اليونفيل تهدد بسحب قواتها احتجاجاً على اعتداءات إسرائيل

بتول يزبك
الجمعة   2024/10/11
ثلاثة اعتداءات اسرائيلية على اليونيفل في أقل من 24 ساعة (Getty)


محاصرة، في مرمى نيران الحرب الشرسة بين إسرائيل وحزب الله، تضيق الخيارات المتاحة أمام قوّات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" إلى حدٍّ كبير. وبالرغم من كل الوعود الّتي تقدمها القوّات بمواصلة أعمالها وضمان التنفيذ السّليم للقرار1701، يبدو أن قرار التراجع أو"الانسحاب التكتيكيّ"، من بعض نقاط تواجدها، حماية لأرواح موظفيها، بات مطروحًا على طاولة النقاش الجديّ. خصوصًا بُعيد الاعتداءات الإسرائيليّة الأخيرة على ثلاثة مواقع تابعة للأمم المتحدّة في الجنوب، خلال الأربع وعشرين ساعة الماضيّة.

وتفيد معلومات خاصة إلى أن الاتصالات الدوليّة، وتحديدًا الأوروبيّة، تكثفت مؤخراً لايجاد حلٍّ للوضع الخطير والمُعقّد، الذي يهدد وجود قوات اليونفيل في جنوب لبنان. وعلمت "المدن" من مصادرٍ دبلوماسيّة، أن خيار الانسحاب وتحديدًا للبعثة الإيرلنديّة (وبعثات أخرى مشاركة) المتواجدة في المناطق السّاخنة كمارون الراس، بات قيد النقاش الجديّ، بيّد أن البعثة حاليًّا شبه محاصرة وبات وجودها رمزياً، في ظلّ تقييد أدوراها وأعمالها تحت وطأة التهديد المتزايد. في وقتٍ تعمل فيه فرنسا لخلق موقف أوروبيّ موّحد والضغط على إسرائيل، لمنعها من مواصلة هذه الانتهاكات.

محاصرة قوّات اليونيفيل
وتُشير مصادر "المدن" في "اليونيفيل"، إلى أن التوترات بين قوّات الجيش الإسرائيليّ وقوات اليونيفيل، قد تمظهرت لأوّل مرة يوم الأحد الفائت، في السادس من تشرين الأوّل الجاري، عندما أكدّ مسؤول في الأمم المتحدّة، أنّ القوات الإسرائيليّة كانت بصدد بناء قاعدةٍ تشغيليّة على الأراضي اللّبنانيّة قريبة بشكلٍ خطير، من موقع للأمم المتحدة في مارون الراس. وأكدّ المصدر أن الجانب الإسرائيليّ رفض الإفصاح عن سبب التموضع بالقرب من هذه القوّات، رغم تلقيه طلبات متكررة للتراجع. علماً أن للـ "يونيفل" الحقّ القانونيّ في الدفاع عن نفسها والردّ على مصادر النيران.

وكانت القوّات الإسرائيليّة والتي بدأت، في الأسبوع الماضي، التوّغل جنوبًا، أمرت قوّات الأمم المتحدّة بإخلاء قواعدها القريبة من الحدود. إلّا أن الدول المشاركة في عداد اليونفيل، اتفقت بشكلٍ جماعيّ على بقاء قواتها في مواقعها. وقال المصدر، في هذا السّياق، إن القوّات الإسرائيليّة باشرت، وبُعيد الإعلان عن التمركز حول موقع 52-6 جنوب شرق مارون الراس بإنشاء مواقع لإطلاق نار وسواتر حماية، وأبقتها مباشرةً خارج الموقع الإيرلنديّ لعدّة أيام، ما أثار القلق من احتمال تعرض اليونفيل لإطلاق النار. مما دفعها إلى إصدار بيانٍ يُندّد فيه بالنشاطات "غير المقبولة" لقوّات الجيش الإسرائيليّ، والّتي تُعرِض قوات حفظ السّلام للخطر. وذكرت الأمم المتحدة أنها في محادثات "متكرّرة" مع البعثة الإسرائيليّة في نيويورك حول هذه التطورات "الخطيرة".

