عون يتنازل بالترسيم وينقضّ على سلامة.. و"الحزب" سينتقم بالانتخابات
أمن سائب وحدود سائبة
ليس بسيطاً وضع جهاز أمني ضد جهاز أمني آخر: الأول يريد توقيف حاكم مصرف لبنان، والثاني يصرّ على حمايته. ووضع مؤسسات بلد في مواجهة في ما بينها، أخطر مرحلة يمكن أن يصل إليها لبنان المستمرة مؤسساته كلها في التداعي والانهيار.
وفي هذا الوقت، ثمة غموض يلف ترسيم الحدود. سابقاً أنجز الرئيس نبيه برّي اتفاق الإطار. وتسلم رئيس الجمهورية المفاوضات في ما بعد. وهو أكد أخيراً أن المفاوضات تخاض في بعبدا، قبل العودة إلى اجتماعات الناقورة. وهذا له تبعات سياسية بلا شك، فيما يلف عدم الوضوح الموقف اللبناني حول الردّ على العرض الذي قدّمه آموس هوكشتاين.
ويوحي عون بأن كل الأوراق أصبحت في يده لإنجاز الاتفاق. وما إن تسرّب أن عرض هوكشتاين يتعلق بالخطّ 23 المتعرج، حتى أشار عون إلى أن حق لبنان هو الخط 23 وليس الخط 29 الذي يعتبر خطاً تفاوضياً. وهذا مؤشر على استعداده للتنازل. وأول رد فعل جاء من رئيس الوفد العسكري المفاوض العميد بسام ياسين، فرفض هذا التنازل، وأكد أن الخطّ 29 هو المتفق عليه بين الوفد وقصر بعبدا.
والخلاصة: لا يمكن ترسيم الحدود بلا تنازلات متبادلة. تنازلات لا تزال غير واضحة. وهناك من يفضل الانتظار حتى يتبلور الموقف الدولي، وإنجاز صفقة إيرانية- أميركية تنعكس على الوضع اللبناني، ليكون الترسيم أحد أبرز نتاجاتها.
حزب الله ومقايضات عون
وفي ظل غموض مسألة الترسيم، وما يمكن للبنان أن يقدّمه من تنازلات، يستشعر عون قوة لانقضاضه على حاكم مصرف لبنان. وهذا ما حصل أمس: إصرار رئيس الجمهورية على إقالة سلامة ومحاكمته. لذا طوق منزله، محاولاً الاستفادة من تنازله في عملية الترسيم، لتحقيق مكتسبات داخلية في الحسابات اللبنانية.
ولكن ترسيم الحدود لا يمكن أن يكون لقمة سهلة لأي طرف سياسي في لبنان. فهو خاضع لمعايير سياسية وإقليمية. وحزب الله هو صاحب القرار الأساسي فيه، وهو يتحكم في المعادلة، ولا يمكن تمرير الترسيم بلا موافقته، ليتولى توزيع العوائد السياسية على حلفائه وفق ما يراه مناسباً، ووفق ما تقتضيه مصلحته.
الانتقام الانتخابي
وأي تغيير في مسار الترسيم يفرض تغييراً سياسياً في الوقائع القائمة على الأرض. وقد تنعكس دينامية الترسيم الجديدة على طريقة خوض الانتخابات، بأن يحاول حزب الله تكريس مجلس نيابي ملائم لمصلحته، فيسعى إلى تعزيز حصص حلفائه: العونيون والحزب السوري القومي، أو حتى حزب البعث مثلاً. وهذا من خلال إعادة إحياء شخصيات تعود إلى حقبة ما قبل اغتيال رفيق الحريري. ولكن بإدارته الذاتية هذه المرة، وليس من باب الوصاية السورية أو طريقها.
وقد يكون هذا المسار عنواناً جديداً لانقلاب ينفذه حزب الله في الوقائع السياسية اللبنانية. وهي تنطوي على تغيير كبير في وجهة البلد وتركيبته السياسية والدستورية. وفي حال نجاحه في إيصال من يريدهم إلى البرلمان، يؤسس حزب الله لمرحلة جديدة من المواجهة ومزيد من الصدامات. وهذا في ظل شيوع عقليات انتقامية لا تؤسس إلا إلى المزيد من الحقد القابل للانفجار في أي لحظة.