فضل شاكر لـ"المدن": لو ثبتت التهمة ليسجنوني مئة عام
حكم غيابي ثالث قاطعَ ألحانَ أغنيته الأخيرة "إبقى قابلني"، ما وضع الفنان اللبناني فضل شاكر مجددًا في مقابلة، ولو عن بُعد، مع القضايا التي تلاحقه في أروقة المحكمة العسكرية.
لم يستغرب مقرّبون من الرجل الحكم بالسجن اثنين وعشرين عامًا، بتهمتيْ تقديم خدمات لوجستية للإرهابيين، وتمويل جماعة الشيخ أحمد الأسير، وتبييض الأموال.
لكن ورغم هذه الوقائع وقساوة الأحكام، التي تكون غيابية، فإنّ المحكمة نفسها تثبت مرةً جديدة براءة الفنان من القتل والإرهاب بالموادّ التالية:
- قتل ضباط وأفراد من الجيش اللبناني أثناء قيامهم بالوظيفة.
- حيازة واقتناء مواد متفجرة بقصد القيام بأعمال إرهابية.
- القيام بأعمال إرهابية.
- القيام بأفعال ترمي إلى إيجاد حالة ذعر، وإثارة النزعات المذهبية والعنصرية، والحث على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة.
حب الجمهور
الفنان أبدى لـ"المدن" استغرابه من الإعلاميين والصحافيين "الذين لا يكملون واجباتهم في البحث عن الحقيقة". وهو أمر يذكّره بالأحداث التي سبقت أحداث عبرا شرق صيدا، والتي لم يتجرّأ الإعلام على تغطيتها، كإحراق منزله وسياراته على مدى ثلاثة أيام عام 2012، على مرأى من الأجهزة الأمنية الموجودة في صيدا.
شاكر يتريّث في الردّ عبر الإعلام على الحُكمينِ الصادرين، حتى يتسنّى لمكتب وكلاء الدفاع عنه قراءة تفاصيل القرارين الصادرين بحقه.
لكنه يقول لـ"المدن" إنَّ ما يهمه اليوم هو ردّ فعل محبّيه، الذي أبكاه من الفرح بسبب الرسائل التي تلقّاها منهم، مضيفًا إنه لم يكن يعرف أنّ حجم الحب له لا يزال يكبر بهذا الحجم، وأنه لن يستطيع التعبير عمّا يشعر به تجاه "الناس الطيبين" الذين يحبونه، إنما يعدهم بأنه سيكون عند حسن ظنّهم. وأنه مسرور بشكل كبير لمشاركته من قبل هؤلاء القناعة بأنه لا يمكن أن يرتكب أي جُرم.
ملاعق وشوك
شاكر ترك موضوع الردّ القانونيّ للإختصاصيين، رافضًا الخوض فيه لكنه كشف لـ"المدن" عن قضية اتهامه بالإرهاب اللوجستي. فروى لنا كيف تكوّن الملّف.
يحكي الفنان القصة بهدوء مرفقاً بالسخرية من شدة دهشته، ويقول: "أحد العاملين في مجال الفن في السويد من المحبّين لي، رغب عبر معارفه بإرسال هدايا لي، عبارة عن ملاعق وشُوَك وصحون وخطوط هاتف سويدية، من دون معرفتي المسبقة بأن هناك من يريد أن يقدّم لي هذه الهدايا. أرسلها مع شخص لا أعرفه. دخل هذا الشخص المخيم ولم يستطع اللقاء بي، لأنني لا أعرفه. وعندما خرج من المخيّم سُئِل على الحاجز ماذا كان يفعل داخل المخيم، فأجابهم بالحقيقة لأنه يعيش في السويد ويحمل الجنسية السويدية، ولا يعرف أنني مطلوب أصلًا، كما أفاد خلال التحقيق معه، فاقتادوه إلى الثكنة وضبطت في حوزته المحتويات. هذا الوسيط سُجِن ستة أشهر أو ربما تسعة أشهر. وخرج بعدما نال حكم البراءة وبقيت فبركة الملف وكذلك التهمة بقيت.
أما الحكم عليَّ بالسجن سبع سنوات بتهمة تمويل جماعة الشيخ أحمد الأسير لشراء السلاح، فهي عارية من الصحة تمامًا. وتعرف كل الأجهزة أنني بريء منها، لأنها تعرف بالخلاف الذي نشب بيني وبين الأسير، قبل شهرين ونصف الشهر من المعركة".
ويردف قائلًا: "فليستدعوا الأسير. هو مسجون لديهم. وليسألوه.. وإذا ثبت أنني دفعت الأموال من أجل السلاح، فليحكموا عليَّ بالسجن مئة عام". ويسأل: ألم تستجوب المحكمة كل المتهمين بملف عبرا. فليقولوا لي من الذي قال عنّي إني شاركت في التمويل أو التخطيط أو التنفيذ؟ لا أحد قال ذلك".
