التمديد لـ"اليونيفيل": الواقعية الفرنسية والطموحات الأميركية.. والانقسامات اللبنانية
وتجري حاليًّا مناقشة مسودة قرار التمديد لليونيفيل، في مجلس الأمن في نيويورك. وذلك على مستوى الخبراء بين بعثة لبنان الدائمة في الأمم المتحدة، وبين ممثلي بقية البعثات الدبلوماسيّة، الّتي يتمسّك بها لبنان وفرنسا، حاملة القلم في الـ1701. أما العملية فتبدأ مساء الأربعاء 28 آب في نيويورك، حيث من المقرّر أن ينعقد اجتماع لمجلس الأمن لمراجعة التقرير السّنويّ للأمين العام حول تنفيذ القرار 1701. ويتمّ عرضه على مجلس الأمن الدوليّ الخميس المقبل في 29 آب للتصويت عليه وإقراره. وعادةُ ما يتسمّ الموعد النهائيّ هذا بمواجهة دبلوماسيّة، حيث تدفع إسرائيل (بدعم من الولايات المتحدة) لتوسيع صلاحيات اليونيفيل. كما كان واضحًا قبل عامين عندما تمّ إدخال بند في اللحظة الأخيرة، مما منح قوات اليونيفيل استقلاليّة أكبر.
السّجال الدبلوماسيّ للتمديد
والحال، أنّه وبعد حرب تموز 2006 وصدور القرار الأمميّ رقم 1701، نشأ ما اصُطلح على تسميته بأمرٍ واقع عسكريّ وسياسيّ، جعل من كل محاولات التقدم في تنفيذ مندرجات القرار مستعصياً وشاقّاً (بغياب حلّ فعليّ وتجميد مفاعيل القرار، والعقدة الحدوديّة المتمثلة بالأراضي اللّبنانيّة المحتلة، وتقييد حركة اليونيفيل تدريجيًّا). في وقتٍ زاد هذا الاستعصاء بجرعاتٍ مضاعفة، بُعيد الثامن من تشرين الأوّل، وتغير "قواعد الاشتباك" (Rules of Engagement والّتي تلتزمها القوّات المسلّحة عند استعمال القوّة سواء في النزاعات أو مهمات حفظ السّلام)، بين حزب الله وإسرائيل. لذلك فإن قرار التمديد لولاية اليونيفيل هذا العام وبعد الإطاحة بـ17 عام على الهدنة النسبيّة بين الأطراف المتقاتلة، يتسمّ بحساسيّة بالغة.
وبينما تثق الدبلوماسيّة اللّبنانيّة أن القرار هذا العام سيكون مشابهًا للعام الماضي، وسيتمّ تمريره من دون عقبات، كما جاء في حديث وزير الخارجيّة والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال، عبدالله بو حبيب، الذي التقى يوم الاثنين، سفراء فرنسا، الصين، إسبانيا، وايطاليا والقائمَين بأعمال سفارتَي روسيا وبريطانيا، وهاتفيًا مع سفيرة الولايات المتحدة الأميركيّة لدى لبنان، وعرض معهم المفاوضات الجارية حاليًّا في مجلس الأمن؛ ليؤكد أن "الثابت هو التمديد لليونيفيل لسنة أخرى، ومن دون إدخال أي تعديلات على قرار التمديد".. تطفو على السّطح تحذيرات الدبلوماسيين الحاضرين في نيويورك، والّتي تُشير إلى عدم استعجال التنبؤ بالقرار النهائيّ. بينما يتمنى دبلوماسيو الأمم المتحدة ألا تواجه عملية التمديد عقبات، تحديدًا في السّياق الحاليّ للحرب في الجنوب.
والتجاذب الحاصل بما يتعلق بالتمديد لولاية اليونيفيل، وضمنًا تطبيق مندرجات القرار 1701، يمتد على صعيدين وهما: الدوليّ والمحليّ.
الرؤى الدوليّة
بدايةً، وعندما أرسلت إدارة بايدن المبعوث الخاص آموس هوكشتاين إلى بيروت منذ نحو الأسبوعين، كانت أجندته الطموحة، هي تجنب حرب شاملة بين "محور المقاومة" وإسرائيل، وسط جهود أميركيّة منفصلة للتوسط في وقف إطلاق النار مع حماس، الذي يعتبره حزب الله شرطًا لا بد منه لتهدئة التوترات على الحدود.. وكان مطلب تعزيز دور قوّات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان –الّتي تضمّ أكثر من 10,000 عنصر، وهي أكبر انتشار لقوات حفظ السلام في العالم– مع الجيش اللّبنانيّ، ركناً أساسياً لدعم مبادرة هوكشتاين هذه، لخفض التصعيد.
