طلال حواط.. وزير اتصالات لا يعرف ولا يُريد
الإقالة عمل وحيد
وحواط مثال التكنوقراطي والاختصاصي، على ما قالوا عنه حين اختاروه لمنصبه الجديد. فهو وُزِّر بعد سنوات قضاها في شركة "سيسكو" الأميركية، إحدى أهم شركات الاتصالات حول العالم. سيرته الذاتية توحي بأنه رجل مناسب. أو على الأقل أتى إلى وزارة يُفترض أنه يعرفها جيداً، ولإدارة قطاع يُفترض أن لديه تصوراً واضحاً عن كيفية النهوض به.
"يُنتظر منه الكثير"، جُملة رددها كُثر، حتى من لا يعرفون عنه شيئاً. سيرته الذاتية تغشّ كثيرين، كالسير الذاتية عادة. سيطول انتظار الوزير لتظهر أفاعيله، بالرغم من البروباغندا التي لابست تسمية وزراء حكومة حسان دياب، فوصموا بالاختصاصيين منقذي البلاد من تخبطها المديد.
والوزير المُقرب من فيصل كرامي والمحسوب على اللقاء التشاوري (السني)، لم يقدم حتى اليوم سوى على خطوة واحدة: إقالة مستشارين كان قد عينهم جمال الجراح ومحمد شقير، خصماه في المافيات اللبنانية، ومن "أعداء" كرامي في الساحة السنيّة. والإقالة ضربت القانون عرض الحائط، وفق تقرير للزميل إيلي الفرزلي.
تعيين بدلاء
أقال الوزير الاختصاصي 13 شخصاً، 11 منهم سُنّة، وبينهم ألان باسيل الذي هو عضو في هيئة مالكي القطاع الخلوي منذ عام 2002. المفارقة أنه أعاد باسيل إلى "أوجيرو" بعقد استشاري، فيما صار الآخرون في منازلهم. وسيأتي الوزير بغيرهم من الرهط السياسي الذي يُمثله. وهذا ما دأب عليه وزراء الأحزاب طوال 30 سنة مضت. لكن لا يهم، فالوزير الاختصاصي يحق له أن يقوم بمثل هذه الأفعال، لأنه يُدرك جيداً ما يقوم به.
المخالفة والمحاصصة عادة دائمة في لبنان. المهم النتائج كما يُروّج كُثر. والنتائج لن تظهر في المدى المنظور. وهذا مُستبعد على كل حال. سلوك الوزير الحالي لا يشي سوى باستمرار النهج إياه، بل أسوأ منه. فمن سبقوه كانوا يعرفون ماذا يريدون، وهو لا يعرف ولا يُريد. كأنما المنصب هو الهدف لا أكثر. وهذا أمر طبيعي، طالما حسان دياب قدوة الوزراء جميعاً.
استفسر الوزير من المعنيين عن إمكان الإتيان بموظفين جدد يريدهم هو في وزارته، إسوة بوزراء تعاقبوا على المنصب. عادة، التوظيفات/التنفيعات تكون في هيئة قطاع الخلوي. لكن الهيئة لا تملك ميزانية للتوظيف، أتاه الرد. لذا قرر تخفيض عدد الموظفين، ليعيِّن محاسيبه بدلاً منهم. هذه عادة الوزراء في الوزارات كلها. وهل يمكن نسيان ما فعله جبران باسيل في الوزارة التي تسلمها صهر الجمهورية؟ والوزير الحواط لم يقترب من أي موظف (استشاري أو غيره) ممن وظفهم التيار العوني منذ أكثر من عشر سنوات في الوزارة. هؤلاء لديهم حماية. الوزير التكنوقراطي يعلم أن من يختاره باسيل كفوءاً بالولادة، ولا يُمكن المساس به. هذه قاعدة قد تكون سبب وصوله إلى الوزارة. ويمكن أن يكون هذا هو السؤال الوحيد في امتحان دخوله إلى القطاع العام بصفة وزيراً تكنوقراطياً، ترك لرئيس الهيئة ناجي عبود أن يوقع عنه قرار صرف موظفيه الأعداء. فهو يخاف من التوقيع، أو يُبعد عنه الشُبهات، لا فرق.
