قاليباف يتحدى في الضاحية.. وأميركا تضغط رئاسياً

غادة حلاوي
الأحد   2024/10/13
الغارات الإسرائيلية تدمّر سوق النبطية (Getty)
استناداً إلى تصريحاته، لم يحمل رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف، ما هو أبعد من الدعم المعنوي. والرسالة التي نقلها عن المرشد الأعلى للثورة، السيد علي خامنئي، لم تتخطّ هي أيضاً إطار الدعم للبنان، والوقوف إلى جانبه، "شعباً وحكومة ومقاومة". لكن شكل الزيارة بمحطاتها شكّل الرسالة بذاتها. وصول قاليباف على متن طائرة يقودها بنفسه، متحدّياً قرار الحظر الإسرائيلي بمنع طائرات إيران من الوصول إلى لبنان، ثم زيارته إلى منطقة النويري في بيروت، وضاحية بيروت الجنوبية، ومعاينة حجم الدمار جرّاء الغارات الإسرائيلية. هي رسائل تحدٍّ إيرانية لإسرائيل، وتضامن مع أهالي ضاحية بيروت. هي رسالة عن استعداد إيران لإعادة إعمار ما دمرته إسرائيل، وهو ما سبق ووعد به المرشد الأعلى. بعد زيارة وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي السياسية، أعقبتها زيارة لرئيس مجلس الشورى.

المتعارف عليه أن قاليباف غير معني بالملفات التنفيذية والديبلوماسية في طهران، ولا يدخل ملف الخارجية في صلب متابعاته. في طريقه إلى جنيف للمشاركة في مؤتمر رؤساء البرلمانات العالمي، أبلغ رغبته زيارة لبنان، وقال إنه  يحمل رسالة دعم من خامنئي، وتحدّث إلى المسؤولين عن كيفية نقل المساعدات، وكلّ ما يحتاج إليه النازحون، عبر جسر جوي من إيران. كان اغتيال الأمين العام  لحزب الله السيد حسن نصرالله سبباً في تكثيف إطلالات المسؤولين الإيرانيين إلى لبنان، والقول إن إيران شريك مباشر في إدارة هذه الحرب وتحمّل نتائجها.

إصرار مستغرب
المطلعون على أجواء رئيس المجلس نبيه برّي، قالوا إن الزيارة لم تحمل طرحاً محدداً، وهي تختلف بمضمونها عن مضمون الاتصالين اللذين تلقاهما من الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، ووزير الخارجية الأميركية انتوني بلينكن. مع الفرنسي والأميركي حلّت الرئاسة كبند أساسي في النقاشات. أصرّ بلينكن على مسألة انتخاب رئيس للجمهورية كشرط لوقف الحرب، وتلقى الجواب أن الأولوية لوقف اعتداءات إٍسرائيل. عشر مرات كرّر برّي على مسامع محدّثه، المسؤول الأميركي، مطالبته بوقف النار، فيعيده الأخير إلى محور ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية. الملف الرئاسي حضر أيضاً في حديث ماكرون مع رئيس المجلس، الذي أصرّ على أولوية وقف اسرائيل عدوانها على لبنان، ليصار بعدها إلى مناقشة الملف الرئاسي.

رفض رئيس مجلس النواب إرساء معادلات جديدة، مثل وقف الغارات على الضاحية مقابل وقف حزب الله صواريخه على حيفا. في الأساس لم تعد لهذه الحرب خطوط  حمر ولا قواعد اشتباك. يخوضها حزب الله وفق ما يقتضيه الميدان في البرّ والجو. بياناته المتكررة عن صدّ توغل إسرائيل في الجنوب يشير إلى حماوة المعارك الدائرة، وإلى أن حزب الله لا يزال يحتفظ بأوراق لم يحن الوقت للكشف عنها بعد. تل أبيب هي البداية، كما سبق وأكد مسؤوله الإعلامي محمد عفيف.

إيران للميدان
لكن، على وقع ضربات الميدان، يستعجل المجتمع الدولي انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. فُهم من تلميحات بلينكن أن بلاده تعتبر قائد الجيش العماد جوزف عون الأوفر حظاً للرئاسة، وتحدث عن ضرورة تنفيذ القرارين الدوليين 1559 و1701، وأن وجود رئيس قد يجبر رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتياهو على وقف حربه على لبنان. كان اللافت، تزامن حديث بلينكن مع برّي، مع كلام للموفد الرئاسي آموس هوكشتاين لا يعكس التوجهات نفسها. لكأنه تضارب في الموقف الأميركي، بين الخارجية والبيت الأبيض، ما بين انتخاب الرئيس ووقف لإطلاق النار.

وتفيد الوقائع أن أكثر من طرف عربي طرح تأييده لانتخاب جوزف عون، والذي قوبل برفض كلّ من قطر ومصر، اللتين فضلتا تجنب طرح أي مرشح غير متفق عليه، ونصحتا بعدم الاستفراد بالشيعة أو استفزازهم باختيار مرشح مرفوض من قبلهم.

أسابيع حاسمة
وبالتزامن مع الضغط الفرنسي والأميركي، عزّز الجانب الإيراني حضوره ليؤكد أن الكلمة اليوم للميدان وليس لأي استحقاق آخر، وهو ما أبلغه إلى المسؤولين.

يعيش لبنان حالياً مرحلة من الضغط عليه بقوة، لإجباره على انتخاب رئيس للجمهورية، قبل وقف الحرب، وينصبّ هذا الضغط على رئيس مجلس النواب، الذي نقل عنه قوله لزوّاره عقب مكالمته مع بلينكن، وماكرون لاحقاً "مصاقبي أني برّي، ما بحلاش على الرصّ"، في إشارة واضحة إلى رفضه كلّ الضغوط التي يتعرّض لها لبنان في هذه الآونة.

بقي لبنان على موقفه الاستعداد لوقف النار وتطبيق القرار 1701. جاء الجواب بانتخاب رئيس وتطبيق القرار 1559. نتنياهو غير مستعدّ بعد لأي طرح للتفاوض. يستمرّ في حربه، لكنه استنفد كلّ أهدافه. دمّر أحياء كاملة في الضاحية وقرى كثيرة في الجنوب، لكن الميدان البري يكشف أنّ الوقائع ربما قد لا تصبّ في النهاية في صالحه.