السينودس يعلن توصياته والكواليس تضج بمواقف الفاتيكان وانتخاب بطريرك

دنيز عطالله
السبت   2024/06/15
الكنيسة المارونية: لا أولوية تعلو على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية
 

انهى اليوم سينودس الكنيسة المارونية برئاسة البطريرك بشارة الراعي، ومشاركة مطارنة الطائفة في لبنان وجميع بلدان الانتشار، أعماله.

ليس السينودس الأول ولن يكون الأخير الذي تتشابه توصياته مع بعض تمايزات ظرفية. لكن توقيت انعقاده السنوي صادف هذه السنة مع تحرك ديبلوماسي  فاتيكاني باتجاه لبنان، سيتوج الاسبوع المقبل بزيارة امين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين  هدفها المعلن المشاركة في احتفالية تنظمها جمعية "فرسان مالطا"، وسيكون له، "على هامشها"، لقاءات سياسية.

وكان بارولين قد التقى في الفاتيكان الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان وحضر الملف اللبناني في نقاشاتهما.

ترافق ذلك مع اعلان الدوائر الفاتيكانية أن البابا فرنسيس رفع الأب ميشال جلخ، الراهب الأنطونيّ، إلى رتبة الأسقفية بعد أن كان قد عيّنه منذ شهر شباط 2023 أمين سرّ دائرة الكنائس الشرقيّة في الفاتيكان.

 

متى البطريرك الجديد؟
تزامُن كل هذه الاحداث سلّطت الاضواء اكثر على السينودس، وفتحت أبواب الهمس حول موقف الفاتيكان من بعض سلوكيات المسؤولين الكنسييين الكاثوليك عموماً والموارنة خصوصاً.

وتحت كل ما يطفو من كلام عن مواقف فاتيكانية و"رسائل" واجتهادات، يبقى المسكوت عنه، الذي تتمحور حوله الكثير من السلوكيات والمواقف هو الحاضر الأبرز: "متى موعد انتخاب بطريرك جديد؟ ومن سيكون؟".

هو سؤال مشروع، تضج به كواليس اللقاءات الجانبية الكنسية والسياسية في لبنان والفاتيكان، تماما كالسؤال عما يشاع عن المواقف الفاتيكانية وملاحظاتها على اداء الكنيسة المحلية.

لكن العارفين باسلوب عمل الكنيسة يدركون جيداً ان الفاتيكان، الذي يعرف كل تفصيل حول الكنائس المحلية وملاحظاته عليها كبيرة، لا يتخذ أي قرار أو موقف يمكن أن يُفهم منه تقليلاً من دور وحضور وسلطة الكنائس المحلية. كما أنه حريص، اكثر مما يفترض كثيرون، على  هامش "استقلالية" الكنائس الشرقية وبطاركتها، وتحديدا البطريرك الماروني وموقعه ودوره.

وبالتالي، فان انتخاب بطريرك جديد لن يكون الّا برضا البطريرك الراعي واستقالته وحفظ مكانته وإرثه، كما انه، كما نقل عن مسؤول فاتيكاني سابق في لبنان "لن يكون هناك بطريرك جديد للطائفة المارونية قبل انتخاب رئيس للجمهورية".

يمسك الفاتيكان العصا من نصفها. يوازن بين الاحترام التام للكنائس والرهبانيات و"استقلاليتها"، وبين مواقفه الحاسمة والممتعضة من سلوكيات بعض رجال الدين ومواقفهم، خصوصاً في الشان الاجتماعي. لذا جاء البيان الختامي ليضع الإصبع على الجرح فيقول "يتوجه الآباء الى اولادهم المنتشرين في كل انحاء العالم، ويقولون لهم: انتم تطلبون منا، نحن الرعاة، شهادة حيّة في عيش خدمتنا الراعوية على مثال المسيح".

وليس يقيناً أنه تم تقصد اختيار المطران منير خيرالله لتلاوة البيان لتجربته الشخصية العائلية المؤثرة وما يرشح عن سلوكه وتواضعه وتعاطفه، حتى بدا شديد التاثر وكادت تغلبه دموعه وهو يقول" اننا نسمع صراخكم وأنينكم ونتحسّس وجعكم، ولا نستطيع أن نغمض أعيننا عن مآسيكم، ولا ان نصمّ آذاننا عن معاناتكم، ولا أن نجعل قلوبنا من حجر لئلا نغفل عن مساعدة أي فقير ومريض ومظلوم"... .