وزير مرتاب ومسلح
منذ دخوله الوزارة مصاب بالارتياب. ريبة دائمة من كُل شيء: ممن حوله، ممن يتعامل معهم ومرغم على ذلك، كأعضاء لجنة الاتصالات النيابية الذين يقال إنهم طوروا خطة شاملة للقطاع. خطة لم تُبصر النور. ومن هو على اطلاع على كيفية إدارة الملفات يقول إنها لن تبصر النور في وقت قريب. يتجنبون القول إن لا خطة، كالعادة.
الريبة التي تلازم الوزير الحواط حملته على التنقل بين أقسام الوزارة وحوله مرافقون عسكريون بسلاحهم الظاهر. فهو مُستهدف لكثرة منجزاته في الأشهر القليلة التي قضاها في الاتصالات. وهذا حقه في الديار اللبنانية السعيدة.
يخاف القول إنه كسلفه محمد شقير، يؤيد التمديد لشركتي الخلوي (ألفا وتاتش). يمكنه استرداد القطاع، لكنه لم يفعل. الوزير التكنوقراطي لا يؤمن بقُدرة الدولة على إدارة القطاع. لكنه يرتضي أن يصير وزيراً في حكومة رفعت شعار مكافحة الفساد ووقف الهدر. وهو في الوقت عينه مع الإبقاء على مزاريب الهدر الكبيرة في وزارته. خوفه من البوح بما يُريد جعله شاهداً على مخالفة صريحة: الشركتان مستمرتان بالعمل بعد انقضاء مهلة 60 يوماً كان شقير قد منحها للشركتين لتتسلمهما الدولة. وفشل الحواط في الاستحصال على تمديد جديد لهما. الشركتان مستمرتان في العمل بعد انقضاء المهلة، فيما الوزير يبدو كمن يُمارس تمارين اليوغا، بدل أن يستثمر "خبرته" المزعومة التي أتت به إلى الوزارة.
أزلام باسيل
طلال حواط سينهض بالقطاع، على منوال نهوض الحكومة بالبلد. هناك من لا يزال يُصدق هذا. كُل ما سبق لا يُبشر إلا بعمق الهاوية التي نعيش فيها. ووزير الاتصالات خير دليل على هذا الواقع المزري المتفشي في مؤسسات الدولة. فلنفترض حُسن النية: الوزير يحتاج إلى الوقت ليبدأ العمل، وهناك متسع منه بما أن اللبنانيين لا يواجهون أي أزمة الآن. لدى الوزير الوقت الذي منّ على اللبنانيين بتمديد صلاحية الأنترنت على هواتفهم الخلوية شهراً إضافياً خلال أزمة "كوفيد - 19". لديه كُل الوقت ليُحاول أن يكون نسخة مطابقة لمحمد شقير، سيء الذكر. هذا أقصى ما يُمكن فعله.
ويظل من تركهم باسيل في الوزارة هم الحاكمين الفعليين: المحامية نسرين حرب، المُستشارة القانونية للوزارة. العميد المتقاعد جورج نصار، مسؤول الملف الأمني في الاتصالات (تنصت وخلافه).
هنا يمكن سؤال وزير التكنوقراطي وملك الاختصاص ومكافحة الفساد، عما إذا كان حريصاً على "ترشيق" وزارته؟ هو يعلم أن حرب تتقاضى عن عملها في الوزارة ما يُقارب 5 ملايين ليرة شهرياً، وحوالى 6 ملايين إضافية من "أوجيرو" بصفتها استشارية، وكانت تتقاضى مثلها من شركة "ألفا" قبل أن يلغي الجراح عقدها.
يدرك طلال حواط جيداً أن المس بحصة جبران باسيل في الوزارة مُحرّم. وهو بالتأكيد لن يتطاول على اليد التي أتت به إلى موقع لا يُريد منه سوى اللقب. الأمور الأخرى، كالهدر والفساد، تافهة. ومن المبكر الحديث عنها أو البحث فيها. لما العجلة؟ البطء حكمة، والسلامة غنيمة.