إسرائيل تعتمد نهجاً عسكرياً جديداً في الجنوب: ترهيب تدريجي
مع استمرار إسرائيل بحملتها العسكرية المدمرة في قطاع غزة وارتكابها المزيد من الفظائع، يلوح في الأفق تصعيدٌ عكسري على الحدود الشمالية مع لبنان، ترافقه تسريباتٍ عن إمكانية التوصل لحلٍ دبلوماسي بين الدولة العبرية وحزب الله أو الدخول في أيامٍ قتالية قد لا تبقي ولا تذر.
الخوف من الرضوان
بعد أن اكتشفت إسرائيل ودمرت ستة أنفاق عابرة للحدود حفرها حزب الله عام 2018 من جنوب لبنان، تفاجأت الدولة العبرية لاحقاً بتنفيذ حماس التي يفوقها الحزب قوةً بأشواط، لهذا السيناريو في عملية "طوفان الأقصى". وفي هذا الإطار، نشر موقع "مونيتور" الأميركي تقريراً جديداً عن التطورات على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، ونقل عن مصدرٍ أمني إسرائيلي كبير قوله "لقد رأى الإسرائيليون ما الذي يعنيه العيش مع وجود قوة كوماندوز منتشرة على خطٍ حدودي طويل. إدراكاً للخطر، لن يعود أيُ شخصٍ عاقل مع أسرته وأطفاله للعيش لا بالقرب من الحدود الجنوبية لإسرائيل ولا بالقرب من الحدود الشمالية. ولن يعود أحد ليعيش على بعد بضعة كيلومترات وحسب من قوةٍ ضخمة ومدربة تدريباً جيداً كحماس وحزب الله".
بسبب الأوضاع المتفاقمة على حدود غزة ولبنان، اضطرت إسرائيل لإجلاء أكثر من 150 ألف مستوطن من منازلهم ليقيموا منذ أكثر من شهرين في فنادقٍ وغيرها من أماكن الإقامة المؤقتة في جميع أنحاء البلاد. وحسب الموقع الأميركي، هذا الوضع غير مقبول البتة بالنسبة لإسرائيل، ولكن بعد استكمال المرحلة الأولى من حملتها ضد حماس، قد لا تمتلك إسرائيل ما يكفي من الطاقة والموارد والشرعية الدولية لشن حربٍ أشد قسوة في الشمال.
تنفيذ الـ1701 ورعب المستوطنين
ويذّكر موقع "مونيتور" بتصريحٍ لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق ياكوف عميدرور، في مقابلةٍ هذا الأسبوع مع هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية "كان"، حين قال إنّ إسرائيل ستضطر على الأرجح إلى تأجيل مهمتها المتمثلة في إزالة حزب الله من الحدود إلى تاريخٍ لاحق. ليوضح بعدها بأن عميدرور ليس الوحيد الذي يعتقد بهذا الأمر، رغم أن قليلين هم على استعداد للاعتراف بذلك. إذ يقول مصدر دبلوماسي إسرائيلي رفيع المستوى للموقع طالباً عدم الكشف عن هويته "إسرائيل ستصرّ على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، وسنوضح أن هذا يجب أن يحدث بطريقةٍ أو بأخرى".
وعندما سُئل عن خيارات إسرائيل في ظل عدم التوصل إلى اتفاقٍ مع حزب الله، أجاب: "كلُ شيءٍ ممكن، بما في ذلك هجوم إسرائيلي مفاجئ في موعدٍ مناسبٍ لنا".
وفي الوقت نفسه، يرفض سكان المطلة وكريات شمونة وعشرات المستوطنات الإسرائيلية الأخرى العودة، طالما أن الآلاف من قوة الرضوان يتمركزون على مسافةٍ قريبة على الجانب الآخر من السياج الحدودي. وهذا ما يشرحه رئيس المجلس الإقليمي للجليل الأعلى، غيورا زيلتس، للموقع الأميركي بقوله "لن يكون لديّ أيُ وسيلةٍ لإقناع السكان بالعودة من دون استعادة شعورهم بالأمن بشكلٍ كامل".
القتال حتى النهاية
وعن الإجراءات العسكرية المرتقبة التي سيتخذها الجيش الإسرائيلي في الشمال، قال مصدر عسكري إسرائيلي رفيع للموقع الأميركي "لن يكون أمامنا خيار. سيتعين علينا مضاعفة نظامنا القتالي مرتين وثلاث مرات في الدفاع عن المستوطنات في الشمال. أينما توجد سرية تابعة للجيش الإسرائيلي، ستكون هناك كتيبة. وحيثما توجد كتيبة، سيكون هناك لواء. ومن المرجح أن يتضاعف حجم فرقة الجليل".
