بين دولار الشيعة وليرة المتاولة
ثمة مصطلح في القاموس الشعبي الشيعي لا تستسيغه الذاكرة الجماعية هو مصطلح "المتاولة".. شيعة آل البيت هم أنصارهم الذين حسموا خياراتهم التاريخية معتبرين أن خلافة النبي محمد من حق الإمام علي بن أبي طالب وذريته من بعده. أما تسمية المتاولة، وهي اشتقاق عامي لعبارة: "مت ولياً لعلي"، فقد انطوت تاريخياً على إهانة مضمرة للجماعة التي سعت بإصرار للتخلص منها.. من هنا كان الخطاب الذي توجه به الإمام موسى الصدر إلى الآلاف المتجمعين لإستقباله قائلاً: "اسمنا ليس متاولة.. نحن الرافضون، نحن رجال الثأر، نحن الثائرون ضد الطغيان ولو كلفنا ذلك حياتنا".. كان على سماء مدينة بعلبك أن تشهد يومها إطلاق عشرات الآلاف من الأعيرة النارية تأييداً لكلام الإمام..
أثناء"حرب الأخوة" بين حركة "أمل" و"حزب الله" التي استمرت من شهر أذار عام 1988 إلى 9 تشرين الثاني عام 1990 لم يجد بعض أبناء الطائفة ضيراً في القول تندراً أن الحرب تدور رحاها بين الشيعة والمتاولة..
أيضاً عندما اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعض الأسماء الشيعية للمشاركة في حكومة المستقلين التي روجت لها مبادرته تم رفضها من قبل الثنائي.. فكان أن شهدت وسائل التواصل الاجتماعي تعليقات ساخرة مفادها أن ماكرون يرشح متاولة لملء مناصب هي من حق شيعة الثنائي الشيعي حصراً.
اختارالرئيس الفرنسي مرشحيه يومها من الطليعة الاجتماعية للمتاولة التي يتوزع افرادها على دوائر متمركزة حول نواة يمثلها الثنائي الراسخ.. فيتأرجحون بين نأي عنه والتصاق به تبعاً لمقتضيات الكيمياء البشرية.
ثمة ما، ومن، يعيد المسميين اليوم إلى التداول، وفق سياق بعيد عن الإسقاط الكوميدي الساخر، يحصل ذلك بهدف الإيحاء أن الشيعة هم الفئة المنضوية تنظيمياً في إطار الثنائي الشيعي وتحت رايته، والمستفيدة من التقديمات والتسهيلات والحصانات التي يؤمنها، في حين أن المتاولة هم الفريق الذي لا تشمله مظلة الحماية، والذي يجدر بمكوناته البشرية أن تلهث محاولة اللحاق بالركب المقدس، فتتذلل طلباً للمعونة من دون أن تنال الجزء اليسير منها إلا بشق النفس..
وبشيء من التفصيل يمكن القول أن الشيعة هم المستهدفون الحقيقيون ببطاقة "سجاد" التي أمّن حزب الله من خلالها مواداً غذائية بأسعار مخفضة، أما المتاولة فهم أولئك الذين تعين عليهم أن يقفوا طويلاً في طوابير ممتدة من دون أن يسعهم العثور على الحد الأدنى من حاجاتهم. والشيعة هم الحائزون على المازوت الإيراني المدعوم ببركة الله الذي حُرم المتاولة من دفئه المبارك، والشيعة أيضاً هم الذين يحظون بفرص للعلاج في المستشفيات التابعة للثنائي في حين يموت المتاولة على أبوابها. تحضر هنا تلك الموقعة الكلامية التاريخية التي أثارها الشيخ نعيم قاسم عندما دعا ناخبي منطقة بعلبك الهرمل لاختصار المسافة، واعطاء أصواتهم لمرشحي الثنائي "من سكات"، ذلك أن تعنتهم سيصيبهم بارتفاع الضغط، وسيدفعهم نحو التوسط لدى نواب الحزب للحصول على نعمة الاستشفاء.
الشيعة كذلك هم الذين عناهم السيد حسن نصرالله عندما تحدى أعداءه قائلاً: "نحن نقبض بالدولار"، يقابلهم المتاولة الذين لا يحصلون الليرة إلا بخرط القتاد.
تشير الوقائع الحالية إلى نار هامسة ينبعث منها الدخان المتصاعد في أجواء البيئة الحاضنة التي اكتسبت ملامح بعض أبنائها سمات عاتبة.. غبن متجذر ينذر بالتحول إلى حنق متدرج آيلاً نحو غضب مستعر، وذلك جراء المعاناة القاسية التي تعاقرها أغلبية أبناء تلك البيئة في موازاة حالة من الوفرة النسبية تعيشها أقلية منتقاة منها. والمنطقي أنه يمكن لكل ذلك أن يؤسس لمناخ من التباين الموضوعي المستند إلى تفاوت معيشي حاد، من شأنه أن يمهد لتصدع طبقي يصعب حله بالشعائر الدينية وحدها. ولا حتى عبر الشعارات المذهبية المحركة لمشاعر الظلم الجماعي التاريخي، والمؤججة لغرائز الإنتقام.
يبقى القول أن المتاولة يتمايزون عن الشيعة بكونهم دائمي التردد إلى السفارات، وشديدي الإلتصاق بجدرانها، لكن دافعهم إلى ذلك هو البحث عن تأشيرة سفر ولو إلى جحيم أقل بؤساً من واقعهم الحالي.