باسيل "المفاوض الأول" على مصير الرئاسة: مساومات بلا حدود

رأي منير الربيع
الأربعاء   2023/05/17
يقدم العروض ويستدرج الكثير منها (المدن)

كثر من الذين توهموا أن جبران باسيل قد انتهى سياسياً في في أعقاب ثورة 17 تشرين، لا بد لهم أن يصابوا بخيبة أمل. يتجدد الرجّل من حيث لا ينتبه أو يدري خصومه. يستند على أكثر من عنصر، ومن أهمها قدرته السريعة على الحركة، في مقابل تباطؤهم وجمودهم. يمثّل باسيل اليوم حاجة للجميع، موالاة ومعارضة. يعود إلى لعب دور "صانع الرئيس" أياً كان هذا الرئيس. وضع نفسه في موقع أنه حيث يكون سيكون الرئيس المقبل للجمهورية. حتى رهان البعض على أن خلاف باسيل مع حزب الله سيؤدي إلى إضعافه أكثر اكتشفوا العكس، فقد تحرر الرجل أكثر في طروحاته ومواقفه، وأصبح قابلاً لتقديم العروض واستدراج الكثير منها عبر قنوات واتجاهات متعددة.

البيع والشراء
في المقومات الشخصية له، تجتمع فيه مزايا "تجّار الساحل"، يقدّم في طروحاته "المفخّمة" أو المضخّمة مواصفات زعامات الجبال، او وجاهات الأرياف. وفي السياسة حاضر دوماً لحضور السوق. يسعى لوراثة دور اضطّلع به وليد جنبلاط. وكأنه يسعى إلى جمع شخصيات متعددة في شخصيته. تتكون من بعض مما لدى ميشال عون، واستعادة أسلوب بشير الجميل أو كميل شمعون، ولا يبتعد كثيراً عن أداء نبيه برّي، في الممارسة السياسية، وكل ما يتعلق بلعبة الدولة ومؤسساتها وإداراتها. يعرف كيف يستفز الآخرين لاستدراجهم إليه.

منذ الدخول في الفراغ الرئاسي، نجح باسيل في استدراج خصومه. وهو الذي أصر دوماً على ضرورة الحوار والتوافق، خصوصاً عندما تقاطعت مصلحته مع مصلحة خصومه المسيحيين في رفض انتخاب سليمان فرنجية. اندفع إلى تعزيز التواصل والسعي للاجتماع في بكركي. رفض الآخرون، فيما عادوا ودخلوا في التفاوض غير المباشر معه على عدد من الأسماء. كان رئيس التيار الوطني الحرّ خلالها على اختلاف جذري مع حزب الله حول طرحه. أوهم الجميع بإمكانية التفاهم معه. حاذرت القوات اللبنانية الدخول في الحوار المباشر، أو الوصول للاتفاق لعلمها أن باسيل "المجرّب" سيستخدم هذا الاتفاق للذهاب إلى التفاوض مع حزب الله، من موقع الأقوى. وفي حال تفاهم مع الحزب بعد نجاحه في استبعاد فرنجية، ستكون القوات مستبعدة أيضاً، ويعيد باسيل صناعة المشهد وتفاصيله.

التفاوض والتريث
استمر التفاوض. تولاه رئيس حزب الكتائب سامي الجميل. ظنّ الجميع أن الاتفاق أصبح قاب قوسين أو أدنى على إسم المرشح، ليتبين فيما بعد أن باسيل يحتاج إلى مزيد من الوقت. اكتفى بالتلويح للحزب وللآخرين بأنه قادر على الذهاب في اتجاه القوات والكتائب وغيرهم من المستقلين والتغييريين. وهو كان قد طرح سابقاً قدرته على التفاهم مع الاشتراكي وجزء من المستقلين والتغييرين، لاستدراج الآخرين إليه أيضاً. هنا يبدو الرجل الأكثر قدرة على الحركة، فيما الآخرون على مواقفهم، وعند حدود خطواتهم.

تأخر الاتفاق، فعادت الورقة إلى يد باسيل. خصومه المسيحيون الذين كانوا يرفضون الاتفاق معه كي لا يستخدم هذه الورقة في التفاوض مع الحزب، أصبحوا بحاجة لانتظاره بعد امتلاكه للورقة. حزب الله في المقابل، ينتظر ما سيقرره الرجل، وهل سيذهب باتجاه المعارضة أم أنه سيبقي قنوات التواصل مفتوحة. يتهمه خصومه بأنه لا يريد الذهاب إلى مرشح مواجهة مع حزب الله. يظنّون أنهم بذلك يعملون على إحراجه، فيما هو غير مبال في ذلك، لا بل قادر على تبرير موقفه، بأن من يريدون الاتفاق معه يكثرون من التهجم عليه، فكيف له أن يذهب إليهم. لا بد له أن يتوقع المزيد من الحملات والضغوط، وخصوصاً من قبل الأفرقاء المسيحيين، على قاعدة أنه يؤخر الاتفاق فيما بينهم. لكن الرجل ينظر إلى ما هو أبعد. ففي كل لحظة قادر على إنتاج خطاب سياسي متجدد، يظهر وكأنه يواكب التطورات ويسابقها، وعلى نحو تسمح له سرعته في تصوير التطورات وكأنها من صناعته. بخلاف الآخرين الذين ينتظرون المسارات إما للموافقة عليها أو لمواجهتها وعدم مواكبتها، فيتقدم عليهم بخطوات، ولا يمانع من الإعلان عن رفضه الدخول في التسوية، أو أن يسبقه القطار، فيما عملياً يسعى لأن يمسك بمقوده.

استدراج العروض
وضع باسيل نفسه في مكان، وكأنه على تلّة. ينظر إلى الجميع من فوق. كلهم بحاجة إليه. ينتظر استدراج المزيد من العروض. فاحتل موقعاً حيث يكون ستكون التسوية. فهو حاجة لحزب الله وحركة أمل لانتخاب سليمان فرنجية. وهو حاجة وضرورة لقوى المعارضة للاتفاق على مرشح وتعزيز حظوظه. حتى طرح مرشح التسوية بدلاً من مرشح المواجهة سيكون حاجة ماسة إليه لإنضاجه، خصوصاً إذا كان الخيار قد وقع على قائد الجيش الذي لا يزال باسيل يعارضه بقوة حتى الآن.

مشكلة الآخرين أنهم قادرون على لعب الدور نفسه لكنهم عاجزون. فالقوات اللبنانية مثلاً قادرة على لعب هذا الدور في الذهاب باتجاه فرنجية فقط، لأن موافقتها عليه يمكن أن يقود إلى انتخابه فيما يبقى باسيل خارجاً. لكن ذهاب القوات باتجاه تبني خيار قائد الجيش أو أي مرشح مواجهة آخر لا يعني حتمية وصوله.
 
مهما كان مصير الانتخابات الرئاسية، سيبقى باسيل الذي نعرفه، السياسة عنده "صفقات" فقط.