نعيم قاسم من تدريس الكيمياء الى اختبار معادلاتها
تركزت الاهتمامات والاضواء خلال اليومين الماضيين، على الأمين العام الجديد لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي اختاره كما اعلن شورى حزب الله مكان الأمين عام التاريخي الكاريسماتي والجماهيري السابق السيد حسن نصرالله، والذي اغتالته إسرائيل ببضعة الاف من أطنان المتفجرات والقنابل الخارقة للحصون والدروع الخرسانية التي تسلمتها من الولايات المتحدة الامريكية خصيصا لهذه المهمة.
وقد ثار السؤال مباشرة لدى جميع او اغلب المتابعين، وهو هل ينجح الأمين العام الجديد في تعبئة الفراغ الذي ولّده غياب الأمين العام التاريخي والمحبوب جماهيريا في بيئته اي السيد نصرالله؟
الداعي الى هذا السؤال بالطبع شهرة وجماهيرية السيد نصرالله، وعدد السنوات التي امضاها في المنصب.
الشيخ نعيم ليس رجلا هامشيا في حزب الله، فقد تولى منذ عام 1991 منصب نائب الأمين العام واستمرّت علاقته المباشرة بنصرالله لأكثر من 35 سنة، من خلال الموقع العملي المشترك في شورى حزب الله، واللقاءات الدائمة، والتشاور، ومواكبة التطورات.
مما لا شك فيه، ان المهمة التي انتدب قاسم للقيام بها صعبة ومعقدة بل بالغة الصعوبة لاكثر من سبب وسبب. ابرزها المساحة الكبرى التي كان يشغلها السيد نصرالله في قرار الحزب، بالتوازي مع القوى الأخرى، ومنها وأولها الحرس الثوري الإيراني والتعقيدات الاجتماعية والعشائرية والعائلية، المتصلة بسوسيولوجيا الحزب وتركيبته المحيطة والمؤثرة والفاعلة.
والراهن ان حزب الله، لم يعد لديه بفعل التطورات اي خيار اخر غير تعيين واختيار قاسم لهذه المهمة، اذ لم يعد هناك من يمكن تكليفه بمنصب الأمانة العامة، الا الشيخ نعيم، اضافة الى ان منصبه السابق يحتم ذلك في لحظة الازمة الكبرى.
مع العلم، ان الشيخ قاسم فيما مضى كان يمكن اللقاء به والنقاش معه بيسر من قبل الإعلاميين. كان يميل دائما لمتابعة ملفات تتصل بعمل الحزب وعدم توسيع مهامه، الى نواح أخرى، كمثل تسلم ملفات محددة يتابعها وينجزها ويبقي عليها، تحت المراقبة، كمثل ملفات الانتخابات وبعض الملفات الحكومية.
اذا كان الامين العام الراحل حسن نصرالله يُعرف بالبساطة والميل الى استلطاف الطرافة وبعض المُزاح، فان الشيخ قاسم يميل اكثر الى الجدية والانضباط والصرامة والدقة.
وقد يكون ذلك عائد الى العلوم التي درسها وطبيعة مهنته كاستاذ لمادة الكيمياء.
وهو كان يتولى في الحزب مهمات متعددة ودقيقة وحساسة، ومهمة ومحددة، كمثل قيادة وتنسيق الحملات الانتخابية، ومتابعة الملفات الحكومية والوزارية.
ما يجب الإشارة اليه، ان قاسم قد يكون هو المعمم الوحيد، في قيادة حزب الله الذي يتحدث ويعرف اللغة الفرنسية، وهو الوحيد الذي نال شهادة او مرتبة علمية، اذ ان اغلبية قيادات ورجال الدين الذين وصلوا الى قيادة الحزب، كانت ثقافتهم ودراستهم دينية حوزوية، وعلى الاغلب في مدارس الفقه والعلوم الدينية في النجف العراقي. اذ هي بالنسبة للشيعة الإثنا عشرية، محافظة مقدسة وباب علوم آل البيت، حيث فيها مرقد الإمام علي وفيها المراجع الدينية للشيعة والحوزة العلمية.
قاسم هو المعمم الوحيد، الذي اتصل بالعلوم الوضعية بسبب نيله الماجستير في الكيمياء من كلية التربية، في الجامعة اللبنانية. ومن ثم عمل مدرسا لهذه المادة لاكثر من ست سنوات.