 

لا انقلابات ولا ثورات
ومع ذلك، قد يبدو هذا الكلام لبعضهم متأخراً قليلا. فليست المرة الأولى التي يؤشر فيها الفاتيكان إلى خلل في علاقة الكنائس المحلية بابنائها. عام 2015،  نقل عن الموفد البابوي يومها الكاردينال دومينيك مومبارتي قوله "كنيستكم من حجر وبلا رحمة"، وحكي الكثير عن "تقرير أسود" رفعه إلى الكرسي البابوي. ولكن الفاتيكان يعمل بهدوء وصمت. فلا انقلابات في الكنيسة ولا ثورات. ولكن تغييرات موضعية وبالتراكم. لا اكراه انما "تمنٍ واقناع" .

ووسط كل التحديات، الكنسية والوطنية وصولاً إلى دول الإنتشار، حاول السينودس "تفكيك" الملفات ومعالجة ما يمكنه منها واتخاذ قرارات بشأنها وتأجيل أخرى أو تشكيل لجان متخصصة.

في هذا السياق جاء في التوصيات " في النظر الى الواقع السياسي المأزوم اليوم، يعتبر الآباء أن لا أولوية تعلو على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية. لذا يدعون السادة النواب إلى القيام الفوري بواجبهم الدستوري والوطني وانتخاب رئيس، إذ بدونه لا حماية للدستور ولا إشراف على انتظام عمل مؤسسات الدولة، ولا فصل للسلطات، ولا خروج من الشلل السياسي والاقتصادي والمالي".

 

قيادة عملية وطنية
اضاف البيان "أمام هذا الواقع الخطير، ونظرًا إلى دور بكركي الوطني الجامع والحريص على لبنان الوطن الرسالة والنموذج، يرى الآباء أنه بات من الضروري أن تقف كنيستنا بشجاعة وجرأة وتواضع أمام التاريخ وأمام الضمير وأمام الله لتقود عملية وطنية لتنقية حقيقية للذاكرة التي تقتضي مراجعة ذاتية نقدية ترقى إلى فحص ضمير وتوبة ومحاسبة وغفران للوصول إلى حوار صادق وصريح وإلى مصالحة باتت ملحّة اليوم".

وليعلن عن "تأليف لجنة أسقفية تضمّ حكماء تعمل على التواصل مع جميع الأطراف اللبنانيين، دينيين وسياسيين، وتهيئة الأجواء لإطلاق المسيرة الوطنية لتنقية الذاكرة".

وتناولت المقررات شؤونا كنسية وقانونية وأوضاع الأبرشيات في النطاق البطريركي "وتوقفوا عند الحاجات المتزايدة التي يواجهها أبناؤهم وبناتهم في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والأمنية المتدهورة، لا سيما في لبنان وسوريا والأراضي المقدسة جرّاء الحرب الدائرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وما تجرّه على الفلسطينيين وعلى أبناء المنطقة من ويلات ودمار وضحايا بشرية. وامتدّت الحرب الى لبنان، وبخاصة الى جنوبه، لتزّج به وبأهله في دوامة الموت والدمار وحرق الأرزاق وتعطيل المؤسسات التربوية والصحية والتجارية".


حلّ الدولتين
واستنكروا "ما يتعرض له قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان منذ أكثر من ثمانية أشهر، من تقتيل وتدمير وتنكيل يصيب المدنيين، الأطفال والنساء قبل سواهم".

ودعوا "كل أصحاب الضمائر الحية في العالم إلى الضغط من اجل متابعة الحوار للوصول إلى وقف نهائي لاطلاق النار تمهيدًا لبدء مفاوضات بين الأطراف المعنيين، على قاعدة الدولتين وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 181.

كما توقفوا عند أوضاع أبنائهم في بلدان الخليج وحاجاتهم الروحية والكنسية من تأمين كهنة لخدمتهم الراعوية حفاظًا على تقاليدنا وروحانيتنا وتراثنا السرياني الانطاكي. وثمنوا ما يقوم به هؤلاء من دعم إنساني ومادي لأهلهم وعائلاتهم في لبنان وسوريا والأراضي المقدسة".

و شكروا "الأبرشيات المارونية في بلدان الانتشار، ومن المؤسسات العالمية، الكنسية والمدنية، على تضامنها ودعمها ومساعداتها السخية".