إلّا أن توجّه الإدارة الأميركيّة اليوم (والمتماهي مع الرؤى الإسرائيليّة)، في "التريث" في التمديد لسنة كاملة أقلّه (إلى جانب إضافة تعديلات)، جاء لاعتبارات عدّة، فواشنطن تجادل بأن اليونيفيل لم تقم بشكلٍ تام بالاضطلاع بمهامها المنوطة بها. وتحديدًا فيما يتعلق بحظر الأمم المتحدة ترسانة حزب الله العسكرية جنوب الليطاني، معتبرةً أن اليونيفيل نادرًا ما كانت تصادر أسلحة الحزب قبل اندلاع الحرب في تشرين الأوّل، وترفع تقارير متوسطة اللهجة (اتهمت اليونيفيل بالتواطؤ)، فضلًا عن اعتمادها على "حسن نيّة السكّان". ولم تقمّ بدورها الأكثر أهمية المتمثل بعقد اجتماعات ثلاثيّة مع ممثلين من الجيش الإسرائيليّ والجيش اللّبنانيّ، والذي تمّ تعليقه منذ تشرين الأوّل، مما أغلق قناة للاتصال خلال أوقات الأزمات.
التلويح بالفصل السّابع
وأشارت بعض المواقف الأميركيّة إلى أن القرار 1701 صدر بموجب الفصل السّادس (وليس الفصل السّابع) وفق لوائح مجلس الأمن الدوليّ، قائلةً أنّه غير قابل للتنفيذ عسكريًا، ويعتمد تطبيقه بالكامل على تعاون إسرائيل ولبنان. ولكن على مدار سنوات، اعتبرت أن بيروت فشلت في الوفاء بهذه الالتزامات. بل إن الجيش اللبناني لم يساعد الأمم المتحدة في تنفيذ القرار 1701، وبدلًا من ذلك عمل على تفادي التصعيد والتعاون مع حزب الله، مع عرقلة وصول اليونيفيل إلى الأماكن التي تريدها. ملوحةً بتعديل القرار 1701 في مجلس الأمن أو اللجوء إلى الفصل السّابع لفرضه وإنشاء المنطقة العازلة بعمق 30 كيلومترًا داخل الأراضي اللّبنانيّة، وجعل المنطقة الواقعة جنوب خط نهر الليطاني خالية من السّلاح والفصائل المسلحة.
وثمّة أيضًا ما سُمي بتآكل الثقة الإسرائيليّة والأميركيّة في اليونيفيل (رغم أن الشكّ الأميركيّ قد تباين بين الإدارات المختلفة). وحاجج بعض المسؤولين الأميركيين لصالح إلغاء الانتشار الذي يكلف 500 مليون دولار سنويًّا، تدفع الولايات المتحدة منها 125 مليون دولار.
دور فرنسا
هذا في وقتٍ تلعب فيه فرنسا دور الوسيط بين لبنان المتمسك بالتمديد، من دون تعديل بنصّ القرار، والولايات المتحدّة الأميركيّة السّاعية لإجراء بعض التعديلات. إذ تمحورت زيارة وزير الخارجيّة الفرنسيّ ستيفان سيجورنيه الأخيرة للبنان حول تمديد المهامّ الاعتياديّة والطبيعيّة المنوطة بقوّات الطوارئ الدولية. وتتمسّك الإدارة الفرنسيّة بالتجديد التقنيّ وحسب، من دون إدخال تعديل جديد وإحداث أيّ تغيير. وفيما لم توافق فرنسا على المطلب الأميركي، تصطدم أميركا بعد الرفض الفرنسيّ اليوم، بالفيتو والموقفين الروسي والصيني المعارضين كلّيًّا لإحداث أيّ تعديل على نصّ المهامّ الدوليّة، خصوصًا من ناحية الاستعاضة عن مصطلح "وقف العمليات العسكريّة" بعبارة "تخفيف التصعيد العسكريّ".
التباينات الداخليّة
وفي هذا الوقت، وبينما يتدافع الدبلوماسيون الغربيون إلى إنجاح مساعيهم، عند هذا الاستحاق، يقف لبنان السّياسيّ وسط موجة الاستنفار الدوليّ هذا، وعلى سيرته الدائمة، منقسمًا، في حيرةٍ من أمره –وما هذا سوى امتداد بديهيّ لواقعٍ من التباينات السّياسيّة الجذريّة قائم منذ عقود– خصوصًا بما يتعلق بـ"الاستراتيجيّة الدفاعيّة" للبنان والقرار الاستراتيجيّ الذي لا يُمكن النظر إليه إلّا من خلال عدسة جيوسياسيّة.
وكما انقسم الفرقاء اللبنانيون حول طاولة الحوار قبل حرب تموز 2006 إزاء المحاور الإقليميّة، ومن ثم الدوليّة، وفي مقاربة القرار 1701، كما هو الحال الآن بين قراءة الحكومة لهذا القرار وقراءة رئيس مجلس النواب له، على سبيل المثال لا الحصر، وتجدّد الانقسام ولو ضمنيًّا حول التمديد لليونيفيل، بين الذي يطمح إلى توسيع صلاحياتها أو تطبيق القرارات الدولية من دون معوقات، وآخرين ممن اعتبروا أن وجودها في لبنان شكليّ..
