البحث عن "تسوية" لبنانية: ألغام المعارضة وكمائن الممانعة
راهناً، وفي أعقاب اغتيال الأمين العامّ لحزب الله، حسن نصرالله، وتدحرج الحرب إلى الجزء الأكبر من لبنان، ناهيك بالمحاولات الإسرائيليّة للتوّغل بريًّا في الجنوب اللّبنانيّ، تتسارع وتيرة الاتصالات المحليّة والدوليّة الراميّة إلى الدفع نحو إنجاز ثلاثة أهداف: أوّلًا، توحيد الموقف اللّبنانيّ وتطويقه ضمن حدود التضامن ضدّ العدائيّة الإسرائيليّة، ثانيًّا خفض التصعيد وضمنًا كبح الغزو البريّ، وثالثًا انتخاب رئيس جمهوريّة توافقيّ.
مروحة من الاجتماعات
وشهد يوم أمس الخميس سلسلةً من الاجتماعات، كان أبرزها اللقاء الذي جمع المستشار الرئاسيّ الفرنسيّ جان-إيف لودريان مع وزير الخارجيّة السعوديّ فيصل بن فرحان في الرياض، حيث ناقشا التطورات المتعلقة بلبنان والجهود المبذولة لحلّها. في وقتٍ يُرتقب فيه ما ستقدمه وزارة الخارجيّة الفرنسيةّ كحصيلة لزيارة الوزير جان-نويل بارو إلى بيروت، بعد أن كلفه الرئيس إيمانويل ماكرون بمتابعة الوضع اللّبنانيّ عن كثب، حتّى لو تطلب الأمر القيام بزياراتٍ متكرّرة.
أما داخليًّا، فيبدو رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وبالنيابة عن الحكومة اللبنانية وحزب الله (ذلك بالرغم من موقف حزب الله المُعلن الذي رفض فيه "النقاش تحت النار ما دام العدوان مستمرًا")، وكأنه يدفع حاليًّا باتجاه وقفٍ فوريّ لإطلاق النار وتنفيذ قرار الأمم المتحدة 1701 لعام 2006، والذي يدعو إلى نشر الجيش اللّبنانيّ في جنوب لبنان. وهو الموقف الذي توصل إليه برّي ورئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي يوم الاثنين خلال اجتماعهما مع وزير الخارجية الفرنسيّ الجديد جان-نويل بارو. حيث أعرب الرئيسان عن التزام لبنان الرسميّ بدعم الاقتراح الفرنسيّ- الأميركيّ الذي قدمه الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي، بهدف وقف الأعمال العدائيّة بين حزب الله وإسرائيل.
وكان اللقاء الثلاثيّ الذي عُقد أول أمس في عين التينة بين برّي، وميقاتي، والنائب السّابق وليد جنبلاط، محطة مفصليّة في هذا الحرّاك السّياسيّ اللّبنانيّ المُستجدّ، حيث خلص إلى توافق الثلاثي، بما يمثل من ثقل رسميّ وشعبيّ في الشارع المسلم، على إرسال الجيش إلى الجنوب وتطبيق القرار 1701، وانتخاب رئيس للجمهوريّة، مع ضرورة وقف فوري لإطلاق النار قبل ذلك. ولا شكّ أن هذا الاجتماع أراد -كما وصف مراقبون- "ملاقاة للديناميّة" الّتي أطلقها رئيس التيار الوطنيّ الحرّ النائب جبران باسيل يوم الجمعة الماضي، وتحديدًا بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، من خلال اتصالاته المكثّفة مع شخصيات سياسيّة وروحيّة.
