"اليونيفيل" تحت الخطر.. والجيش اللبناني أسير الهشاشة السياسية

بتول يزبك
الأحد   2024/10/06
رفضت اليونيفيل الطلب الإسرائيليّ في إعادة التموضع جنوبًا (علي علّوش)
لبنان مرةً أخرى يتعرّض لاجتياحٍ بريّ إسرائيليّ. لا جواب حتى الآن حول أمد الحرب الرابعة ومؤداها وهل ستفرز في أعقابها شقاقًا أهليًّا؟ ما هي الأدوار الّتي تضطلع بها الحكومة اللّبنانيّة اليوم؟ ومن سيحمي لبنان وسيادته في حال نجاح الجانب الإسرائيليّ بالتوّغل بريًّا؟ 

أسئلةٌ وغيرها الكثير، هي المطروحة حاليًّا على ساحة النقاش اللّبنانيّة، جلّها ينضوي تحت التساؤل الأبرز والمرتبط بالمستقبل المقترح للمرحلة الجديدة، الّتي دخلتها الحرب بين حزب الله والجانب الإسرائيليّ، والّتي باتت تتخذ مسارًا وعرًا وأشدّ خطورة. هذا المسار، يحتّم طرح تساؤلات جديّة وعاجلة حول الأدوار الّتي سيلعبها كل من قوّات حفظ السّلام "اليونيفيل" فضلًا عن الجيش اللّبنانيّ، إزاء هذا التحدي الذي يواجه سيادة لبنان وأمنه، مع الأخذ بالاعتبار هشاشة الوضع الداخليّ اقتصاديًّا واجتماعيًّا، والتشظي الأهليّ، وصولًا لواقع الدمار الذي يلف مساحاتٍ واسعة من لبنان.  

تطور الصراع: توغلٌ بريّ
منذ اندلاع الحرب، كان تورط حزب الله عنصرًا محوريًّا في استمرار العمليات القتاليّة. واشتدّ الصراع بصورةٍ ملحوظة عندما بدأت إسرائيل "عملياتها البريّة المحدودة" في جنوب لبنان، بهدف إضعاف قدرات حزب الله العسكريّة. وقد جاءت هذه العمليات بعد سلسلةٍ من الغارات الجويّة الّتي استهدفت ولا تزال البنية التحتية لحزب الله ومعاقله في الضاحيّة الجنوبيّة لبيروت، والمناطق ذات الأغلبية الشيعيّة، جنوبًا وبقاعًا. وقد انتقلت المعركة بين الجانبين الآن إلى مواجهة أكثر تعقيدًا وعنفًا، مع التوغلات البريّة غير معروفة المدى والبعد والهدف حتى الآن.

وفي مواجهة هذا المسار الخطير، تجد قوات اليونيفيل نفسها في موقفٍ حرج. وتحديدًا بعد تلقيها طلبًا من الجيش الإسرائيليّ لإعادة تموضع بعض قوّاتها قبل الشروع في العمليات البريّة، لكن اليونيفيل رفضت هذا الطلب. وجاء في بيانها الأخير: "نواصل تعديل تموضعنا وأنشطتنا بانتظام، ولدينا خطط طوارئ جاهزة للتنفيذ عند الضرورة". وشدّدت القوة على أهمية دورها في الحفاظ على الاستقرار، وأكدّت أن أي انتهاك لسيادة لبنان يمثل خرقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1701.

مهام اليونيفيل في الجنوب
وفيما تتمثل مهمة اليونيفيل، كما حدّدها قرار مجلس الأمن رقم 1701، في الحفاظ على السلام والأمن في جنوب لبنان، ومساعدة الحكومة اللبنانية على بسط سلطتها في المنطقة، وضمان وقف الأعمال العدائية بين حزب الله وإسرائيل.. فإن بدء الهجوم البريّ، يشكل ضغوطًا هائلة على اليونيفيل، مع انبثاق قلق متزايد بشأن سلامة ما يقرب من 10,000 جنديّ حفظ سلام متمركزين في المنطقة.

وفقًا لمصادر "المدن" في "اليونيفيل"، فإنّ قرار رفض إعادة التموضع رغم الخطورة المتزايدة ينبع من التزام القوّة بولايتها. وتعمل اليونيفيل وفق قواعد صارمة للاشتباك، وأي تحركٍ استجابةً لمطالب إسرائيل قد يقوّض مصداقيتها ويعرضها للانتقادات سواءً من السّلطات اللّبنانيّة أو حزب الله (باتهامها بمساعدة الإسرائيليّ في عمليته البريّة). بالإضافة إلى ذلك، أكدّت اليونيفيل أن دورها ليس الانخراط في العمليات القتاليّة، بل الحفاظ على السّلام ومنع تصعيد العنف. أما عن خطر التوّغل البريّ الإسرائيليّ الأخير، والذي قد يجعل القوّات عرضةً لكونها أهدافًا محتملة، سواءً بشكلٍ متعمد أو نتيجة للضرّر العرضيّ. فأكدّت المصادر، أن ذلك لن يمنعها من المضيّ قدمًا من الاضطلاع بمهامها.
وعلمت "المدن" أن قوّات اليونيفيل المنتشرة في القطاعين الغربيّ والشرقيّ، وتحديدًا الّتي تقع مراكزها عند الخط الأزرق والقرى الحدوديّة المحاذيّة، رفضت إعادة التموضع كليًّا، على اعتبار أن أي تغيير لهذه المواقع أو تعديلات في برنامج الدوريات، سيؤدي طرديًّا لتسهيل دخول الجيش الإسرائيليّ من خلال هذه المواقع المخلاة، والّتي لا يملك الحزب فيها نفوذًا. وعليه، فقد بقيت القوات في مواقعها لدرء محاولات التوّغل البريّ الإسرائيليّ، ومنع الطرف الإسرائيلي من استغلال موقعها الحساس لتنفيذ غاياتها. 

