حقيقة وأهداف إطلاق حماس لـ"طلائع طوفان الأقصى"
على الرغم من كونها حزباً أيديولوجيا يقوم على الانتماء العقائدي قبل أي انتماء آخر، ورغم استمرار توهج وحضور القضية التي تدافع عنها، وهي القضية الفلسطينية، لم تنجح حركة حماس طيلة سنوات صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي في استقطاب الشباب الفلسطيني في مخيمات لبنان وتجمعاته الفلسطينية، كما في الشتات، رغم امتلاكها الإمكانيات والقدرة على ذلك، وامتلاكها قبل كل شيء امتياز العمل المقاوم كأبرز فصائل المقاومة الفلسطينية خلال العقدين الأخيرين. لكنها لم تمارس العمل المقاوم انطلاقاً من الجنوب اللبناني -على الأقل بشكل علني- إلا بعد عملية طوفان الأقصى. ولم تكن سابقاً بحاجة لما اصطلح على تسميته بالمفهوم العسكري "التعبئة" اللازمة لتهيئة مقاتلين.. فقد كان نشاط الحركة في لبنان خلال السنوات الأخيرة يتوزع بين السياسي (العلني) والأمني (غير المعلن في المخيمات، بدعم مجموعات إسلامية متشددة في مواجهة نفوذ حركة فتح)، بالإضافة إلى الأنشطة الإجتماعية والإغاثية والدينية.
لماذا "طلائع طوفان الأقصى"؟
بعد ما يقارب شهرين من بدء عملية طوفان الأقصى وصمود الذراع العسكري لحركة حماس (كتائب القسام) في مواجهة الحرب الإسرائيلية المفتوحة عليها، واتساع مروحة التعاطف الشعبي الفلسطيني معها في مخيمات لبنان.. وبعدما أتاح لها حزب الله المشاركة في المواجهات ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي من جبهة الجنوب اللبناني، وجدت حماس في هذا التعاطف وفي هذا المتنفس العسكري عبر الحدود الجنوبية، فرصة لاستثمارهما، خصوصاً بعدما تبين لقيادة الحركة أن جناحها العسكري في لبنان يفتقر للمزيد من المقاتلين، الذين يمكن أن تعتمد عليهم في تنفيذ عمليات وإطلاق الصواريخ من لبنان. وهو ما ظهر جلياً إثر استهداف إحدى مجموعات القسام في بلدة الشعيتية جنوب صور قبل أسابيع، من قبل الطيران الإسرائيلي، واستشهاد نائب قائدها في لبنان مع أربعة مقاتلين آخرين، تبين أنهم من جنسيات لبنانية وتركية.
فكان أول تجليات هذا "الاستثمار" من حماس لصعود نجمها في غزة وفي لبنان، تأسيس "طلائع طوفان الأقصى"، "تأكيداً على دور الشّعب الفلسطينيّ في كافّة أماكن تواجده في مقاومة الاحتلال بكلّ الوسائل المُتاحة والمشروعة.. وسعياً نحو مشاركة رجالنا وشبابنا في مشروع مقاومة الاحتلال، والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم العلمية والفنية"، حسب بيان حماس الذي أعلنت فيه إطلاق هذا الإطار التنظيمي العسكري الجديد.
وعلى إثر الضجة التي أثارها هذا الإعلان في الأوساط السياسية اللبنانية وخصوصاً المسيحية، ورغم مسارعة قيادة حماس لطمأنة اللبنانيين إلى أنّ المقصود منه إطار "تعبوي شعبوي" وليس تنظيمًا عسكريًّا، وليس له أيّ فعل مقاوم في لبنان، وإنما استيعاب الشّباب الفلسطيني في لبنان بعد حركة الإقبال على "حماس"، الّتي برزت بعد عمليّة "طوفان الأقصى" ورغبة أعداد كبيرةً منهم بالانخراط في صفوف الحركة، إلا أن مصادر فلسطينية مطلعة ترى أن بيان إعلان هذا التنظيم من قبل حماس جاء واضحاً ومباشراً بالشكل والمضمون، والغاية والتوقيت، وفُهم منها أن الوجهة هي العمل العسكري، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة وجبهة المساندة من الجنوب اللبناني، والتي تشكل حماس في لبنان جزءاً منها، بينما جاءت بيانات وتصريحات قادة حماس الموضحة والمطمئنة، ملتبسة أو بدت غير مقنعة.. وبدا واضحاً أن الهدف منها هو التخفيف من حدة الحملة التي تعرضت لها الحركة بعد إطلاق "طلائع طوفان الأقصى".
ويعزز هذه الوجهة، ما تكشفه المصادر نفسها من معلومات عن أن حماس فتحت باب التطوع والانتساب للشباب الفلسطيني من أعمار تتراوح بين 17 و20 سنة من كل المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، وحددت آلية لهذا الانتساب من خلال مكاتبها ومسؤوليها المحليين.
أسئلة تنتظر إجابات!
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه -حسب هذه المصادر- كيف ستترجم حماس علناً هذا الإطار التعبوي الشعبوي كما تسميه، وأين؟ وماذا يمنع أن يتحول هذا الإطار إلى رافد لجناحها العسكري "القسام" في لبنان، وهل حزب الله راض عن هذه الخطوة؟ وهل سيقتصر استقطاب وتعئبة الشباب الفلسطيني على مناصري وجمهور حماس؟ أم سيشمل شباباً متطوعين من فصائل وتنظيمات فلسطينية أخرى؟
تعتبر المصادر أن الإجابة على هذه الأسئلة قد لا تكون متاحة حالياً، بانتظار أداء حماس وكيفية بلورة وتشكيل هذا الإطار وبدء عمله، والذي سيكون بطبيعة الحال محور اهتمام ومتابعة لبنانية أولاً وخصوصاً على المستوى الأمني، وبانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من المزيد من ردود الفعل أو التعليقات، وتحديداً من قبل حزب الله الذي لا يزال يلتزم الصمت حيال إعلان حماس عن إطارها الجديد. لكن يدرك العارفون بتطور العلاقة إيجاباً بين حماس والحزب، وبالأخص بعد عملية طوفان الأقصى، أنه لا يمكن للحركة أن تقدم على تشكيل مثل هذا الإطار من دون علم حزب الله ورضاه!
وأيضاً -تضيف المصادر- سيكون هذا الأمر محور متابعة فلسطينية في ظل ما بدأ يطفو على سطح ردود الفعل الفلسطينية، وأهمها التوجس "الفتحاوي" من تأسيس حماس لـ"طلائع طوفان الأقصى"، ووصف بعض المحللين والباحثين المحسوبين على فتح هذه الخطوة بـ"الاستعراضية"، وأن الهدف منها هو الاستثمار السياسي والإعلامي!
يبقى أن تأسيس "طلائع طوفان الأقصى" يضع من جديد حماس والسلاح الفلسطيني تحت مجهر الرأي العام اللبناني، الموحد خلف قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة وحقه في تحرير أرضه، والمنقسم حيال مسألة السلاح غير الشرعي عموماً والسلاح الفلسطيني بوجه خاص!