حسين الذي انتخب ترامب
قبل 17 عاماً هاجر حسين إلى أميركا. ترك لبنان بعدما ابتلع التضخم الاقتصادي وضآلة الفرص أي أمل له بتحسين حياته. كان مليئاً بعزة النفس والسخاء وحب الحياة والاستهلاك. ولذا، لم يتعايش أبداً مع فكرة الفقر، الذي بدا وكأن النظام الاقتصادي السائد في لبنان يفرضه عليه كقدر لا مناص منه.
في السنوات الأولى لهجرته، ظل بعقله السياسي وعواطفه وانفعالاته وكأنه مقيم في لبنان. نظرته إلى أميركا أيضاً كانت محكومة بثقافة سياسية لا تخلو من رطانة "الممانعة".
بعد سنوات قليلة، راح يخبرني كم هو محظوظ أنه لا يعيش مع لبنانيي وعرب ميشيغين: "لم يغادروا قراهم"، يقول. وكان يضحك ببعض المرارة حين نتحدث عن مجريات لبنان المخزية وصراعاته السياسية المتخمة بالدناءة والفساد.
كانت لغته واهتماماته تتغير على نحو "أميركي": أداء الشرطة المحلية، الرياضات التي يهواها أولاده، مخطط الإجازة، اجتماعات المدرسة، الضرائب..
ما كان يدهشني بحسين، الموظف البسيط في أميركا، ارتقاء أحواله المالية بمجرد انغماسه بالعمل، رغم أنه بات رب أسرة من ثلاثة أولاد. لديه منزله وسيارته وحساب إدخار في المصرف. كان يقول: "يكفي أن تشتغل. أولادك برعاية الدولة. حقوقك مكفولة بالقانون".
في عيشه الأميركي، راح حسين يخالط المكسيكيين والأفرو-أميركيين والبيض (الواسب) والكاثوليك وبعض العرب اليمنيين والمسلمين الباكستانيين وعائلات مسيحية لبنانية الأصل، على نحو أكسبه دراية بثقافات وأفكار وتقاليد بالغة التنوع والتنافر، محكوم بالتعامل معها يومياً بالقبول والاحترام. وبهذا المعنى، كان يتغيّر سياسياً وثقافياً ويصير تدريجياً "مواطناً أميركياً".
هذا المواطن الجديد، ابن ولاية شديدة التنوع الإثني، أضحى ببطء يصنّف نفسه سياسياً واجتماعياً، وفق مصالحه المباشرة، وحسب تصورات وخبرات وسلوكيات يومية، فهو يتصرف كـ"أبيض" وموظف منتج ودافع ضرائب، يشتكي باستمرار من العصابات التي يغلب عليها الطابع الأفرو-أميركي أو المكسيكي، ما عزز عنده مشاعر تمييزية.
كان يشتم أوباما بلا هوادة. كرهه بشدّة: "هذا الرئيس خرب حياتنا". كان موقفه منه لا علاقة له بالعنصرية تجاه "السود" ولا بأيديولوجيا سياسية، وبالتأكيد لا أثر فيه لسياسات أوباما تجاه الشرق الأوسط أو المسلمين أو العرب أو فلسطين ولبنان. بل نابع من تأثير خططه الاقتصادية والاجتماعية على حياة حسين وأسرته.
منذ عهد أوباما، كره حسين الحزب الديموقراطي وصار من أنصار ترامب والحزب الجمهوري المتحمسين. كان يتحدث عن قيم العمل والإنتاج وقيم العائلة وحب النظام والقانون.
ما فعله أوباما بحسين هو التالي: "البند الثامن" الأشبه بقانون للرعاية الاجتماعية والدعم الحكومي لـ"المهمشين" وتمكين الفئات الضعيفة. يشمل هذا "البند" الشهير، تأمين السكن، الغذاء، الوقود، الهاتف الخلوي، الرعاية الصحية الشاملة، التعليم، إضافة إلى راتب مالي شهري. وهذا يموّله دافعو الضرائب بالمليارات.
بالنسبة لحسين، فإن أوباما استهدف إرضاء "المهمشين"، وبشكل مباشر الأفرو-أميركيين والمهاجرين من أميركا اللاتينية.. على حساب العمال وأبناء الطبقات الدنيا وأصحاب المهن الصغيرة والموظفين والطبقة الوسطى، الذين أنهكتهم الضرائب كما فتك التضخم بمداخيلهم. فيما -برأيه- أصبح "المهمشون" سعداء بحالهم وغير مضطرين للعمل.
الأسوأ من ذلك عند حسين، أن أوباما كما بايدن، انتهجا سياسة إسكان أولئك "المهمشين" في أماكن وضواحٍ كالتي يقيم فيها هو. والنتيجة كانت وفق روايته: زوال الأمن وتخوف الشرطة من تسيير الدوريات في ناحيته، انحطاط المدرسة العامة، انتشار المخدرات وجرائم السطو، ثم انهيار أسعار المنازل والعقارات، وبعدها خراب الأعمال وهجرة السكان الأصليين إلى أماكن أخرى.
عندما اتصلت به مهنئاً بفوز ترامب، أجابني مبتهجاً: "انخفض سعر البنزين بمجرد إعلان النتيجة".
يرى حسين أن ترامب "وقح، لكنه صادق. يمكنه أن يهينك لأنه يقول ما في قلبه بلا تردد. بينما هاريس تتكلم بأشياء غير مفهومة وبلا أي صراحة".
أسأله عن رأيه بسياسات ترامب تجاه إسرائيل وفلسطين ولبنان، التي تتعارض مع وجدانه المتعاطف والمتحمس لـ"قضايا المنطقة": إذا كنت تريد تأمين حياتك وحياة أولادك ومستقبلهم بهذا البلد، فعليك التفكير بعقلك ما هو الجيد لك كمواطن أميركي. أما إذا انحزت إلى عواطفك، فلن تربح شيئاً. يكفيني اليوم أن ألصق على زجاج سيارتي علمي لبنان وفلسطين. وحين أزدهر وأرتاح (في عهد ترامب) يمكنني أن أدعم الناس هناك في فلسطين ولبنان.