1701 كممهد لتحقيق السّيادة
وفي هذا السّياق، يُشير النائب في البرلمان، ابراهيم منيمنة، إلى أنّ التمديد لليونيفيل هو أمرٌ أساسيّ. وبالنسبة له، فإنه منذ لحظة صدور قرار 425 (آذار العام 1978) وحتّى صدور القرار 1701 (آب العام 2006)، اليونيفيل لعبت دورًا أساسيًّا لتأمين الاستقرار في المنطقة، وعنصر محايد يراقب الخروقات ويسجلها. قائلًا: "ونحن اليوم، إذا أردنا إثبات حجتنا في الانتهاكات الّتي تقوم بها إسرائيل، فإن هذه الجهة كفيلة بهذا الموضوع، ونحن متمسكون على الأقلّ بما كان قائمًا، وبالنسبة لنا وجود اليونيفيل ضمانة لاستمرار الاستقرار في الجنوب على الأقل، وتمهيدًا لتنفيذ القرار كاملًا". وأضاف بما يتعلق بأهمية التمديد بما يصب بالمصلحة الوطنيّة: "بالنسبة لنا كلبنانيون ملتزمون فيه، وهذا ما صرحت به القوة السّياسيّة بمعظمها. ما نعرفه أن وجود حزب الله، يتجاوز الإطار العامّ لـ1701، وبالتالي واقعيًّا اليوم يجب فتح حوار مع حزب الله، بشأن السّياسة الدفاعيّة وتنفيذ القرار 1701 بالتزامن. واعتقد أن هذين الموضوعين متلازمان، حيث أن تحقيق المصلحة الوطنيّة بحماية لبنان وسيادة لبنان، يجب أن نأخذ بعناصر القوّة المتواجدة، وفي الوقت نفسه أن تكون حصريّة قرار الحرب والسلم، بيد الدولة وضمن القرارات الدوليّة، وبهذا نكون عززنا قوة لبنان تحت مظلة السيادة والوحدة الوطنيّة".
من جهته يعتبر رئيس جهاز العلاقات الخارجية في حزب القوات اللبنانية الوزير السابق، ريشار قيومجيان، إلى أن التمديد يجب أن يكون لمدّة سنة، نظرًا للدواعي اللوجيستيّة والعمليّة، أما بما يخص الصلاحيات فإن تطبيق اليونيفيل مع الجيش اللّبنانيّ لمندرجات القرار 1701 هو كافٍ من دون الحاجة لتوسيع صلاحياتها المنوطة بها بصورة حرّة، وفق منطوق الـ1701 بالتعاون مع الجيش، والدور الأساسيّ سيكون للأخير بمؤازرة هذه القوّات.
ويقول قيومجيان: "وبالطبع فإن التمديد يصبّ في المصلحة اللّبنانيّة. فكل الحلول الّتي تطرح حاليًّا، سواءً المبادرات الأميركيّة والأوروبيّة وما يقوله رئيس الحكومة اللّبنانيّة، كله يدور في فلك 1701 وهذا القرار هو أساس التركيبة كلّها، والإطار العامّ لأي مبادرات مستقبليّة سوف تنطلق من هذا القرار حكمًا، الذي أحد ركائزه هو هذه القوات الموجودة، مع الجيش اللّبنانيّ، الذي سينتشر على الحدود اللّبنانيّة وجنوب الليطانيّ بشكل فعليّ. وأهم نقطة في القرار هو عدم وجود أي مظاهرة مسلّحة سوى القوى الشرعيّة". وأكدّ قيومجيان، أنّه وبما يتعلق بموضوع اليوم التالي في الجنوب اللّبنانيّ، "فلا يُمكن تصوره إلّا بتنفيذ هذا القرار بصورة تامّة".
بين القرار 425 و1701
يُذكر أنّه وقبل صدور القرار الدوليّ رقم 1701 في 11 آب 2006، كانت قوات الأمم المتحدة تعمل في جنوب لبنان تحت اسم "قوات الطوارئ"، وذلك استنادًا إلى القرار الدوليّ رقم 425 الصادر في آذار 1978، الذي كان من أبرز المساهمين فيه السّفير اللّبنانيّ السّابق لدى الأمم المتحدة الراحل غسان تويني. وعملت هذه القوات وفقًا لذلك القرار لمدة أربع سنوات قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 6 حزيران 1982. وارتفع عدد أفراد قوات "اليونيفيل" من 1990 عنصرًا إلى أكثر من 10,000 عنصر في آب 2006.
وتشمل أبرز الدول المشاركة في مهام "اليونيفيل" إيطاليا، حيث يتجاوز عدد أفراد الكتيبة الإيطالية 1000 عنصر، تليها الهند بـ900 عنصر، ثم نيبال وغانا بـ874 عنصرًا لكل منهما. وتساهم إسبانيا بـ677 عنصرًا، بينما يبلغ عدد أفراد الكتيبة الفرنسية 667 عنصرًا، إلى جانب مشاركة دول أوروبية أخرى مثل صربيا، إيرلندا، فنلندا، واليونان، بالإضافة إلى الصين ودول أخرى.