سماسرة في لبنان وسوريا "يتاجرون" باللاجئين على الحدود البرية
يؤكد السجال حول اللاجئين السوريين، مرة جديدة، أن السلطة وكل من يدور في فلكها من أحزاب سياسية، تمتهن تضليل الرأي العام في هذا الملف المعقد، بعدما تخلت فيه عن مسؤوليتها منذ 12 عامًا. في المقابل استثمرت بالملف سياسيًا وماليًا وأمنيًا، إلى أن بلغ حدّ وضع شريحة واسعة من اللبنانيين في مواجهة خطيرة مع السوريين، عنوانها التحريض العنصري والغرائزي.
ولعل أحد أوجه التضليل في هذه القضية، هو التغاضي المتعمد في النقاش العام عن واقع الحدود البرية بين لبنان وسوريا، التي هي أصلًا نافذة من تصفهم السلطة بـ"النازحين الاقتصاديين".
وفي جملة يتيمة، ورد في بيان آخر اجتماع وزاري للحكومة خصص للبحث بتطورات قضية "النازحين" كما تصفهم، "الطلب من الأجهزة الأمنية التشدد في ملاحقة المخالفين ومنع دخول السوريين بالطرق غير الشرعية". وطبعًا، لم يأت الاجتماع على ذكر سبل منع دخول السوريين بالطرق غير الشرعية، أو على الأقل مصارحة اللبنانيين بالعوائق الحقيقية لهذه المهمة. بينما "الطرق غير الشرعية"، هي في حقيقة الأمر معابر برية غير شرعية تمتد على طول سلسلة جبال لبنان الشرقية حتى عكار شمالًا بطول نحو 26 كيلومترا، وفي قرى حدودية متداخلة ومتشابكة جغرافيًا وبعلاقات قربى بين العشائر اللبنانية والسورية.
وإذا كان لبنان الرسمي لا يجرؤ على مطالبة النظام السوري بموقف صريح وواضح لجهة رغبته وجهوزيته في استقبال اللاجئين العائدين في لبنان، فهو أيضًا لا يحمله مسؤولية مباشرة ورسمية عن عبور مئات السوريين يوميًا إلى لبنان، وبتسهيل من الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري التي راكمت الرشاوى بملايين الدولارات مقابل ذلك. بل يخاطب السوريين كفئات متروكة بلا نظام أو دولة مسؤولة عن مصيرهم.
التهريب اليومي
وإذا كانت الهرمل والمناطق الجبلية على السفح الشرقي للسلسلة الغربية وكذلك المناطق المكشوفة من سهل البقاع الشمالي، لا تهدأ فيها عمليات تهريب الأفراد وكذلك البضائع، فإن الوضع في وادي خالد شمالًا لا يقل وطأة. يشير أحمد الشيخ وهو أحد شيوخ العشائر ورئيس بلدية قرية "العماير" الحدودية بـ"وادي خالد"، بأن "تداخل القرى يعزز نشاط المهربين والسماسرة بين الجانبين اللبنانيين والسوري". ويقول لـ"المدن" إن وتيرة تهريب الأفراد تراجعت في الأيام الأخيرة بفعل حملات الجيش، لكن لا يمضي يوم من دون عبور أكثر من 100 سوري من وادي خالد وحدها. بينما في أيام الذروة، تصل إلى 500 سوري يعبرون قرى المنطقة".
نقاط التهريب
منذ سنوات، تتولى شبكات اتجار غير شرعية بين لبنان وسوريا، تحظى بحماية أمنية وسياسية في المناطق الحدودية، تهريب السوريين بالاتجاهين، مثلما نشطت على مستوى تهريب البضائع التي بلغت ذروتها بعد انفجار الأزمة في لبنان في خريف 2019. وهنا لبّ الأزمة، التي يبدو أن السلطة السياسية والأمنية، لا رغبة لديها بحلها أو تسليط الضوء عليها، عوض البروباغندا التي تفرضها في خطابها حول ملف اللاجئين.
في وادي خالد مثلًا، يوجد ما لا يقل عن 7 معابر جبلية غير شرعية، يغيب عنها الحضور الأمني اللبناني والسوري. أما أبرزها، فهما معبران:"أبو جحاش" و"عبيدان"، القريبان من الجسر الدولي لطرطوس-حمص. يقول الشيخ بأنه سبق أن اقترح وضع حواجز أمنية للجيش قريبة من هذين المعبرين، خصوصًا أن معبر "شدرا" في عكار يبعد عنهما مسافة لا تقل عن 10 كيلومتر، لكن أحدًا لم يستجب.
وبحسب معلومات ميدانية، يتولى سماسرة في سوريا بالتنسيق مع سماسرة في لبنان، تجميع السوريين الذين يرغبون بالدخول إلى لبنان عند نقطة محددة في سوريا للانطلاق بالحافلات، وذلك بالتنسيق مع ضباط وعساكر من الفرق الرابعة السورية الذين يسهلون عبورهم مقابل تلقي رشى مالية. ويبلغ معدل كلفة هذا العبور على الفرد السوري ما لا يقل عن 150 دولارا، يتقاسمها السمسار مع المهرب بين البلدين وسائق الحافلة وعسكر الحواجز. ومن دون أن نغفل أن معظم السماسرة والمهربين يحظون بغطاء سياسي أو عشائري أو أمني يتيح الازدهار لعملياتهم غير الشرعية.
وفيما تحتاج بعض المعابر البرية إلى المشي سيرًا على الأقدام أو بالدرّاجات النارية أو بالسيّارات، فإن السوريين العابرين يضطرون إلى المبيت غالبًا ليلة واحدة في القرى الحدودية التي يمرون منها بعيدًا عن أعين الأمن.
وفي حين لم يكتمل ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وسوريا نتيجة خلافات تاريخية حولها، فإن البلدين يرتبطان بأكثر من 120 معبرا غير شرعي، بحسب تقديرات غير رسمية، تنشط فيها عمليات التهريب منذ سبعينيات القرن الماضي، وبلغت ذروتها بعد الحرب السورية في 2011، ومن ثم بعد الأزمة في لبنان في 2019. كما شكلت منفذًا محوريًا لطالبي الهجرة غير النظامية من السوريين إلى أوروبا عبر شواطئ شمال لبنان. (راجع المدن).
وواقع الحال، راكم كثيرون من النافذين في السطلة وأحزابها، أرباحًا طائلة من الوجود السوري في لبنان، وحتى من "النزوح الاقتصادي" الذي يرفعون الشعارات ضده، سواء عبر المساعدات والهبات الخارجية التي وصلت وتبخرت في لبنان، أو عبر شبكات التهريب التي استثمرت بحالة الانفلات الحدودي برًا. وإذا كان هناك رغبة فعلية لوقف حالات النزوح الاقتصادية التي ترفض السلطة وصف أفرادها بلاجئي الحرب، لماذا لا تبدأ من ضبط المعابر البرية ووضع حواجز على نقاطها؟ ولماذا لا تتوجه الحكومة بكتاب رسمي للنظام السوري تطلب فيه وقف التسهيلات التي تقدمها الفرقة الرابعة للمهربين والسماسرة؟
ربما الجواب، لا أحد في الدولة اللبنانية والنظام السوري يرغب حقيقة بعودة السوريين، بقدر حاجتهم إلى الاستثمار بهم، سياسًا واقتصاديًا وشعبيًا ومع الخارج.