توافق وطنيّ؟
وإن كانت قراءة وتشريح سلسلة اللقاءات والاتصالات تفضي غالبًا إلى اعتبار أن حالةً من التوافق الوطنيّ على المطالب الثلاث تلوح في الأفق، بيد أنّه يضمّ كل من برّي كممثلٍ عن المكوّن الشيعيّ، ونجيب ميقاتي كممثلٍ للمكوّن السّنيّ، ووليد جنبلاط كاختصارٍ للموقف الدرزيّ من الحرب، فضلًا عن مركز باسيل في الشارع المسيحيّ. وبعد غيابٍ عن مشهد الحرّاك، وتماشيًّا أيضًا مع الديناميّة المستجدّة، التقى رئيس حزب القوات اللّبنانيّة سمير جعجع، في معراب، بالنائب وائل أبو فاعور، عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي"، الذي جاء موفدًا من الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكيّ وليد جنبلاط، وذلك بحضور النائبين ستريدا جعجع وملحم رياشي.
وأكدّ أبو فاعور بُعيد اللقاء أن الحزب التقدمي الاشتراكيّ و"اللقاء الديمقراطي" يسعيان من خلال هذه المبادرة إلى توسيع قاعدة التفاهم الّتي تم التوصل إليها بالأمس، والتواصل مع القوى السّياسيّة الأخرى، لإيجاد توافق أكبر حول خريطة الطريق التي قد تشكل فرصة للخروج من الأزمة الحالية. وأضاف أن "رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد واصل هذه الجهود من خلال زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في بكركي، في حين تشهد عين التينة لقاءات مكثفة يقوم بها الرئيس برّي". معربًا عن أمله في أن يؤدي هذا الحراك إلى اتفاق لبناني يُطرح على الساحة الدوليّة. وفي ردّه على سؤال، أشار أبو فاعور إلى أنه لمس تجاوبًا من رئيس حزب "القوات" في العديد من القضايا، موضحًا أن بعضها يحتاج إلى مزيد من التدقيق، لكنه أكدّ أن الأجواء إيجابيّة ويمكن البناء عليها..
وفي سياقٍ متصل، أشار النائب وعضو كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم، في حديثه إلى "المدن"، بالقول: "بدايةً وبما يتعلق بالدعوات لتحييد السّياسة جانبًا، فهو أمرٌ طبيعيّ، وخصوصًا أن العدوان على لبنان لا يزال مستمرًا، وهذا يستوجب حركة تضامن وطنيّة، بوصفه أساسًا قضيةً وطنيّة". ويستطرد "من الطبيعيّ أن تكون الأولويّة لمواجهة العدوان وتأمين وحدة الموقف اللّبنانيّ تجاه كل الأزمات، وبعدها يتمّ فتح الملفات الوطنيّة العالقة".
أما عن المبادرات الدبلوماسيّة وتحديدًا الفرنسيّة، فيؤكّد هاشم: "طبيعي أنّ تكون هناك مبادرات نعوّل عليها، ولكن وبظلّ ما يجري اليوم، فإن هناك رهانًا على نهاية الاتصالات، حيث أن الإيجابيات الّتي نراها تتبدّل والتحوّلات كثيرة. وهذا مرده لعدم التزام إسرائيل بأي من القرارات أو بالوعود أو على الأقلّ بالتفاوض. وكل ذلك أيضًا يتوقف على مدى الضغط الذي قد تمارسه أميركا على الكيان، ولو كان هناك جديّة عند الأميركيّ لفرض ضغطاً، وما كانت لتهرع لدعم الكيان منذ يومين". وعن الدفع الفرنسيّ نحو الاقتناع بالتسويّة فقال هاشم: "لبنان لا يحتاج لمثل هذا الضغط، يجب أن يكون الضغط على إسرائيل وحدها، وفي لبنان هناك تفاهم بل وهناك مساعٍ لبنانيّة للوصل إلى هدنة، أكان في غزّة أو في لبنان".
مسار الرئاسة في الحرب والمعارضة
ومع الطرح الجديد الذي قدّمه برّي، الذي تعهد فيه بالدعوة إلى جلسة للانتخابات الرئاسيّة فور وقف إطلاق النار لانتخاب رئيس لا يشكّل تحديًّا إلى أي طرف، وإن كان الطرح قد عكس تبدّلًا في موقف ثنائي حزب الله وحركة الذي كان يربط الانتخابات الرئاسية بالحوار، إلّا أنّه بالمقابل، وفق ما تُشير المصادر، لم يحظَ بتأييد المعارضة الّتي لم تجدّ فيه حلًّا للأزمة. بيد أن انتخاب رئيس عادةً هو مفتاح للحلّ في لبنان، حيث رفضت الجهات المعارضة ربط المسارين (مسار الحرب ومسار الرئاسة)، ودعت إلى الإسراع بانتخاب رئيس.
