حزب الله ووحدة الساحات: أينهم؟!

غادة حلاوي
الخميس   2024/11/07
هجّرت إسرائيل الشيعة من أرضهم بالتدرّج (علي علوش)
ليس بالضرورة أن يكون مصير الحرب الإسرائيلية على لبنان معلقاً على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. ثمة في هذه الحرب ما يستحق المراجعة والتوقف عنده ملياً، ويتعلق بما يشهده لبنان، الذي تخلى عنه الجميع وبقي رهين حروب الخارج، يتكبّد الشهداء والضحايا ويحصد الدمار، على مرأى ومسمع العالم. بلد صار انتخاب رئيس جمهوريته، كما قرار وقف الحرب عليه جزءًا من حسابات دولية وإقليمية معقدة ولا تأثير له عليها.
داخل مشهدية لبنان الأوسع ثمة مشهدية مؤلمة تتصل بالبيئة الشيعية: استشهاد قائد انتصاراتها، وخيرة قادة المقاومة وشبابها، تدمير ممنهج لمدنها وبلداتها وقراها من النبطية إلى بنت جبيل وصور ومرجعيون وبعلبك والهرمل والضاحية الجنوبية لبيروت، وتهجير أهل هذه المناطق وجعلها غير قابلة للسكن والحياة.

هجرة بالتدرج
نزوح السكان داخل الوطن قابل للعلاج رغم فداحة الكارثة. أمّا المقلق، فهو المعطيات عن هجرة آلاف العائلات الشيعية إلى خارج لبنان، وبالتحديد إلى سوريا ومنها إلى العراق، وسط كلام متزايد عن مؤامرة "ترانسفير" سكاني لشيعة لبنان إلى العراق وتوطينهم فيه، باعتباره "دولة الشيعة العرب"، وتوطين النازحين السوريين بدلًا منهم، تنفيذًا لمشروع إسرائيل في إعادة تركيب دول المنطقة على أسس طائفية وعرقية. أخبار مقلقة عن فتح المجال أمام اللبنانيين الشيعة للذهاب بسياراتهم ومن دون جوازات سفر، والاستقرار في العراق حيث تتأمن لهم أسباب الحياة من مساكن وفرص عمل، ومدارس.
هجّرت إسرائيل الشيعة من أرضهم بالتدرّج من الجنوب والبقاع، والضاحية الجنوبية لبيروت، في أكبر نكبة لهم منذ عهد المماليك. استقبلهم أهالي مناطق جبل لبنان والشمال في ظروف معيشية قاسية على جميع اللبنانيين المنكوبين بالحرب والانهيار المالي والاقتصادي. ليس سهلًا على المنتقلين ولا على المستضيفين أن يديروا الوضع المستجد. والخوف المتنامي على أبواب الشتاء هو من تزايد الاحتكاك والتوتر بين البيئتين، وسط غياب لأجهزة الأمن وإدارات الدولة. اجتماع الزعامات والقيادات الدرزية الدينية منها والسياسية لم يأت من فراغ. ثمة خوف حقيقي من "الاحتكاك" ومن تملك الشيعة للأراضي في الجبل، كما عبر عنه شيخ العقل صراحة واصفًا النزوح بأنه عبء على البيئات المضيفة.

يبدو شيعة لبنان وكأنهم تُركوا لقدرهم. يتوزعون على المدارس وداخل الخيم، وعلى الطرقات. طائفة كُتِبَ عليها أن تُهجّر مرة جديدة، ولكنّ الفرق شاسع بين ما أصابها في حرب تموز 2006 وما يصيبها اليوم. رجال حزب الله في ميدان لا أفق لنهايته، وعودة المهجرين بعيدة الأفق، فيما أرضهم محروقة مدمّرة، لا مال لإعادة الإعمار، وفي غياب السيد حسن نصرالله غاب صوت من يحفّز ويرفع الهمم، ويقنع الناس بأن يعودوا ويسكنوا ولو تحت خيمة وفوق الركام.

مال إيران
الحديث عن العودة وهم، في وقت لا شيء ينبىء بنهاية قريبة للحرب، لا بل يقال إن الأموال التي بدأت تتدفق هي لتمويل صمود المهجرين، لأن الحرب طويلة ومكلفة. لا شك في أن الجديد في المشهد هو دخول إيران المالي والسياسي والعسكري المباشر في محاولة للتعويض عمّا تكبّده شيعة لبنان، بسبب انخراط حزب الله في وحدة الساحات، التي استفادت منه ولم تفده، ولم يلمس منها أثراً لدعم عسكري مباشر من إيران. أمّا سوريا، فيبدو أنها نأت بنفسها بعدما حصلت على ضمانات بشأن مستقبلها، فقلبت صفحة الدعم وغيّرت في تعاطيها وعاد رئيسها إلى "الحضن العربي"، وهذا حقه. وها هي الأمم المتحدة تضع لسوريا استراتيجية التعافي المبكر.

بقية دول المحور تتوزع بين اليمن الذي بإمكاناته المحدودة يضرب إسرائيل ويواجه ضربات أميركية أكبر، والعراق المنهك اقتصادياً وسط صراعات داخلية حادّة. لا نظلم إن قلنا فشل المحور في أن يثبت فعاليته، بل على العكس من ذلك، نجحت إسرائيل في استهداف الساحات فوحدتها قصفًا في لبنان وسوريا واليمن وصولاً إلى إيران، في ضربات متبادلة ومدروسة.

استمرار الحرب
على أمل تبدل الظروف في ضوء نتائج الانتخابات الأميركية، ونضوج تسوية ما ينتظرها الجميع، فإن الوضع سيكون على ما هو عليه، أي استمرار الحرب الإسرائيلية وأن كانت استنفدت اهدافها المباشرة. وليس مستبعداً استمرار الحصار البري والجوي والبحري على لبنان وقطع طرق الإمداد لحزب الله، بدليل الضربات الاسرائيلية على المعابر مع سوريا.

وإلى أن تنتهي الحرب بتسوية، تشكل إيران طرفاً أساسياً من أطرافها، لا انتخابات رئاسية في لبنان، وسيتعزز خيار التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون مرة جديدة، بعد الاتفاق على المخرج القانوني لذلك.
الثنائي الشيعي المنهمك في الحرب الإسرائيلية سيتعاطى مع التمديد على قاعدة مكره أخوك لا بطل، ويجد نفسه مجبراً على إبداء مرونة تجاه التمديد وأن لم يكن يتمناه. ويؤكد مصدر نيابي رفيع أن التمديد بات خياراً جدياً، وأن ليس أمام رئيس مجلس النواب نبيه برّي سوى التماهي معه استجابةً لمطلب أميركي مباشر.