الداخل عاجز عن الحسم الرئاسي.. بانتظار "الانعطافة" الفرنسية
ليس بالضرورة أن تقود الوتيرة المتسارعة على خطّ انتخابات رئاسة الجمهورية، أن تفضي إلى نتائج ملموسة وسريعة. لا بل هي تنذر بالانتقال من مرحلة إلى أخرى بما تحمله من استمرار الفراغ لفترة أطول. لا سيما في ضوء ردود الفعل العنيفة التي يقدم عليها الثنائي الشيعي رداً على اتفاق المعارضة على مرشح. الخطورة في الأمر ان الانقسام يأخذ طابعاً عمودياً. فيما لا مؤشرات كافية حتى الآن على إمكانية حصول تدخل خارجي كبير وفاعل، قادر على لجم تداعيات هذا الانقسام والوصول إلى اتفاق.
الطائف وتعديلاته
هو واقع يشي بالمزيد من التوتر في حال استمرت الوتيرة السياسية على حالها. وهذا ما يعيد طرح فكرة السلة الكاملة المتكاملة برعاية خارجية، لأن السياق الداخلي لا يمكنه أن يؤدي إلى حسم رئاسي. وحسب ما تقول شخصية سياسية وازنة، فإن لبنان يمرّ في إحدى أدق مراحله السياسية، وتحتاج للكثير من الدقة، لا سيما أن المسألة لا ترتبط فقط بانتخاب رئيس، إنما بالبحث في آفاق المرحلة المقبلة كلها. وتضيف الشخصية: "لبنان بأمس الحاجة إلى تسوية شاملة، تتسق مع رؤية جديدة لإدارة البلاد ومعالجة اتفاق الطائف". وهذا غالباً ما يحتاج إلى توافقات داخلية برعايات خارجية. فيما تبقى الإشارة إلى تطبيق الطائف، مرتبطة بكل الصراعات الدائرة حول طبيعة النظام في لبنان، بين طروحات متعددة، كمثل إدخال بعض التعديلات عليه، أو معالجة بعض ثغراته، أو حتى الوصول إلى تقديم طروحات جديدة من سياقاته كمثل اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، أي إضافة المسألة المالية". وهذا جانب أساسي من المفاوضات التي تخوضها الكتل النيابية مع بعضها البعض، على طريق الاتفاق على برنامج رئاسي أو مرشح رئاسي. ولا يخفى أن التيار الوطني الحرّ في مفاوضاته مع كل القوى، يضع هذا البند في سلم الأولويات إلى جانب بند آخر يتعلق بالصندوق الائتماني.
المفاوضات الرئاسية
ومثل هذه البرامج والمشاريع على أهميتها، لا يمكن مناقشتها في بازار سياسي ورئاسي مفتوح، إنما مسألة تدعيمها لا بد أن تكون مرتبطة ببرنامج متكامل، وخطّة واضحة للوصول إلى وضع تصور يجمع عليه اللبنانيون في المرحلة المقبلة، يمكن حينها أن تنجم عنها برامج تطبيقية. وهو ما سيكون بحاجة إلى ضمانات إقليمية ودولية للوصول إليها، أو إلى تصور مشترك بشأنها، لا أن تكون فقط مفاوضات في سبيل المبارزة السياسية، كما حصل بشأن اتفاقات أخرى سبقت ولم يطبق منها شيء.
لا يزال لبنان بعيداً حتى الآن عن سلوك هذا المسار جدياً، بالنظر إلى المعطيات المتوفرة حول المفاوضات الرئاسية، أو كيفية تعاطي كل طرف مع مرشح الطرف الآخر، بالانطلاق من التوتر والتصعيد والقطيعة. وعليه، لم يعد لدى المسؤولين ما يقدمونه في سياق تحقيق خروقات في جدارات الأزمة، إنما جميعهم أصبح في حالة انتظار لما سيأتي من الخارج، فيما يسعى كل طرف منهم إلى تحسين أوراقه والإمساك بها أكثر. في هذا السياق، تشير مصادر متابعة إلى أن الاهتمام الدولي بلبنان غير متوفر من أجل وضع برنامج عمل وخريطة طريق. والدليل أن الاجتماع الخماسي قد توقف، نظراً لتضارب وجهات النظر بين أركانه، مع الاعتبار إلى عدم عودة هذه الاجتماعات قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة، وسط محاولات لدفع باريس إلى تبديل موقفها وقراءتها للاستحقاق.
إعادة الحسابات الفرنسية
وهنا تشير مصادر متابعة إلى أن قوى دولية وإقليمية عديدة بحثت مع باريس في ضرورة تحويل مسارها، وصولاً مؤخراً إلى زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى فرنسا، ولقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. في هذا السياق، تشير المصادر إلى أنه قبل وصول الراعي إلى باريس، عملت دوائر الفاتيكان على التواصل مع المسؤولين الفرنسيين بهدف تخفيف اندفاعتهم باتجاه المعادلة التي طرحوها. وهو ما استكمله الراعي أيضاً من هناك، علماً أنه أبدى رفضاً كاملاً للمعادلة التي تطرحها فرنسا، لجهة انتخاب رئيس للجمهورية مقابل تسمية رئيس الحكومة لأن هذا فيه مخالفة دستورية. كل هذه الوقائع، دفعت باريس إلى إعادة حساباتها، خصوصاً مع اتفاق المسيحيين مع قوى لبنانية أخرى على مرشح.
هذا الأمر دفع إلى استدعاء السفيرة الفرنسية في بيروت، آن غريو، على عجل إلى العاصمة الفرنسية، وذلك لمناقشة الملفات وإبداء الرأي. مع الإشارة إلى أن باريس دخلت جدياً في تغيير مقاربتها، ولكن ليس على قاعدة دعم التوجه الآخر، إنما تخفيف الإقدام والإصرار على تبني فرنجية بشكل كامل. في المقابل، تقول مصادر إقليمية متابعة للمسار الرئاسي إنه بعد اقتناع باريس بتخفيف اندفاعتها، يمكن للاتصالات أن تتفعّل وتكون ناجعة أكثر، وسط معلومات تشير إلى زيارة سيجريها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى طهران في المرحلة المقبلة، وهذه قد تؤسس إلى خلق مقاربة جديدة بالملف اللبناني.