المحامية: "قرارا الظنّ هشّان"
المحامية عليا شلحة من المحاميات المداومات في المحكمة العسكرية، والمتابعة لملف الفنان شاكر، تؤكد أن الحكمين صدرا بهذه القساوة بسبب عدم حضوره إلى المحكمة العسكرية. ولو حضر لسقطت التُهمتين عنه. ولصدر حكم ببراءته. بل وبكفّ التعقّبات في حقه، بسبب عدم توفّر الأركان والعناصر الجُرمية التي على أساسها ادّعت النيابة العامّة التمييزية. وتشير إلى عدم قانونية الإدّعاء في قضية التدخل بجرم الإرهاب أو دعم الإرهاب لوجستيًا.
"الرجل الذي جلب الهدايا لفضل لم يلتقِ بالأخير. والهدايا ضُبِطت. وحتى لو التقى به ما هي نوعية هذه الهدايا؟" تسأل شلحا.
وتضيف:" الهدايا ملاعق وشُوَك وساعتا يد وبطاقات دفع هواتف مسبقة! كما أنها لم تصل إلى فضل. ولو وصلت أين هو جرم التدخل بالإرهاب؟ وهل الهدايا صواريخ أو سلاح؟ هل الهدايا تُنسَب إلى الإرهاب؟"
وعن تهمة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب تلفت شلحا إلى أنَّ هيئة التحقيق في المصرف المركزي أوردت في تقريرها الموجود في القرار الظني، أنَّ أموال الفنان كانت نتاج حفلاته وبيع العقارات. ولم تستطع إثبات على ماذا تمّ صرف الأموال التي سحب منها الفنان عام 2012، والتي تبيّن أنه كان يسحب منها للصرف الشخصي والعائلي، بسبب توقفه عن العمل بالحفلات في تلك الفترة.
وتختم بالقول: لا وجود في الملف لأي شاهد. ولا لأي مستند. ولا لأي وثيقة تفيد بأنَّ فضل شاكر بيّض الأموال، أو موّل الإرهاب. معتبرةً أنَّ القرار الظني هشّ وضعيف.
محاضر الضبط وقرارات الظنّ:
حصلت "المدن" على تفاصيل القرارين الظنّيين الصادرين بحق فضل شاكر. وحصلت أيضًا على الملف المتعلق ببلال لطفي سليمان، الذي أوقف في 26 من نيسان 2019 بتهمة تقديم الدعم اللوجستي للإرهابيين.
وقد ورد في محاضر الضبط، الذي على أساسه تحرك القضاء للإدّعاء على فضل شاكر، بأن سليمان وافق على إيصال هدايا من صديقه عيسى ورد، الذي يعيش في السويد إلى شاكر. والهدايا كما ورد في محضر الضبط الصادر عن وزارة الدفاع هي عبارة عن فضّيات وصحون وملاعق وشُوَك وساعات و12 شريحة خطوط خلوية.
المتهم يسرد في المحضر إجاباته على الأسئلة. وفحواها أنه لم يستطع الوصول إلى شاكر في اليوم الأول من زيارته لمخيم عين الحلوة، محل إقامة شاكر. وأنه حاول في اليوم الثاني بعد التواصل مع أحد سكان حيّ حطّين الوصول إليه، لإرسال الأغراض. لكنّ الجيش اللبناني أوقفته على الحاجز، وضبط ما كان معه وحوّله إلى القضاء ليُترك بعد نيله البراءة، بعد تسعة أشهر.
القضاء والسلطة السياسية: تدخل واتهامات
ملف فضل شاكر سياسي. ولو كان قانونيًا لانتهى منذ سنوات، يقول مراقبون معارضون لسير المحاكمات العسكرية في لبنان. وهم يرون أنّ صيت القضاء المدني في لبنان يعاني من الاتهام بالارتهان السياسي، فضلًا عن الاتهامات بفقدان النزاهة مستدلّين بما يجري في قضية استجواب المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت.
حقوقيون آخرون لا ينصحون فضل شاكر بتسليم نفسه إلى القضاء، إلا في حال تشكلت هيئة قضائية محايدة، أو انتظار العفو العام، الذي برأيهم سيقضي على الأسقام التي تصيب جسم العدالة في لبنان، والذي يبدأ من عدم الفصل بين السلطات، ولا ينتهي بوقائع تدخل السلطة الحاكمة في قضايا هزّت الرأي العام العربي والعالمي فضلًا عن الرأي العام اللبناني.