منال عبد الصمد.. قارئة الفنجان
تقول وزيرة الإعلام منال عبد الصمد بثقة، وهي تنظر إلى الإعلامية جيسيكا عازار وتحاول أن تعبّر، من بداية دخولها أبواب "وزارة ميتة"، عن قوّتها واستقلاليتها: "ضمن الصورة النمطية التي ينسبونها لكل امرأة، أنها ابنة فلان أو زوجة فلان ولاحقاً أم فلان، واليوم بالحكومات ينسبون لنا أننا تابعون لفريق معيّن ولم نصل بكفاءتنا". تتحدث وجيسيكا ترافقها بابتسامة تُخبئ فرحاً لا يصل لدرجة الإعجاب. تُكمل في سرد كيف وصلت إلى رأس الوزارة: "تم تعييني من قبل الدكتور حسان دياب استناداً إلى مسيرتي المهنية والعلمية والوظيفية". جيسيكا تحافظ على ابتسامتها التي لن تصل إلى درجة الإعجاب، على الأرجح.
السوربون وهارفرد وكامبريدج
السيرة الذاتية للوزيرة، غنية كثيراً. طبعاً، لهذا اختارها حسان دياب، وأحسن توظيفها فعلاً. سنوات عمرها التي قضتها ولا تزال بين السوربون في باريس وهارفرد وكامبريدج في أميركا حول النظام الضريبي والسياسات والإدارات الضريبية، تستغلها اليوم بفضل حكمة الدكتور دياب ومن ورائه (الأرجح الرجل المعجزة جميل السيد) في كيفية القيام بوزارة كان الوزير الأسبق فيها، ملحم رياشي، يحاول أن يُلغيها، لا بل إن الورقة الإصلاحية التي قُدمت بعد 17 تشرين كان من أبرز بنودها إلغاء هذه الوزارة الفائض. وزارة، عَمَل وزيرها البارز، هو قراءة مقررات مجلس الوزراء مرة أو أكثر في الأسبوع. بكل الأحوال كانت خطوة موفقة، إطلالة عبد الصمد على الشاشة فيها حياة أكثر من إطلالة رياشي وميشال سماحة وغازي العريضي وإيلي الفرزلي وأنور الخليل وغيرهم، وما المطلوب اليوم سوى وجوه مبتسمة وقامات رشيقة تملأ الشاشة جمالاً وتنشر الشغف لدى جمهور مرتاح، في وطن مُكتفٍ تماماً.
الثالوث السحري
الوزيرة، التي تشغل منصب رئيس دائرة التشريع والسياسات الضريبية في مديرية الضريبة على القيمة المضافة في وزارة المال، وقعت في حيرة حين تقرّب منها دياب، بل بين خيارين "كتير صعبين"، الخيار الأول ألا تدخل إلى هذه الحكومة ولا تتحمل المسؤوليات وبالتالي يصل البلد إلى مكان "غير منظور ولا نعرف نتيجته"، وبين خيار أن تتحمل المسؤولية وتقوم بفعل تغييري لأنها تؤمن بهذا الأمر، كونها تتمتع بالثالوث السحري المناسب: الإرادة، الحكمة، الضمير. الثالوث نفسه الذي حمله قبلها في يوم من الأيام جبران باسيل وانتهى بـ"هيلا هو". طبعاً من المجحف مقارنتها بهذا الأمر. أساساً من المجحف مقارنة أي إنسان به، فكيف بامرأة، كان في يوم من الأيام لديها حلم كبير، ولكنه بقي في مبناها القديم، مُكبلاً بالضرائب.
لا تُجيد الوزيرة السياسة. لهذا اختارها السيّد؟ الأرجح نعم. يحلو لها التأكيد على أنها مُستقلة، وهي كذلك كما يقول عنها عارفوها. فقط تحفظ للحزب التقدمي الاشتراكي أنه ساعدها كي تمرّ بالتعيينات في وزارة المالية. زارت المختارة لتشكر تيمور على دعمها. القرب الجغرافي بين مسقط رأسها عماطور والمختارة له تأثيره، لكن يُشهد لها أنها لم ترم نفسها بأحضان صاحب القصر كما كان ليفعل كُثر. أخذت ما تُريد وتركت لنفسها حرية اختيار طريقها. طريق تقاطع مع طرقات مجموعة من وزراء أُتي بهم على غفلة.
