الكنيسة في لبنان والانتشار.. تدعم إنسانياً وتتمايز سياسياً

دنيز عطالله
الأربعاء   2024/10/02
من لبنان إلى استراليا وكندا وسائر الأبرشيات دعوات لدعم لبنان واللبنانيين (غيتي)
لم يتردد البطريرك الماروني بشارة الراعي، غداة اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، ووسط كل تداعيات الحرب من غارات وقتل ونزوح، من إعادة التمسك بموقفه الداعي إلى "حياد لبنان الإيجابي الناشط".

وكون البطريرك لا يملك سوى قوله والصلاة، التجأ إلى "الله نسأله أن يمنحنا هبة السلام، وأن يضع حدًّا للحرب بالمفاوضات والطرق الديبلوماسيّة".

كلام الراعي والتأكيد على مواقفه التي تتعارض، جذرياً، مع طروحات حزب الله ورؤيته للبنان ودوره، لم تمنعه، مع سائر الأساقفة وأجهزة الكنيسة من رفع الصوت حيث يمكن "للحفاظ على لبنان شعبه"، وتقديم ما أمكن من الدعم ومساندة النازحين.

تقول مصادر كنسية أن "ما قاله البطريرك عن وجوب أن "يدرك جميع اللبنانيّين أن ليس لهم من معين ومساند سوى أنفسهم متضامنين متّحدين في ما بينهم، ملتزمين إدارة شؤون البيت اللبنانيّ"، يعنيه ويطبقه. لذلك نشطت الأبرشيات في لبنان والخارج بالوقوف إلى جانب البلد وأهله في ما يتعرضون له جميعاً. وتسعى كل أبرشية إلى المساهمة في التخفيف من المأساة التي يعيشها ابناء هذا البلد".

تقرير كاريتاس
قبل أيام رفع رئيس كاريتاس-لبنان الأب ميشال عبود إلى البطريرك والأساقفة تقريراً، يوجز فيه ما قدّمته كاريتاس، ذراع الكنيسة في العمل الاجتماعي والإنساني، "في مواجهة أزمة النزوح المتفاقمة من الجنوب اللبناني".
وحسب التقرير الذي اطلعت عليه "المدن"، قدمت كاريتاس "منذ شهر تشرين الأول 2023، وقبل 23 أيلول 2024، أكثر من مليوني دولار كمساعدات إنسانية للعائلات النازحة، ما يعكس حجم الموارد المستثمرة لمواجهة الأزمة".
وأكدت كاريتاس أنه "منذ بداية الأزمة في الجنوب، تبذل كاريتاس جهودًا حثيثة على مدار الساعة لتلبية احتياجات المتضررين". وتقول في تقريرها إنها "بدأت العمل على الأرض من اليوم الأول بالإمكانيات المتوفرة لديها. وأقرّت خطة للاستجابة الشاملة، تتضمن الجوانب الاجتماعية والطبية واللوجستية، مع التأكيد على أهمية تدخل الشباب ميدانيًا".

يفصّل التقرير الخدمات، وهي صحية وطبية وخدمات غذائية، منها "تحضير وتوزيع الوجبات الساخنة بقدر الإمكانيات، بالإضافة إلى توزيع الوجبات الجاهزة عبر برنامج الأغذية العالمي (WFP) بالتنسيق مع كاريتاس، حيث تصل قيمة المشروع حتى الساعة، إلى أكثر من 700،000 دولار لضمان توفير الغذاء للعائلات النازحة. وتقوم شبيبة  كاريتاس أيضاً بدور نشط في تقديم المساعدات الاجتماعية واللوجستية للعائلات النازحة، والعمل على تحسين ظروف السكن، إضافة إلى المشاركة في لجنة تقنية لتحديد احتياجات البناء الأساسية لمراكز الإيواء، بما في ذلك الأبواب والنوافذ والحمامات وغيرها".

ولم تنس كاريتاس "استقبال العاملات الأجنبيات اللواتي فقدن أماكن إقامتهن، وتوفير الإيواء لهن في مراكز خاصة تابعة لها".
ويؤكد التقرير أن "كاريتاس- لبنان" على "اتصال دائم مع الجهات المانحة والمنظمات الدولية لتأمين الدعم المالي واللوجستي. وحتى الآن، تم تخصيص 700,000 دولار بالتعاون مع الكاريتاسات الشقيقة حول العالم، ما يعزز جهود الإغاثة المستمرة".
وتؤكد المنظمة أنه "مع تزايد عدد النازحين وتفاقم الاحتياجات، فإن الموارد المتاحة قد لا تكون كافية لتلبية جميع المتطلبات من دون دعم إضافي من الشركاء الدوليين".

كاريتاس، التي لا تفرق بين النازحين والفقراء، لا من حيث الطائفة ولا الجنسية، تبقى مؤسسة كنسية. لذا، تجيب عن استفسارات الكنيسة فتؤكد في تقريرها "إن أغلبية أبناء رعايانا لم يلجأوا إلى مراكز الإيواء، بل عند أقاربهم. وكاريتاس تسعى لمساعدتهم في أماكن تواجدهم ولذلك نطلب إرشادنا إليهم، لربما لم نصل إلى البعض منهم".

وبعد أن تؤكد "إن التزامنا بخدمة الفقراء والنازحين لن يتوقف، وسنعمل بلا كلل لتخفيف معاناة من هم في أمس الحاجة إلينا"، ترفق التقرير بالأرقام التفصيلية للخدمات المقدمة، وهي تزداد كل يوم.

