة من تنفيذ القرار 1701، أثناء انتشاره في جنوب لبنان لأوّل مرة منذ ثلاثة عقود. تقدم اليونيفيل دعمًا مستمرًا للجيش الذي يتحمل المسؤوليّة الأساسيّة لضمان الأمن في المنطقة. ولتنفيذ ولايتها كما حدّدها قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 (2006)، تقوم "اليونيفيل" بمجموعة من العمليات. تشمل الأنشطة التشغيليّة الدوريات بالسيارات وعلى الأقدام ليلًا ونهارًا، وإنشاء نقاط مراقبة وتفتيش، وتنفيذ عمليات مضادّة لإطلاق الصواريخ (CRLOs)، ومراقبة الأنشطة، وخصوصاً على طول الخط الأزرق والمناطق المجاورة، وتنفيذ عمليات إزالة الألغام غير المنفجرة والذخائر العنقودية".

وأردف: "حاليًا، تقوم "اليونيفيل" بحوالى 14,000 نشاط تشغيليّ شهريًا في المتوسط، منها حوالى نصف الأنشطة تتعلق بالدوريات والمراقبة. ويتمّ تنفيذ حوالى 20 بالمئة من تلك الأنشطة بشكل مشترك مع الجيش اللّبنانيّ. بالإضافة إلى ذلك، تجري اليونيفيل والجيش تدريبات وتمارين مشتركة عديدة لتعزيز التنسيق التكتيكيّ والتشغيليّ وفعالية أنشطتهم المشتركة".

* حتّى تشرين الأوّل الفائت، كانت هناك آلية وساطة أكثر رسميّة تعتمدها "اليونيفيل" لجمع مسؤولين عسكريين من الطرفين في غرفة واحدة، لكن هذه الآلية تمّ تعليقها منذ ذلك الحين. اليوم يبرز خطر الصراع الشامل، فكيف يتمّ التواصل مع الطرفين؟ هل تعتقدون أن الأعباء والمهام تضاعفت على كاهلها في هذا السّياق؟ وكيف تحاولون الحؤول دون توسّع الصراع؟

- "تشعر قوّات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان بقلقٍ بالغ إزاء تزايد كثافة تبادل إطلاق النار بين الأراضي اللّبنانيّة وإسرائيل، وخصوصًا مع بروز احتماليّة أن يؤدي أي سوء تقدير صادر عن أي طرف إلى صراعٍ مفاجئ وأوسع نطاقًا. لكننا نعتقد أن هذا السّيناريو يُمكن تجنبه. نحن نتحدث مباشرةً مع السّلطات اللّبنانيّة والإسرائيليّة بانتظام، ونحثّها على وقف التصعيد والالتزام بالعمل من أجل التوصل إلى حلٍّ سياسيّ ودبلوماسيّ. وما زلنا نحث جميع الجهات الفاعلة المعنية على وقف إطلاق النار. ونحن نواصل تنفيذ الأنشطة على طول الخط الأزرق لتهدئة التصعيد ومنع سوء الفهم. سنفعل كل ما في وسعنا للحد من التوترات والعودة إلى التنفيذ الكامل للقرار 1701، كطريق نحو الاستقرار والسلام في نهاية المطاف.

"قبل الحرب، كانت "اليونيفيل" تتواصل مع كلا الطرفين على مستويات ثنائيّة متعددة، وكذلك من خلال منتدى ثلاثي الأطراف، الذي يشكل محور تواصل المهمة مع الأطراف. وتتمّ الاتصالات مع كلا الطرفين في إطار ترتيبات التنسيق والاتصال المتفق عليها. أما وعلى المستوى الإستراتيجيّ الأرفع، فيتمّ التواصل المباشر بين رئيس البعثة/قائد القوات والجنرالات المعنيين من الجيش اللّبنانيّ وجيش الدفاع الإسرائيلي (بما في ذلك خط ساخن). ويكمل ذلك على المستوى العملي اجتماعات واتصالات منتظمة يقوم بها أعضاء فرع الاتصال، بالإضافة إلى الموظفين السّياسيين حسب الحاجة".

الجدليّة الّتي تحيط بدور اليونيفيل
* كيف سيتمّ تنفيذ قرار مجلس الأمن الدوليّ رقم 1701 في المستقبل، خصوصًا في ظلّ الانتقادات الّتي تشير إلى وجود تحديات تحول دون تطبيقه بالكامل، بالنظر إلى استمرار وجود أسلحة حزب الله وقواته جنوب نهر الليطاني، والاعتداءات والخروقات الإسرائيلية؟ ما هي الخطوات التي ستُتخذ لضمان فعالية القرار، وكيف سيتم تعزيز التعاون مع السّلطات اللّبنانيّة؟

- "نحن محايدون ولا نتصرف وفق إملاءات أي طرف، لكن قد نتعرض للاعتداءات وقد نتضرّر بفعل القصف المتبادل، لكننا ملتزمون بأداء مهامنا على أكمل وجه، وأعمال اليونيفيل تتدرج ضمن ثلاث مهمام أساسيّة، وهي:

- مراقبة التجاوزات والانتهاكات للقرار 1701، ونحن من أبراج المراقبة في مواقعنا الاستراتيجيّة، شاهدون على الصراع كاملًا ونوثقه ونصدر التقارير ونرسلها إلى المقرّ الرئيسيّ في نيويورك.

- مساعدة الجيش والتعاون معه.

- تقديم الخدمات للسكّان ومساعدتهم".