صعود الدرج
كانت واثقة من قدراتها. نجاحها في لُغة الأرقام سيُسهّل عليها مهمّتها الجديدة، ستساعدها في ذلك شقيقتها ريما، وهي المتمرسة والمخضرمة والتي تعرف الوزارة جيداً، ولهذا حجزت لها مكاناً معها كمستشارة، وطبعاً من دون مخصصات إضافية كما تقول. الملفات كثيرة، من أين تبدأ؟ ليس بقانون جديد للإعلام. هي ستصعد الدرج على مهل، ولهذا بدأت محاولات ترشيق الوزارة. خطوة أولى، حاولت أن تستغني عن 11 متعاقداً تحت بند شراء الخدمات. ثُم أعادتهم، لأن أحزابهم اتصلوا بها متسائلين ومستائين. الامتحان الأول لها لم تنجح به. وهي ترتكب مخالفة كون من كانت تعتبرهم عبئاً، هم اليوم يعملون من دون عقود. أما أجرهم فهي واثقة من أن زميلها في المالية، غازي وزني، وأصدقاءها الكُثر هناك، سيُسهلون مسألة تمرير الأجور لهؤلاء المتعاقدين من دون عقود. يجب دائماً تذكر الثالوث الإصلاحي في هذه الحالات: الإرادة، الحكمة، الضمير.
هذا الثالوث أيضاً جعلها تطلب من الموظفين الكبار في الوزارة، والذين لا يُداومون، اجتماعاً عاجلاً حال وصولها. هؤلاء يقبضون رواتبهم التي هي ليست بقليلة، أو خرافية بالنسبة لمن لا تطأ قدمه مكان عمله. منهم على سبيل المثال فيرا يمين الغنية عن التعريف، وفاطمة قبلان الغنية عن التعريف أيضاً، حين نعرف أنها شقيقة قبلان قبلان. انتهى الاجتماع ولا شيء تغير. على أي حال، هي لا بد أنها تذكرت أن الحكومة التي هي جزء منها لم تكن لتولد لو لم يحصل سليمان فرنجية على ما يُريد. لكن طبعاً هي مُصرّة على أن الحكومة مستقلة وتكنوقراط وستُخرج اللبنانيين من هذا النفق المظلم. هل هناك من شيء أجمل من رؤية ابتسامة حسان دياب في نهاية النفق؟ صعب.
على طاولة الوزيرة أيضاً ملف المتعاقدين "الإكسترا" المُختلف عن كل ملفات التعاقد. هؤلاء يستفيدون من كل تقديمات الدولة لكنهم غير مُثبتين. أتت متحمسة لحلول يبدو صارت تبتعد كثيراً عنها أو هي، الوزيرة، ابتعدت عنها. هناك من كان ينتظر منها أن تكون "غير". على ما يبدو عند أول مفصل، تختار عبد الصمد أن تكون قارئة بيانات. التعبير الأصح مع هذه الحكومة، قارئة فنجان. لكنها تبقى مميزة في هذا الأمر. اللبنانيون وهم جالسون في حجرهم بسبب "كورونا" يُفضلون رؤية وجهها الناعم الذي يوحي بشيء من الخجل، على أن يملأ مثلاً جمال الجراح الشاشة بعرض أكتافه.
طلاسم عبد الهادي محفوظ
تعلم الوزيرة أن الملف الأكبر المطروح أمامها هو قانون جديد للإعلام، يعوّض قانون عام 1994 الذي عفى عنه الزمن. لكن، قبل أن تدخل به، هذا إذا أرادت ذلك، عليها أن تفك طلاسم التعامل والتواصل مع عبد الهادي محفوظ، رئيس المجلس الوطني للإعلام. من أهمها أن تتعلّم لعب طاولة الزهر وتُصبح من رواد قهوة الروضة. هناك، يحاول محفوظ صياغة كل القوانين العصرية التي تحكم عمل الصحافيين. أمامها مهمّة أولى طبعاً، أن تُقنعه أن "السفير" أقفلت و"ديار" شارل أيوب أصبحت من خارج الزمن. بعد ذلك كُل شيء مقدور عليه، حتى بإمكانها مناقشته وإقناعه بأن الإعلام الرقمي هو حاضر ومُستقبل المهنة. طبعاً هو لن يقتنع. ولكن عليها المحاولة. عليها أيضاً ألا تستسلم كما فعلت إلى الآن في كل شيء اقتربت منه.
هناك من يكبر بالمنصب، وهناك من يكبر به المنصب. إلى الآن، الوزيرة بعيدة عن الحالتين. طموحها الواسع بين الأرقام بدأ يخفت في وزارة تلفظ أنفاسها الأخيرة. الخيارات أمامها واضحة، وعليها أن تقيسها بدقة، كما فعلت مع كراسي المراسلين في السرايا الحكومي. لعبة الأرقام التي تُجيدها، قد تنفعها وتدفعها كي لا تكون ضريبة تُضاف إلى ضرائب كثيرة يتحملها اللبنانيون منذ زمن. وهي، على الأرجح، لا تُريد أن تكون كذلك.