الرؤساء الثلاثة لعزلة لبنان في زمن الخذلان والتصحّر
رئيس أرمينيا، الذي نصف سكان برج حمود لا يعرفون اسمه. ورئيس دولة إفريقية، حتى أنا لا أقوى على لفظ اسمه. والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وهي ما كانت لتتجشّم عناء الدخول إلى قصر بعبدا، وتتحمّل عظام ساكنيه، لولا اضطرارها للتباحث مع الرئيس في موضوع اللاجئين السوريين. فهو لا يفوّت مع صهره فرصة ولا مناسبة إلا ويطلقان فيها حملات على حدود العنصرية ضد أولئك اللاجئين، فيحمِّلانهم المسؤولية عن إفلاس لبنان وخرابه.
حتى الرئيس الفرنسي إيمانيل ماكرون، لم تطأ قدماه البلاط في قصر بعبدا الرئاسي. ومن لا يعلم أن فرنسا هي أم لبنان الحنون، منذ كان لبنان، ومن عادتها أن تشرِّع أبواب قصر الإليزيه لمخاتير ورؤساء بلديات من لبنان.
والمأساة أن علاقة العهد الوطيدة مع الخارج تقتصر على بشار الأسد. وهو الرئيس الوحيد الأشد عزلة من العهد الرئاسي اللبناني. فبعدما كان الأسد الإبن مدراراً في الكلام الاستراتيجي عن العروبة، ها هو اليوم لا يتنفس من دون أن يستأذن من رؤساء دول ثلاث أو أربع. فالقيصر الروسي فلاديمير بوتين والشيخ الرئيس الإيراني حسن روحاني والسلطان العثماني رجب طيب أردوغان، عقدوا ست قمم رئاسية حتى الآن، للتباحث في مستقبل سوريا، فيما بشار الأسد منشغل باستقبال المير طلال أرسلان وجورج وسوف.
أما رئيس الحكومة المحبوب من العهد القوي، أي حسان دياب - وما أدراك من هو حسان دياب الغامض غموض اللاشيء - فما من عاصمة أقليمية من الدرجة الرابعة قبلت أن تستقبله، ولو بزيارة شكلية خاطفة. وهناك من يتحسَّر ويتمنى لو أن الرئيس دياب زار نواكشوط واستقبله رئيسها.
والرئيس دياب - على ما قرأت وزيرة إعلامه، على ما يطلبه المستمعون، عن ورقة كتبها، وكان أنشد كلماتها في مستهل انعقاد مجلس الوزراء أمس الثلاثاء 14 تموز - قال ها نحن الوزراء لا نزال "نحفر الصخر حتى نستطيع تخفيف حجم أزمة البلد". أي أنه، ضمناً، يتوسل أن يُستقبل في دولة عربية ما. لكن "ما سمعناه من أشقائنا في الدول العربية عن الاتصالات التي حصلت معهم من بعض السياسيين اللبنانيين مخجل، ويرقى إلى الخيانة الوطنية". وهو في هذا يقصد أنهم يتآمرون عليه ويشون به لدى تلك الدول كي لا يتصدّق عليه رؤساؤها وملوكها وأمراؤها، ليستقبلوه، فيسمعهم معزوفاته عن الصخر والبحر والريح والمراكب التي تعاكسه كلها في سعيه للوصول إليهم، علّهم يتصدقون عليه ببعض الأموال لإنقاذ لبنان من إفلاسه.
يبقى الرئيس نبيه بري، لولب العيش المشترك والحياة البرلمانية في البلاد. وتكاد علاقاته الدولية تنحصر بقائد قوات اليونيفيل في الجنوب.
وهناك من يقول إن بعض رؤساء بلديات لديهم شبكة علاقات إقليمية ودولية أوسع وأهم من علاقات الرؤساء الثلاثة الديبلوماسية.
وقد تشكل العلاقات الدولية للمسؤولين اللبنانيين فضيحة سياسية وديبلوماسية. لا سيما في وقت تخبُّط البلد في أسوأ أزمة اقتصادية وسياسية شهدها في تاريخه. وها هو يهوي إلى حضيض، لن تنتشله منه سوى علاقات وصداقات خارجية. طبعا غير سوريا وإيران، ودول الفقر والتسول والجوع والعثرات.
فالخارج - وتحديداً الغرب والخليج العربي - هو أمل لبنان الوحيد الذي يمكن أن يكون خشبة خلاصه. لكن لبنان العهد القوي اختار - بإيعاز ممن جعله قوياً - شن حرب شعواء وعدائية ضد الخليج العربي والغرب. وهو لم يوفِّر تركيا، بلا سبب ولا حاجة لمهاجمتها.
وعندما أفلسنا وأشرفنا على الجوع، تذكرنا دول الخليج العربية، ورحنا نرتمي متل متسولين أذلاء على أبوابها.
وها نحن في زمن الخذلان والتصحّر والعزلة والانزواء. فبسبب خياراتنا الخرابيّة والتحاقنا بحلف الإرهاب الخميني وملالي إيران، أصبحنا متل المصابين بالكورونا: الجميع يتعاطف معنا، ولا أحد يتجرَّأ على مد يده لمصافحتنا.