الجيش اللّبنانيّ: الهشاشة السّياسيّة والدور المقوّض
في المقابل، وفي ظلّ تصاعد حدّة الصراع، تطغى الضبابيّة على دور الجيش اللّبنانيّ في الدفاع عن سيادة البلاد. فعلى الرغم من أن الجيش اللّبنانيّ مسؤول نظريًا عن حماية الحدود والحفاظ على الاستقرار الداخليّ، إلّا أن قدرته على التدخل في النزاع الحالي محدودة بسبب العوامل السّياسيّة والعسكريّة.

وما تصريحات رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في بداية تشرين الأوّل العام 2023، وتحديدًا عندما فتح حزب الله جبهة الإسناد ضدّ إسرائيل وتضامنًا مع غزة، أظهرت جليًّا القيود المفروضة على النظام السّياسيّ اللّبنانيّ. حيث قال ميقاتي إن "قرار الحرب والسّلم ليس بيد الحكومة".

وهذه الديناميكيّة، ومما لا لبس فيها، تخلق معضلة كبيرة للجيش اللّبنانيّ. فبينما يكمن دوره الأساسيّ في حماية الحدود وسيادة الدولة، فإن الاشتباك مع القوّات الإسرائيليّة سيجرّ لبنان إلى حربٍ شاملة وفق القانون الدوليّ. وبالنظر إلى أن الجيش اللّبنانيّ يعاني من نقص في الموارد نتيجة للأزمات الاقتصاديّة والسّياسيّة التّي استمرت لسنوات، ولا يمتلك القوة الكافية لمواجهة الجيش الإسرائيليّ المتقدم تقنيًّا وعسكريًّا.

وخلال الأسبوع الماضي، تمّت إعادة انتشار وحدات من الجيش اللّبنانيّ في مواقعٍ استراتيجيّة على الحدود تحسبًا لتوّغل إسرائيليّ. هذا التحرك لم يكن انسحابًا بل مناورة تكتيكيّة لحماية الجنود من الوقوع في مواقع ضعيفة أو أن يصبحوا أهدافًا سهلة. واتخذ هذا القرار بالتشاور مع القيادة السياسية والعسكرية، وتركزت مهمة الجيش على حماية جنوده ومنعهم من الوقوع كرهائن أو ضحايا في حال تصاعد الصراع.

درء الشقاق الأهليّ
وإلى جانب دوره في حماية الحدود، يلعب الجيش اللبناني حاليًّا دورًا رئيسيًّا في الحفاظ على السّلم الأهليّ ومنع حدوث نزاعات طائفية داخل البلاد. فمع تصاعد الصراع بين حزب الله وإسرائيل، تتزايد المخاوف من نشوب اشتباكات داخليّة بين الطوائف اللّبنانيّة. حيث أدّت مشاركة حزب الله في الحرب إلى انتقادات واسعة من العديد من اللبنانيين الذين يرون في تصرفات الحزب تهديدًا لاستقرار البلاد. وتزداد هذه المخاوف بشكل خاص في صفوف الجماعات السّنيّة والمسيحيّة والدروز، الذين يخشون من أن يؤدي تدخل حزب الله إلى توسيع نطاق الصراع وإدخال قوى إقليمية أخرى فيه.

وهذا ما تجلى ميدانيًّا وتحديدًا مع تكثيف الغارات الإسرائيليّة على مناطق جنوب بيروت ذات الأغلبية الشيعيّة. وقد تمّ نشر قطعات من الجيش في مناطق حساسة مثل الأشرفية وحول السّفارة الأميركيّة في عوكر للحيلولة دون اندلاع أي اشتباكات بين الطوائف المختلفة.

المأزق السّياسيّ- الدبلوماسيّ
وفيما تواجه الحكومة اللّبنانيّة، في ظلّ الضغوط المحلية والدولية المتزايدة، قرارًا حاسمًا بشأن كيفية التعامل مع تصاعد الصراع. ورغم امتناع الحكومة حتى الآن عن إشراك الجيش بشكلٍ مباشر في العمليات القتاليّة ضدّ إسرائيل، يبقى من غير الواضح إلى متى يمكن الحفاظ على هذه السّياسة. 

أما على الصعيد الدوليّ، هناك دعوات متزايدة لتعزيز قرار الأمم المتحدة رقم 1701 وتوسيع ولاية قوات اليونيفيل لتأمين الحدود بشكل أفضل بين إسرائيل ولبنان. إيطاليا، التي تعد واحدة من أكبر المساهمين في قوات اليونيفيل، دعت إلى تعزيز تفويض القوة. وصرحت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، قائلة: "ندعو مجلس الأمن إلى تعزيز تفويض قوات اليونيفيل لضمان أمن الحدود بين إسرائيل ولبنان". هذه الدعوة الدبلوماسية تسلط الضوء على القلق الدولي المتزايد من أن يؤدي هذا النزاع إلى زعزعة استقرار المنطقة بأسرها.

ومع استمرار حزب الله في إظهار قدراته العسكرية، بما في ذلك تدمير دبابات إسرائيلية واستهداف دوريات إسرائيلية، يبدو أن النزاع لا يظهر أي مؤشرات على التهدئة. نجاحات حزب الله الأخيرة، بما في ذلك تدمير ثلاث دبابات ميركافا إسرائيلية، قد رفعت معنويات الحزب، إلا أن استمرار الصراع لفترة أطول يزيد من خطر جرّ لبنان بأكمله إلى حرب أوسع، مما قد يكون له تداعيات مدمرة على النظام السّياسيّ والاقتصاديّ الهشّ في البلاد.