في المقابل تمّ التأكيد، الثلاثاء الفائت، على أن القوّات الإسرائيليّة قد تحركت من الموقع، متقدمة في البداية نحو الشمال، بعد أن صرّح حزب الله بأنه لن يطلق النار على الإسرائيليين في ذلك الموقع، نظرًا لقربهم من مواقع اليونيفيل. وإزاء هذا الواقع، وجهت قيادة اليونيفيل رسالة إلى الأمم المتحدّة، عبّرت فيها عن قلقها مما تتعرض له، مشيرةً إلى أنّ قوّاتها في الجنوب "تعاني من وضعٍ صعب وهي شبه محاصرة". ووصلت نسخة من هذه الرسالة إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عبر وزير الخارجية عبدلله بو حبيبب.

حراك دوليّ
ومنذ أن بدأت عملياتها البرية في جنوب شرق لبنان، الأسبوع الماضي، تقدمت القوات الإسرائيلية غربًا، مضيفة أقسامًا عسكريّة جديدة في كل مرحلة. وقد انتشرت تحذيرات الإخلاء، التي فرضتها إسرائيل على ما لا يقل عن 117 قرية وبلدة، وفقًا لحصر قامت به صحيفة واشنطن بوست، في معظم أنحاء الحدود الجنوبية، وتغطي الآن ما يقرب من ثلث الساحل اللبناني. ويعزو مراقبون الاستهداف المتكرّر لقوات اليونيفيل، وخصوصًا في القطاع الغربيّ، للضغط عليها، للتراجع واستخدام الطريق السّاحليّ كمحور تقدمٍ رئيسيّ في عملية التوّغل البريّ داخل العمق اللبناني.

وذكر بيان لليونفيل، أن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة أدّت إلى إصابة اثنين من جنود حفظ السّلام، بعد أنّ أطلقت دبابةٌ إسرائيليّة النار باتجاه برج مراقبة في مقرّهم الرئيسيّ في مدينة الناقورة في القطاع الغربيّ، وألحقت أضرارًا بالمعدات في محطة ترحيل أقرب إلى الحدود.

وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسيّة أنّها استدعت سفير إسرائيل في باريس، اليوم، بعد هجومٍ جديد للجيش الإسرائيليّ على قوّة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان. وقالت الخارجية في بيان إن "هذه الهجمات تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي، وينبغي أن تتوقف فورًا"، مضيفةً: "على السّلطات الإسرائيلية أنّ تقدم تفسيراً".
في غضون ذلك، ندد رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانتشيث، بالهجمات الإسرائيلية على قوة اليونيفيل، ودعا المجتمع الدولي إلى التوقف عن بيع الأسلحة لإسرائيل. وأضاف، سانتشيث، بعد اجتماعه مع البابا فرنسيس في الفاتيكان "اسمحوا لي في هذه المرحلة أن أنتقد وأندد بالهجمات التي تنفذها القوات المسلحة الإسرائيلية على بعثة الأمم المتحدة في لبنان".

إيطاليا أيضًا صعدت من لهجتها، حيث وصف وزير الدفاع الإيطالي، غويدو كروسيتو، الهجمات بأنها قد ترقى إلى "جرائم حرب"، مشدداً على أن بلاده لن تتسامح مع هذه الانتهاكات. كما استدعت روما السفير الإسرائيلي للاحتجاج على هذه العمليات التي طالت مواقع تحت القيادة الإيطالية.

محاولات إسرائيليّة لتحييد اليونيفيل
وبين الترجيحات الّتي تُشير إلى أن "إسرائيل تُريد ترهيب قوّات حفظ السّلام في الجنوب، بدلًا من إيذائهم مباشرةً، لإرغامهم على التراجع، إفساحاً في المجال أمام عمليات التوّغل البريّ، وبين الخشيّة الدبلوماسيّة من كون النيّة الإسرائيليّة تكمن في إخراج قوّات اليونيفيل من الجنوب نهائيًّا، واستبدالها بقوّات متعدّدة الجنسيات، ثمّة ما سُمي بتآكل الثقة الإسرائيليّة والأميركيّة في اليونيفيل (رغم أن الشكّ الأميركيّ قد تباين بين الإدارات المختلفة). وحاجج بعض المسؤولين الأميركيين لصالح إلغاء الانتشار الذي يكلف 500 مليون دولار سنويًّا، تدفع الولايات المتحدة منها 125 مليون دولار، فضلًا عن اتهام القوّات بالتواطؤ مع الحزب وعدم إرسال تقارير تفصيلية عن نشاطاتها .