هل يتحول لبنان إلى غزة ثانية؟

بتول يزبك
الأربعاء   2024/10/09
هل يتحول لبنان إلى غزّة جديدة؟ (Getty)
هناك فرضيةٌ أقليمية-دولية تقول إن "هزيمة"حزب الله، وانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وضمنًا الـ1559 القاضي بنزع سلاح الميليشيات (كاستعاضة عن القرار 1701)، هي الاقتراح الوحيد المطروح حاليًّا لإنهاء الحرب في لبنان. ولهذا السّبب، قد تستمر الحرب طويلًا على لبنان.
وعلى قدر ما تبدو هذه الفرضيّة محكومةً بالمعطى الميدانيّ الحاليّ. إلّا أنّها سياسيًّا فُرضت كأمرٍ واقعٍ أميركيّ ينهي فرص الحلّول الدبلوماسيّة راهنًا.  

فهل تتحول الجبهة اللّبنانيّة لوضعية مشابهة بالحرب الإسرائيلية للعام 2006 أو سنكون مع  نسخة مشابهة لمقتلة غزة؟ وهل ينجح تصعيد حزب الله وإلتزامه البقاء في الميدان رغم الشرط الأميركيّ – الإسرائيليّ الحاسم بالاستسلام، في تحسين شروط التفاوض اللّبنانيّة؟ وهل بإمكان وقائع الميدان الّتي يراهن عليها الحزب أن تُحيي الآمال الدبلوماسيّة في وقف إطلاق النار وكبح جماح المشروع الإسرائيليّ؟

الحرب الرابعة: شكلها وأمدّها؟

بطرقٍ عديدة، تختلف الحرب الإسرائيليّة الرابعة على لبنان، عن الحروب السّابقة وتحديدًا حرب العام 2006، ففي ذلك الوقت، كانت إسرائيل حائزة على موافقة واشنطن، ولكنها كانت مُقيّدة بحدودٍ زمنيّة. أما اليوم، فهناك مؤشرات تدلّ أن التحالف الإسرائيليّ -الأمريكيّ أن هذه فرصة تاريخيّة لإخراج لبنان من دائرة النفوذ الإيرانيّ، كما حصل في غزّة. وقد أوضحت واشنطن أن الطروحات السّابقة، الّتي كانت تستند إلى تنفيذ القرار 1701 لم تعد على الطاولة. والذي بات جليًّا أن شكل هذه الحرب، يختلف عن باقي الحروب التقليديّة، وأمدّها منوط فعليًّا بمن سيحدد ميزان القوى على الأرض.

في معرض رده على سؤال ل "المدن" يُشير العميد الركن المتقاعد، خليل الحلو إلى أن "حزب الله سيقبل بتنفيذ القرار 1701. هو لم يعلن عن ذلك إلّا أن الحكومة اللّبنانيّة الممثل فيها، أعلنت عن ذلك، وكل المؤشرات الواضحة، أن وضعه في الميدان صعب، وتحديدًا في الضاحيّة الجنوبيّة، ولا يجب أن ننسى أن الحصار المفروض عن عددٍ من الأماكن المقصوفة في الضاحية ومنع فرق الإنقاذ من الوصول، وضرب مراكز القيادة بشكلٍ ممنهج، وكأن هناك جسم يتمّ ضرب رأسه، بما يشكل ضربة موجعة للحزب. وبالتالي فإن الحزب يقبل بالـ 1701 الآن، إلّا أن إسرائيل لم تعد تقبل به. وبالتالي لم يعد للحزب أي خيارات، سوى البقاء في الميدان".

وعما إذا كان لبنان أمام سيناريو غزة يقول "لا أعتقد مثل هذا السيناريو سيتكرر على كل  الأراضي اللّبنانيّة، إلّا أن الضاحية والجنوب يتحولان تدريجيًّا إلى غزّة". ولكن ما قدرة حزب الله على الصمود في ظل وضع كهذا؟ يجيب "لا أعتقد أن هناك خيارٌ آخر، إذا إسرائيل واصلت عدوانها فهو ملزم بإكمال مقاومته، والذي يُراهن على استسلام الحزب فهو مخطئ ويجهل البعد الإيديولجيّ والعقائديّ والتصميم للمقاومة. نحن نتمنى حتمًا أن يُسلم الحزب سلاحه والعودة إلى الدولة".