 

الهجرة وقضايا أخرى 
توقف المجتمعون، بحسب بيانهم "عند ظاهرة هجرة أبنائهم الموارنة من لبنان ومن سائر بلدان الشرق الأوسط نحو بلدان الانتشار وهي بتزايد مستمرّ وتطرح إشكالية تناقص أعدادهم في الأوطان الأم وتزايد الحاجات الرعوية لخدمتهم في الأوطان الجديدة والمضيفة". وقدّر الآباء ما يقوم به مطارنة الانتشار من جهود. وثمّنوا مطالبة هؤلاء المطارنة بتوسيع ولاية البطريرك القانونية على جميع أبنائه المنتشرين حول العالم وتعزيز العلاقات الأخوية مع مطارنة الأبرشيات الكاثوليكية في بلدان تواجدهم".

 تابع البيان "تداول الآباء في الأوضاع المعيشية المتدهورة في لبنان بسبب الأزمات المتراكمة وضعف القوة الشرائية مقابل ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والأدوية. ما أوصل أبناءهم وبناتهم إلى حالة الفقر وانعدام القدرة على تأمين الحاجيات الضرورية للحياة اليومية.

وتداولوا كذلك في الأزمات الاقتصادية والتربوية والاستشفائية التي يعاني منها أولادهم في لبنان، وبخاصة في ظل تقاعس المسؤولين في الدولة عن القيام بواجباتهم لتسهيل حياة المواطنين والحفاظ على كرامتهم.

وتوقفوا عند واقع المؤسسات الكنسية، وبخاصة تلك التربوية والصحية والاجتماعية، التي تمرّ في مرحلة دقيقة وصعبة على المستوى المالي. وشدّدوا بنوع خاص على أهمية المحافظة على مستوى التربية والتعليم في لبنان وعلى إبعاد التدخل السياسي الخطير بالمواضيع التربوية، وبخاصة في البرامج التربوية والإمتحانات الرسمية. فالقطاع التربوي هو كنز لبنان الحقيقي ولا يزال يعاند الأزمة الإقتصادية التي هزّت كيانه وأفلست مؤسساته. لذا وجب دعمه بكل الوسائل".

وعبروا عن "قلقهم البالغ حيال هذا الوضع وأكدوا وقوفهم إلى جانب شعبهم وأنهم سيعملون كما عملوا في السابق على تقديم كل المساعدات الممكنة عبر مؤسساتهم الكنسية المختصة وبالتعاون مع أبرشيات الانتشار والهيئات العالمية المانحة للمساهمة في دعم التعليم والاستشفاء والدواء لأبنائهم وبناتهم، وأنهم سيخصصون جزءًا مهمًا من مداخيل الأوقاف لهذا الغرض.

ويهمهم التأكيد على عزمهم بأن لا يبقى أخ في عوز وأخت بلا علم ومريض ينازع على باب المستشفى. ويطلبون من المسؤولين في المؤسسات التابعة للكنيسة المارونية التعاون على تحقيق هذا الهدف السامي.

ويطالبون من جهة ثانية الدولة القيام بواجباتها وإعطاء المؤسسات التربوية والصحية والاجتماعية حقوقها، وكذلك حقوق المواطنين الذين يؤدون واجباتهم كاملةً بدفع الرسوم والضرائب والمتوجبات الإدارية".


خطر على الكيان
واعتبروا أن لبنان يتعرض " لأزمة خطيرة تهدّد كيانه وهويته وتضعه في مأزق وجودي مصيري بالغ الخطورة والفرادة في تاريخه الحديث. (...) ومن المشاكل الأساسية التي يعاني منها لبنان، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي والمالي والاجتماعي، النزوح السوري اليه الذي يقوى يومًا بعد يوم بشكل مخيف. والحرب على الجنوب اللبناني التي جاءت لتزيد من مأساة الجنوبيين خاصة، واللبنانيين عامة، الاقتصادية والتجارية والزراعية والمالية والتربوية، ما أدى إلى تهجير أهله وتعطيل دورة حياتهم الطبيعية".

وثمّنوا "جهود الدول الشقيقة والصديقة من أجل تحييد لبنان عن النزاعات الإقليمية. ولكنهم يرفضون رغبة بعض المراجع الدولية في إبقاء النازحين على أرض لبنان من دون الاهتمام لما يجرّه ذلك على لبنان من أخطار مصيرية".