"المنظومة" تلجأ إلى التحريض الطائفي.. والحريري "يدرس" اعتذاره
طائفيات متقابلة
ويتخذ الخطاب العصبوي في الصراع المفتوح على تشكيل الحكومة، طابعاً مؤسساتياً أكثر فأكثر: الرئيس المكلف يلجأ إلى المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، ساعياً لتحقيق اصطفاف سنّي حوله. وهذا بعد أيام من لقائه شخصيات سنّية لم تكن محسوبة على تياره السياسي، في سياق الحاجة إلى وحدة الطائفة، أو على قاعدة "المصيبة تجمع".
ويعمد الحريري في حضور جلسة المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، لبث أكثر من رسالة: أولاً أنه لا يزال الزعيم الأقوى في طائفته، ويرفض الاعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة. ثم يسجل رفضه لتثبيت أعراف جديدة في عملية تشكيل الحكومة.
وتستدعي هذه الخطوة نوعاً من شد العصب المقابل لدى التيار العوني: استخدام خطاب شعبوي مذهبي وطائفي في حملة إعلامية وسياسية تستنفر بيئته المسيحية من الآن حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة.
وعليه، تكاد حرب التسريبات بين تيار المستقبل والتيار العوني أن تتجدد، معطوفة على تغليف "طائفي ومذهبي للأزمة"، وفق مقتضيات شد العصب الشعبي.
اعتذار الوقت المناسب
في المقابل، لا يريد الرئيس نبيه برّي نعي مبادرته، كي لا تبدأ عملية البحث عن بديل. وهو يعلم أنه لم يعد بالإمكان القيام بأي خطوة جدية على طريق تشكيل الحكومة بالتعاون بين ميشال عون وسعد الحريري.
وحزب الله لا يزال على موقفه، مع تحميله مسؤولية ما يجري للطرفين، أي الحريري وباسيل معاً. وهذا يحرج رئيس المجلس أكثر فأكثر في المرحلة المقبلة. فيما الرئيس المكلف يستمرّ بدراسة خياراته: البقاء على موقفه وعدم التنازل، أو الدخول في تسوية، أو الاعتذار.
وثمة من يقترح على الحريري إعداد تشكيلة حكومية كما يراها مناسبة، ويذهب بها إلى القصر الجمهوري ويقدمها للرئيس ميشال عون. وفي حال رفضها تكون فرصة الحريري للاعتذار وتحميل رئيس الجمهورية مسؤولية التعطيل ورفض كل صيغ الحلّ. وعندها يذهب إلى المعارضة الشاملة تحضيراً للانتخابات النيابية. وهناك من يعتبر أن فكرة الاعتذار جدية لدى الحريري، لكنه يترك لنفسه اختيار التوقيت المناسب.
رئيس تيار الهجرة
على ضفة رئيس الجمهورية، حاضرة لعبة استخدام اللغة التي تستدعي شد العصب المسيحي. وهو يستخدم هذا السلوك في إدارة الدولة بكل تفاصيلها، في لقاءاته واتصالاته. وسيتوّجها بتوسيع رقعة حملته مستهدفاً الحريري، وتحميله مسؤولية التعطيل وانهيار البلد. ولا يتوقف عن القول إنه لن يسمح له بتسمية وزيرين مسيحيين، لأن عهد ميشال عون يختلف عن عهد ميشال سليمان وإميل لحود والياس الهراوي. ويتابع قائلاً إن الرئيس القوي هو الذي يسمي الوزراء المسيحيين.
وهو في هذا كله يلبي رغبة جمهوره المتعطش لسماع كلمة العهد القوي، علماً أن النسبة الأكبر الراغبة في الهجرة، سُجلت عند المسيحيين في هذه السنة. المسيحيون الذين ينظرون إلى انهيار كل القطاعات التي يعتبرون أنفسهم أصحابها ومن أركانها: القطاع المصرفي، شركات القطاع الخاص ومؤسساته، المؤسسات الطبية والصحية والتعليمية، وحتى المرفأ. وهذه كلها يعتبرها المسيحيون أساس نهضتهم التاريخية، مالياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً، وها هي تتهيأ للأفول والتبدد أمام أبصارهم، في زمن العهد القوي. العهد الذي جعل المسيحيين غرباء عن وطنهم، وأعينهم تشخص إلى ما وراء البحار.
.. والنفط الإيراني
وهناك شريحة واسعة من المسيحيين تستاء من مواقف أمين عام حزب الله حسن نصر الله الأخيرة، في ما يتعلق بشعارات: الاتجاه شرقاً، واللجوء إلى النفط الإيراني والدواء الإيراني. وهذا فيما من يدّعي تمثيل المسيحيين والدفاع عن حقوقهم، يراقب مجريات الاتفاق النووي، منتظراً نتائجه وتداعياته على لبنان.
وفي فيينا يتم البحث في إمكان تخفيف أو رفع القيود والعقوبات على النفط الإيراني والسماح للدول بشرائه. وهنا لا بد من العودة إلى طرح نصر الله والإتيان بالنفط من إيران، استكمالاً لتعبيد الطريق الشرقية. فيما يعلق مسيحيون على ذلك قائلين: "انتهى العهد ولم يقص رئيس الجمهورية شريط افتتاح مشروع واحد. ولم يضع حجر الأساس لتشييد مبنى عام واحد أو ما شابه".