 


... كذلك في استراليا
وكما في لبنان، كذلك في استراليا، استنفرت الكنيسة، ووجه المطران انطوان شربل طربيه رسالة إلى "أبناء وبنات أبرشية مار مارون في استراليا ونيوزلاندا وأوقيانيا حول الأوضاع المستجدة والخطيرة في لبنان". ويقول في رسالته "يعيش الشعب اللبناني في خضم حرب غير مسبوقة لم يخترها، ويومياته مثقلة بالهموم المعيشية والاقتصادية والتحديات الأمنية والسياسية وليس بإمكاننا إلاّ أن نشعر معهم. فمن تردي الأوضاع المعيشية التي طالت معظم اللبنانيين بعد أزمة المصارف والانهيار الكبير لليرة، إلى تعطيل المؤسسات الدستورية وعدم الدعوة إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلى أزمة النزوح السوري وتداعياتها، وإلى غياب أي مبادرة جديّة للحل في الأفق، وبالتالي، يعاني اللبنانيون الأمرين. بالإضافة إلى كل هذا، وجد اللبنانيون أنفسهم اليوم أمام صليب جديد مؤلم يُفرض عليهم، وهو هذه الحرب الشرسة التي أدخلت الخوف والذعر والمجهول إلى قلوبهم".

يضيف في رسالته: "لقد أدى اشتداد الحرب وكثافة الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان والبقاع وبعض مناطق بيروت إلى سقوط مئات القتلى والآف الجرحى ونزوح مئات الآف من السكان إلى مناطق آمنة في بيروت وجبل لبنان والشمال وحتى إلى خارج لبنان".

وتوجه المطران طربيه إلى الجالية اللبنانية قائلاً "كنتم وما زلتم السباقين في العطاء الإنساني والتضامن الأخوي. فجاليتنا الأسترالية-اللبنانية تفخر بكرمها ووقوفها إلى جانب الإنسان المظلوم والمعذّب والمحتاج أينما كان. لذلك، وتجاوباً مع نداء غبطة أبينا البطريرك الذي يدعونا إلى تضامن العائلة اللبنانية في مواجهة الكارثة الإنسانية الحالية" دعا طربيه إلى تخصيص صلوات وقداديس وإلى أن "تُجمع الصينية الثانية، في كل القداسات وفي كل الرعايا، نهاري السبت والأحد 5 و6 تشرين الأول لمساعدة النازحين اللبنانيين في المناطق المتضررة للمساهمة بتأمين الحاجات الضرورية لهم من طعام ودواء ومستلزمات متنوعة".

رسالة إلى ترودو
ومن استراليا إلى كندا، بادر راعي أبرشية مار مارون، المطران بول مروان تابت، إلى توجيه رسالة إلى رئيس وزراء كندا جاستين ترودو قال فيها "أكتب إليكم بإحساس شديد بالحاجة الملحة، لألفت انتباهكم إلى الوضع ‏الكارثي والمتقلب الحالي في لبنان.

يشعر الكنديون اللبنانيون الموارنة في جميع أنحاء كندا، مثل جميع ‏اللبنانيين من جميع الطوائف، في كندا والخارج، بالخوف على أحبائهم ‏في ظل ما يشهده لبنان من غارات جوية وقصف غير مسبوق يستهدف ‏الأطفال والمدنيين.‏
إنني أشعر بقلق عميق إزاء العواقب المدمرة المحتملة لتصعيد العنف ‏ضد المدنيين في جميع أنحاء أرض الأرز بما في ذلك الضواحي ‏المسيحية".‏

يضيف "لا يزال الشعب اللبناني يعاني من أسوأ أزمة اقتصادية شهدها على ‏الإطلاق، فلبنان لم يتعاف بعد من انفجار مرفأ بيروت في 4 آب ‏‏2020، والمستشفيات تعاني من نقص الإمدادات الطبية، ناهيك عن ‏النازحين الذين بلغ عددهم 500 ألف مدني.‏
إنني أحث كندا على الدعوة إلى ضبط النفس إلى أقصى حد وخفض ‏التصعيد والالتزام بالقانون الدولي لأن حماية المدنيين أمر بالغ الأهمية.‏
وبالاعتماد على قيادتكم، لا بد من اتخاذ خطوات ديبلوماسية لاستعادة ‏السلام في لبنان".
ومن استراليا إلى كندا وسائر الأبرشيات خصوصاً في الانتشار، وصولاً إلى روما، لا تتردد الكنيسة في رفع الصوت لإنقاذ لبنان ومساعدة اللبنانيين.

تقارب الكنيسة الواقع المستجد انطلاقاً من "هاجسها" التاريخي: الحفاظ على لبنان. تعطف ذلك على نقطتين أساسيتين: في السياسة، تحييد لبنان عن الحروب بغض النظر عن كل المقاربات والطروحات وخصوصاً "وحدة الساحات"؛ وفي الاجتماع، ومن منطلق وطني وإيماني، الوقوف إلى جانب الناس واحتضانهم ما أمكن.
وهي معادلات لا يستهان بتوازنها، كما بثقل ترجمتها وسط "بيئة الكنيسة"، الرازحة بدورها تحت أعباء اقتصادية كبيرة وحساسيات سياسية يجهد الجميع لاحتوائها.