ونقل الموقع في الختام تقييم لمصدر أمني إسرائيلي رفيع، جاء فيه "أدركُ أن أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، مدهوشٌ جداً بقدرات الجيش الإسرائيلي في غزة. لقد أصبح على بينةٍ بموقف إسرائيل الجديد، فهي لم تعدّ مدمنةً على الهدوء، بل على العكس من ذلك، قررت دفع ثمن الحرب والقتال حتى النهاية".
أضاف "من ناحيةٍ أخرى، يرى نصرالله أن الجيش الإسرائيلي يواصل سحق حماس ويشعر بأنه ملزم بالتدخل على مستوى أو آخر. وستشير الأسابيع المقبلة إلى مدى هذا الالتزام".
نهج جديد
من ناحيةٍ ثانية، قالت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، أن الجديد في الأيام القليلة الماضية تجسد باتباع الجيش الإسرائيلي لنهجٍ أكثر عدوانية لترهيب حزب الله وإجباره على الخيار الثاني، أي التوصل لصفقةٍ دبلوماسية لمنع اندلاع حربٍ أكبر بكثير.
وكشفت الصحيفة بأنه حالياً لا توجد خطة محددة للجيش الإسرائيلي، ولكن هناك آمالاً ومحاولات لاستشعار التزام حزب الله باتخاذ المزيد من الإجراءات الملموسة لخفض التصعيد. وبذلك، بدأ الجيش الإسرائيلي بضرب المزيد من الأهداف وتعمد التسبب بأضرارٍ مادية وجانبية أكبر، كي يعطي الحزب لمحةً بسيطة من الدمار الذي ألحقه بغزة ويدفعه إلى الموافقة على نوعٍ ما من الانسحاب الطوعي لقواته الخاصة بعيداً عن الحدود.
المنطقة الأمنية الجديدة
وبخصوص المسافة التي تطالب إسرائيل قوة الرضوان بالرجوع إليها، فتشير الصحيفة بأن معظم المسؤولين والمحللين يقدّرون أنها تقع على حافة نهر الليطاني. والمشكلة هنا تكمن بأن النهر لا يجري بشكلٍ مستقيم، حيث تقع أجزاء منه على بعد عشرات الكيلومترات من إسرائيل، والأجزاء الآخرى تنحدر بالقرب من الحدود. لذا، عندما يقول الإسرائيليون نهر الليطاني، فإن ما يقصدونه حقاً هو هذه المنطقة، إضافةً إلى الحدود التي حددها قرار الأمم المتحدة رقم 1701 في عام 2006.
وتضيف الصحيفة أن خريطة قرار الأمم المتحدة رقم 1701، والتي تظهر مناطق عدة ومختلفة يديرها عدد كبير من وحدات حفظ السلام الفرعية المتباينة من بلدان مختلفة، كانت في حالة من الفوضى التامة منذ عام 2006. ونتيجةً لذلك، من المتوقع أن ينسحب حزب الله من تلقاء نفسه من منطقة أمنية غامضة، من دون أن يكون للجيش الإسرائيلي قوات في تلك المنطقة لإبعاده. وإذا عبر حزب الله إلى تلك المنطقة، فإن الجيش الإسرائيلي سيطلق النار عليه، وهذا التهديد في حد ذاته سيحافظ على المنطقة الأمنية، وسيعيد الشعور بالأمن لسكان الشمال.
وحسب "جيروزاليم بوست"، يعتقد البعض في مؤسسة الدفاع بإمكانية نجاح هذه السياسة، ويجادلون بأن الكثير من قوات حزب الله التي كانت موجودة قبل هجوم "طوفان الأقصى" قد انسحبت بالفعل من حدود إسرائيل لتجنب القصف المدفعي والغارات الجوية.
قرارات مصيرية
أما عن قدرة إسرائيل على إرهاب الحزب ودفعه إلى الالتزام بمنطقةٍ أمنية أعمق، من دون الإنجرار إلى صراعٍ واسع النطاق، تقول الصحيفة بأن لا جواب لهذا بعد. ولهذا السبب يقوم الجيش الإسرائيلي بالتصعيد بشكلٍ تدريجي للغاية. فيما يريد كبار مسؤولي الدفاع إيصال رسالة إلى حزب الله مفادها أن إسرائيل حازمة في عزمها، ولكنها تحاول أيضاً تجنب حرب كبرى، وأنه يتعين عليه اتخاذ مخرج لطيف قدر الإمكان من الصراع الحالي.
وتنوه الصحيفة بأن أحداً لا يستطيع أن يخمن ما إذا كانت هذه الخطة ستنجح، لكننا نقترب من نقطة النهاية حيث سيتم اتخاذ قراراتٍ مصيرية، وتلك القرارات ستشكل مستقبل الحدود الشمالية لعدة سنواتٍ مقبلة.