وأضاف: "لا نستطيع سحب سلاح أحد، مهمتنا المراقبة، وأداء واجباتنا كما أسلفت"، لكن بالمقابل "نحاول قدر الإمكان وبالتعاون مع الجيش وضع حدّ للتجاوزات، أكانت الّتي تقدم عليها إسرائيل، أو حزب الله".

*تردّدون دائمًا أن التعاون مع الجيش اللّبنانيّ هو واحدٌ من أولوياتكم، فكيف يتمّ هذا التعاون؟

- "في آذار العام 2017، كلف مجلس الأمن بإجراء مراجعة استراتيجية لـ"اليونيفيل"، شجعت الجيش واليونيفيل على دراسة وتطوير إمكانية إنشاء وحدة نموذجية مخصصة لقطاع جنوب الليطاني في منطقة عمليات "اليونيفيل"، كخطوةٍ ملموسة نحو تعزيز قدرات الجيش في تنفيذ القرار 1701 (2006). وفي الوقت ذاته، أكدّت المراجعة على أهمية تولي الحكومة اللبنانية الجيش المسؤولية في هذا الصدد. وفي وقت لاحق من العام نفسه، رحب القرار 2373 (2017) بنية الحكومة اللبنانية نشر فوج نموذجي في منطقة عمليات اليونيفيل، لتعزيز تنفيذ القرار 1701 وسلطة الدولة اللبنانية. كما رحبت قرارات لاحقة لمجلس الأمن الدوليّ بنية الحكومة اللبنانية نشر الفوج النموذجي في منطقة عمليات "اليونيفيل"، وطلبت من لبنان وضع جدول زمني لنشره".

و"يسعى الفوج النموذجي إلى تعزيز الخطة التشغيلية القائمة للجيش. وقد أنشأت اليونيفيل بعد ذلك آلية تنسيق تضم الجيش وممثلين حكوميين وأعضاء داعمين من المجتمع الدولي لضمان نهج شامل، يهدف إلى دعم قوات الجيش اللّبنانيّ وتجهيزها وتدريبها وتمكينها من بناء قدرات تشغيلية ملائمة لتنفيذ المهام المنصوص عليها في القرار 1701 (2006).
يظل الحوار الاستراتيجي المشترك بين الجيش واليونيفيل جزءًا من خطة تطوير قدرات القوات المسلحة اللبنانية المحدثة، التي تغطي الفترة 2018-2023. وتركز الجهود الحالية في إطار الحوار الاستراتيجي على نشر الفوج النموذجي للجيش في منطقة عمليات اليونيفيل وتطوير استراتيجية للانتقال التدريجي لمسؤوليات قوة المهام البحرية إلى البحرية اللبنانية. وتنسق أنشطة اليونيفيل وتواصلها مع المانحين لدعم بناء قدرات الجيش عن كثب مع مكتب منسق الأمم المتحدة الخاص للبنان".

العلاقة بالسكان
*بعضٌ من السّرديات الّتي تبنتها قوى وأطراف دوليّة، أن "اليونيفيل" وباعتمادها على حسن نيّة السكّان، قامت بالتقصير بمهامها، فكيف هي علاقة "اليونيفيل" بالسكّان المحليين؟ وما صحّة هذه الادعاءات؟

- "تولي اليونيفيل أهمية كبيرة للعلاقات مع السكان في المجتمعات في منطقة العمليات، حيث يعمل حفظة السلام. هناك عدة جوانب لهذه العلاقة: إبلاغ المجتمعات بولاية اليونيفيل وأنشطتها؛ تقديم أو تسهيل مستوى محدود من المساعدة؛ احترام ومشاركة الثقافة والعادات والاهتمامات المحلية؛ المشاركة في الأحداث المجتمعية وضمان الحد الأدنى من التأثير على الحياة اليومية الطبيعية نتيجة عمليات اليونيفيل في المنطقة. لهذا الغرض، تتفاعل اليونيفيل بانتظام مع المجتمعات وعلى كل المستويات.

تعد الشؤون المدنية (المدنيون) والتنسيق المدني-العسكري (العسكريون) هي الآليات الرئيسية التي تستخدمها اليونيفيل للتواصل مع المجتمعات في منطقة العمليات. يلعب أفراد اليونيفيل دورًا رئيسيًا في التنسيق مع السلطات المحلية والمجتمعات، بالإضافة إلى تنفيذ مجموعة من الأنشطة لدعم السكان في مناطق مسؤولية اليونيفيل."

"رغم أن اليونيفيل ليست وكالة إنسانية أو تنموية، إلا أنها أظهرت منذ السنوات الأولى لنشرها توجهًا إنسانيًا قويًا في معالجة آثار الحرب والاحتلال في جنوب لبنان. تقدم كتائب اليونيفيل مجموعة من الخدمات الأساسية للمجتمعات، باستخدام المهارات والخبرات التقنية لحفظة السلام، وكذلك من خلال استخدام محدود لموارد الهندسة وغيرها من الموارد التشغيلية لليونيفيل لدعم السكان المحليين. توفر قوات اليونيفيل مساعدات طبية، وطب الأسنان، والبيطرية وغيرها للسكان المحليين مجانًا. بالإضافة إلى ذلك، تنظم قوات اليونيفيل برامج تدريبية للناس في مجالات مثل مهارات الكمبيوتر، واللغات، وصنع الخبز، والحياكة، واليوغا، والتايكوندو. كما تنفذ اليونيفيل مشاريع ذات تأثير سريع ومبادرات للتعاون المدني-العسكري لدعم تمديد سلطة الدولة في منطقة العمليات ولمساعدة السلطات المحلية في معالجة بعض من أكثر الاحتياجات إلحاحًا للسكان".