وللعلم فان الدخول الى صفوف كلية التربية في الجامعة اللبنانية التي تخرج منها قاسم، في المواد العلمية، لا يمكن ان يتم من دون الخضوع لامتحانات دخول، والتي لا يمكن تجاوزها من دون حد ادنى من المستوى العلمي المقبول.
كما ان الشيخ قاسم، هو القيادي شبه الوحيد في حزب الله، الذي كتب ونشر كتبا ومنشورات وصلت الى العشرات. ومن اشهر ما نشره من كتب عن حزب الله وهو كتاب "حزب الله المنهج التجربة المستقبل" وقد طُبع منه الاف النسخ، وكتاب "حزب الله: القصة من الداخل"، كما نشر العديد من الكتب والأبحاث في الدين والفقه واشياء متعددة ولديه باسمه موقعا الكترونيا متقن المضمون والمحتوى.
مقصد القول، ان الأمين العام الجديد للحزب، بسبب علمه وعمله السابق احتك بعالم الواقع والتجريب، اكثر من احتكاك اقرانه بعالم الرؤية والروحانيات والتوقعات الايمانية الغيبية. ولهذا قد اكتسب قسطا كبيرا من طباع الصبر والدقة. وهذا ساعده على الصمود في منصبه، في موقع الرجل الثاني طوال هذه السنوات الماضية.
مع الاخذ بعين الاعتبار، ان رجل الكيمياء في العادة قادر اكثر من غيره على التعامل مع العديد من العناصر والمواد المتجانسة والغير متجانسة، لاستخراج مادة أخرى جديدة او وحيدة، قد تكون مفيدة او مضرة.
لهذه الأسباب، كلها فان الشيخ نعيم، قد ينجح في تولي منصبه وإدارة دفة الحزب في الحدود المسموح بها له، في هذه الظروف المحلية والإقليمية، اكثر من غيره من ما تبقى من شورى حزب الله على قيد الحياة، وعلى وجه الخصوص، بعد تمكن إسرائيل من إصابة اهداف متعددة في قيادة الحزب. وبالتالي، لم تكن امام الحزب خيارات واسعة، بل ان افضلها بالنسبة له في هذه الظروف كان اختيار الشيخ نعيم.
هل سينجح الشيخ نعيم، في قيادة دفة حزب الله مع كل تعقيداتها وادارتها على مختلف المستويات السياسية والعسكرية في هذه الظروف؟
من المؤكد، ان خطواته ستكون حذرة ومتأنية ومدروسة نتيجة الظروف المعقدة، والمتعددة العناصر التي تحيط بالحزب من الداخل والخارج، لكنها ليست مهمة عادية، بل استثنائية وتكاد تكون خانقة.
المشكلة الفعلية، التي تتصل بالحزب، وجمهوره المشرد والمنتشر الان على طول الاراضي اللبنانية وعرضها، تتصل بالفصل بين الواقعي والافتراضي والوهمي المؤدلج.
بعض مجموعات جماهير الحزب، تصدق بالرغم من كل ما جرى ويجري، ومن دون مبالغة، ما كان قيل لها، وهو امنيتنا جميعا بالطبع، اي اقتراب نهاية اسرائيل!
لقد ذهبت قيادة الحزب، ومن هو خلفها، اي تفكير الخيلاء التراجيدي والوهمي الفارسي، الى السيطرة على عقول العامة من جمهور الحزب، وتخديرهم بشكل خرافي وعدمي.
مهمة الشيخ نعيم صعبة جدا، فعليه اثبات نفسه في القيادة واهليتها، بعد اغتيال نصرالله، وعليه اقناع الجمهور المتعطش لتحقيق النصر الموعود، والمامول، بان الامل بهزيمة اسرائيل قائم وجدي وممكن بشكل حقيقي، وهو ما يثابر ويصر عليه في كل مناسبة!
هل ينجح مدرس الكيمياء النظرية، في التعامل مع معادلاتها، في المختبر الفعلي على ارض الواقع الملتهب؟ وفي عودة حزب الله الى ما كان عليه من سطوة ونفوذ ومصداقية مهشمة، كما كانت قبل النكبة الحالية، التي تسببت بها حرب المشاغلة والاسناد الوهمي وتحقيق ما كان وعد به؟