وهذا ما تجلى صراحةً في الموقف الذي أعلنه حزب القوات في بيانٍ له، الخميس، والذي قال فيه: "أكثر ما تذكّرنا هذه الأيام بالمثل اللبناني الشائع "سكتنا عن الهمّ والهمّ ما كان يسكت عنا". لقد آثرنا على أنفسنا الصمت في هذه المرحلة الدقيقة، على الرغم من أنّ كلّ ما كنّا حذرنا منه مرارًا وتكرارًا، أصبح، ويا للأسف، واقعًا مأسويًّا مريرًا يعيشه اللبنانيّون. لكن بدلًا من أن يلاقي فريق الممانعة صمتنا بالإيجابيّة المطلوبة، ولاسيّما بعد أن أغرق البلد وشعبه في المآسي التي نعيشها في الوقت الحاضر، يتابع هذا الفريق حملاته المعهودة يمينًا ويسارًا لتبرير ما فعلته يداه بلبنان واللبنانيّين".
أما وبما يتعلق بالانتخابات الرئاسيّة، قال البيان "القوّات اللبنانيّة شاركت في الجلسات الانتخابيّة كلّها منذ سنتين وحتى الآن، وأعلنت استعدادها لحضور أيّ جلسة يوجِّه الدعوة إليها رئيس المجلس النيابي، ولكن مَن عطّل الجلسات في دورتها الثانية هو الممانعة، ومَن لم يعد يوجِّه الدعوات إلى جلسات انتخابيّة رئاسيّة هو الممانعة". وختم البيان: "إنّ القوات اللبنانيّة جاهزة في أيّ وقت للتجاوب مع دعوة رئيس المجلس مع جلسة انتخابيّة فعليّة بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس للجمهوريّة، وكل ما يقال عكس ذلك في وسائل إعلام الممانعة هو تجنٍّ وافتراء وتحوير للوقائع معروفة خلفيّاته ومكشوفة أهدافه ومفضوحة أغراضه".
مواقف المعارضة
من جهته، أكدّ النائب إبراهيم منيمنة، أنّ المبادرة الّتي يسعى إليها التغييريون هي صياغة موقف سياسيّ يُطالب بوقف إطلاق نار، وفصل لبنان عن غزّة، للوصول إلى وقف النزف والاستباحة بحقّ لبنان اللبنانيين، وقال: "نتأمل أن يكون هناك تلاق من قبل سائر الأطراف وخصوصًا في هذا الظرف الصعب. ليس لدينا الكثير من الخيارات، اليوم لبنان مكشوف كليًّا على العدو الإسرائيليّ والقدرة على التصدي تراجعت، والوضع في الداخل متفاقم بل متفجّر، اجتماعيًّا واقتصاديًّا وصحيًّا". وأضاف: "نحن نتأمل أن تنجح المساعي الدبلوماسيّة، لكن الواضح أن العدو الإسرائيليّ يريد أن يستمر بالعدوان وأن يتوسع أو أن يصفي كل بنك أهدافه، ولا يعير أي اهتمام أو اعتبار للبنانيين، بل ويعتبر الضحايا أضراراً جانبيّة، ولذا نحن لا نتوقع أن يتجاوب الإسرائيليّ بسهولة مع أي مبادرة دبلوماسيّة، خصوصًا أن الموقف الأميركيّ واضح".
وتابع: "نحن نمتّن خطوط التواصل، ونتواصل تحديدًا مع الأحزاب والكتل المستقلة الّتي لا تتدرج ضمن أي اصطفاف، ونحاول أن نسعى لبلورة موقف مشترك بالنسبة للوضع القائم ومن ثم لموقف اليوم التالي". وأردف منيمنة "لكن وبكل صراحة الموقف في طور البلورة ولم ينضج بعد".