هزيمة لبنان "الحضارية" وانتصار نتنياهو وحزب الله

دنيز عطالله
السبت   2024/10/26
تخوض إسرائيل الحرب على عدد من الجبهات من بينها صورتها كـ"بلد حضاري يواجه الهمجية"! (علي علوش)
تدرّج رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في إسباغ طابع "حضاري" على حرب إبادته على غزّة ولبنان. فبعد أن أكد أن اسرائيل "تحارب إيران نيابة عن العالم الحر"، لم يتردد في الإعلان "إن هذه الحرب صراع بين الحضارة والهمجية وتمتد إلى ما هو أبعد من مكافحة الإرهاب". متوجهاً للغرب عموماً: "هذه ليست حربنا فقط، إنها حربكم أيضاً".

القتال على جبهات متعددة
أثبتت اسرائيل أنها تجيد القتال على اكثر من جبهة. وفي حين يكثر اليوم الحديث عن استثمار التكنولوجيا كأحدث "عقيدة قتالية" تحارب بها أعداءها وتستدرجهم إليها، فإن إسرائيل لا تتنازل مطلقاً عن "حرب الصورة" والتسويق. وبين حديّ "المظلومية" والقوة من جهة، و"الحضارة" في مواجهة "الهمجية" من جهة أخرى، تخاطب اسرائيل العالم وتتوجه إليه.

هذا "العالم" الذي بدا مصدوماً من قتل 1538 إسرائيلياً وأجنبياً، وأسر 248 آخرين في 7 تشرين الأول، سرعان ما تعاطف مع الضحايا الفلسطينيين بعد أن بدأت إسرائيل اعتماد سياسة الإبادة الجماعية والأرض المحروقة.

في الأيام والأسابيع الأولى كان يكفي الفلسطينيين بث الصور "من دون تعليق"، ليتعاطف العالم ويتظاهر مئات الآلاف، وينددوا ويعتصموا ويستنكروا. كان الجنون الإسرائيلي يستدرج ردود فعل إنسانية وأخلاقية وقيمية، قبل الحسابات السياسية، وعلى هامشها.

استمرت اسرائيل بالقتل والإبادة. صارت الصور مشاهد يومية اعتادت عليها الأعين. وفي حين واصلت اسرائيل العمل على جبهة الصورة والتسويق و"القتال عن أحرار العالم الحضاريين"، لم يخرج خطاب فلسطيني يحاكي هذا "العالم" بلغة تطاله ويفهم مقاصدها.

لبنان: يا وحدنا
تتكرر الصورة في لبنان مع تفصيل جوهري. فالعالم الذي "هضم" صور الإبادة والموت والدمار في غزّة لم يبدُ متعاطفاً أو معنياً بلبنان.

ساعد، إلى حدّ كبير، بدء حزب الله الحرب ضد اسرائيل تحت عناوين "إسناد غزّة" و"مشاغلة العدو" من ضمن "وحدة الساحات". ونجحت إسرائيل في تصوير الحرب وكأنها ردّ فعل على استهدافها من قبل حزب الله، وبالتالي فحربها ضده وعليه. حتى أنها تحاول الإيحاء بالحرص على تجنيب "بيئة الحزب" القصف، حين استهداف مقاره العسكرية والمدنية، عبر تحذيرات مسبقة.
هو الحرص على "الصورة الحضارية" وسط تفلت الوحشية والهمجية وممارسة الإبادة.
في المقابل، لا شيء يتغير في خطاب حزب الله. التهديد والوعيد ومعاداة العالم والوعد بالنصر من أرض محروقة وعلى أنقاض منازل هُجّر أهلها إلى قارعة الطرقات و... المصير.

عاش اللبنانيون على "تطمينات" أن إسرائيل لا تستطيع خوض الحروب على جبهات متعددة. وها هي إسرائيل تشنّ حربين في غزّة ولبنان وتستعد للثالثة على إيران من دون أن تستبعد اليمن عن جدول الاستهداف متى وجدت ذلك ضرورياً. تماما كما تحارب على جبهة "الصورة" و"النموذج الحضاري الديموقراطي المستهدف".

تبين، مرة أخرى، أن لبنان وحده من لم يستعد لحروب إسرائيل. وقد صارت مطالبه وقف إطلاق النار وتطبيق الـ1701!
أما العمل على "خطابه الحضاري" و"مبررات الحرب"، فلم يجد حزب الله، من داعٍ لتسويقها إلى العالم، طالما أنه لم ينجح حتى في إيصالها لشركائه -المفترضين- في الوطن.
سمح ذلك، لقاتل كنتنياهو، أن يتحدث عن "الصراع بين الحضارة والهمجية"، ويجد آذاناً صاغية ومتعاطفة.

وحده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولاعتبارات يتداخل فيها المصلحي بالتاريخي، ببعض مما تبقى من إرث "تعاطفي" مع لبنان، ورغبة في لعب دور الوساطة، ردّ على نتنياهو قائلاً: "في الآونة الأخيرة، كثر الحديث عن حرب الحضارات، أو الحضارات التي يجب الدفاع عنها، لكنني لا أعتقد أن الحضارة يتم الدفاع عنها عبر زرع الهمجية".

لم يتوقف كثر عند كلام ماكرون. وضعوه في سياق الخلاف بينه وبين نتنياهو. وقد أثارت تصريحاته انتقادات فرنسية داخلية. وكلام النائب اليميني إريك سيوتي، نموذج. فبعد ان اعتبر تصريحات ماكرون "غير لائقة وخاطئة"، لم يتردد في اعتبار أن "الهمجية هي حزب الله وحماس، وليست الديمقراطية الإسرائيلية".

في كل "الاساطير" المؤسسة للكيان اللبناني، لم يكن لبنان في أي واحدة منها إلاّ "مشروعاً حضارياً"، ألبسته كل طائفة لبوسها وحكاياتها.
من بؤس هذه الحرب أيضاً أن العالم يملك اليوم قابلية تصديق أن الصراع القائم صراع حضارات، وبذلك تنتصر إسرائيل على كل الجبهات، وينهزم لبنان- وهو انهزم- حتى لو... انتصر حزب الله.