ووفق الحلو فإنّه إذا فُرض على حزب الله استكمال المواجهة، فسيكملها، بيّد أن قدراته أكبر بكثير من قدرات حماس العسكرية، وإسرائيل قد تعلمت الدروس من غزّة، وبالمقابل الحزب تعلم حزب الله دروسه هو أيضا من غزّة ومن معاركه في سوريا وحرب الـ2006. وبالتالي فإذا  تصميم إسرائيل على الاستمرار في الحرب سيقابله تصميم الحزب".  لا ينكر الحلو "أن المعطيات الدوليّة بعد عامٍ من الآن، لن تكون نفسها "بعد عام لدينا رئيس جديد في البيت الأبيض، ولدى الولايات المتحدة قدرة مضاعفة على التأثير على إسرائيل لوقف عملياتها".

يستطرد الحلو في حديثه عن الحسابات المُركّبة للحرب اليوم بالقول: "لا ننكر أن مقدرة الحزب على الصمود تراجعت، لكنها موجودة، وعامل الوقت لا يصب بصالحه، ومن يراهن على سقوط الحزب وإيران فهو مخطئ أيضًا، والحساب لاحق". وعلى المدى المنظور، اعتبر الحلو "أن الميدان يسبق كل شي، والثمن الذي تدفعه إسرائيل اليوم، ممكن أن يحثّها على التفاوض. حزب الله قد أبدى استعداده للتفاوض، والحديث عن ربط مسار غزّة بلبنان، هو حديث إعلاميّ وإسرائيل لا تريد أن تتوقف ويناسبها أن يقول الحزب لا يريد أن يتوقف. والمُرجح أن يتمّ تأجيل المفاوضات الجديّة لما بعد الانتخابات الأميركيّة، إذا بقي الواقع كما هو عليه".

الآمال الدبلوماسيّة لوقف الحرب

يراهن حزب الله على أن الخسائر الكبيرة الّتي يتكبدها الإسرائيليون في العملية البريّة قد تدفع تلّ أبيب إلى تغيير موقفها، وربما تقنع رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو بالتراجع والقبول بالمفاوضات. ومع ذلك، فإن الرهانات المتضاربة تُظهر أن المجال للتفاوض السّياسيّ لا يزال ضيقًا، رغم تأكيد نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، تفويض الرئيس نبيه بري للقيام بدورٍ دبلوماسيّ في هذا السّياق.

وعليه بات هناك قناعة لبنانيّة أن فرص الحلّول الدبلوماسيّة السّابقة، غير ممكن. ورغم تأكيد الفرنسيين على الاقتراح الفرنسيّ – الأميركيّ لوقف إطلاق النار، فإن الشرط الوحيد الذي يقدمه الأميركيون للبنان يتمثل في دعوةٍ سياسيّة للاستسلام، إلى جانب قبول كامل بالشروط الدوليّة، بما في ذلك اختيار رئيس للجمهورية يُفرض على البلاد، دون الأخذ برأي الأطراف اللبنانية الأخرى. 

 لا يُعول سفير لبنان السّابق في واشنطن، رياض طبارة، على الانتخابات الأميركيّة لتغير الوضع الحالي أو تبدل الموقف من إسرائيل. فتغيير التكتيك هو تفصيل، ويقول: "اليوم هناك معركة شدّ حبال بين أميركا وإسرائيل، لكن في آخر المطاف أميركا والغرب لن يتخلوا عن إسرائيل. إلّا أنّهم بالمقابل لا يرغبون بتوسيع الحرب بشكلٍ قد يُضرّ بمصالحهم. المفاوضات بين أميركا وإسرائيل وأميركا وإيران لا تزال قائمة. وأميركا تدعم إسرائيل بمخططها في إلحاق أكبر قدر من الضرّر بحزب الله، إلّا أنّه ضررٌ موضعي، ولن يطال لبنان بأسره كما حصل في غزّة. هناك قناعة بأن الحرب هي بين إسرائيل وحزب الله، وليس بين إسرائيل ولبنان".

مؤكدًا أن الموقف اللّبنانيّ معروف، ومُتفق عليه وهو القاضي بالعودة إلى القرار 1701، إلّا أنّه وكما يقول المثل الشعبيّ فـ "العين بصيرة واليد قصيرة"، والمسألة الأكبر والعالقة، كما يقول طبارة،  هي "عن مدى مقدرة تأثير هذا الموقف على الموقف الأميركيّ – الإسرائيليّ  الذي لم يعد مقتنعًا بهذا القرار وطامعًا بما هو أكبر منه".