شكوك حول اقتراع المغتربين: من المتهم الداخلية أو الخارجية؟
عشية انتهاء المهلة التي نصّ عليها قانون الانتخاب لجهة تحديد مراكز الاقتراع في أقلام الاغتراب قبل عشرين يوماً من موعد إجراء الانتخابات النيابية في الخارج، المحدّد في 27 و28 نيسان 2018، وفي خضم الاستعدادات الانتخابية المتواصلة، حيث يشكّل الصوت التفضيلي مصدر قلق للجميع، خيّمت مسألة اقتراع المغتربين اللبنانيين على جلسة مجلس الوزراء، الأربعاء في 4 نيسان، بين مشكّكين ببعض آليات العملية الانتخابية وبين من يرى في هذا التشكيك محاولة لاقحام المغتربين في "لعبة سياسية رخيصة".
مداخلات الوزراء كشفت الاعتراضات والشكوك بشأن اقتراع المغتربين، خصوصاً أن وزيري الداخلية والخارجية، المسؤولين عن العملية الانتخابية للمغتربين، مرشّحان للانتخابات النيابية. بالتالي، غير قادرين على التمييز بين مصالحهم الانتخابية الخاصّة ومصلحة لبنان واللبنانيين. وهو ما كان سبق أن أثاره عدد من النواب، وفي مقدمهم النائبان مروان حمادة وبطرس حرب خلال جلسة مناقشة الموازنة العامة، مشكّكين "بنزاهة هذه الانتخابات التي تشوبها مخاطر تعرّض العملية للتزوير".
جلسة مجلس الوزراء التي عقدت عشيّة مغادرة الوفد اللبناني إلى باريس للمشاركة في مؤتمر سيدر1، كانت لتمرّ بهدوء بجدول أعمالها العادي، لو لم يثر الوزراء مروان حمادة وعلي قانصو وميشال فرعون مسألة اقتراع المغتربين، والتشكيك بنقاط تقنية عدة مبهمة متعلقة بالعملية من ناحية أرقام المندوبين الموزعين على الأقلام ونتائج الفرز. وتحدّث حمادة عن استغلال البعض المؤتمرات الاغترابية لأغراض انتخابية.
ووفق المعلومات، يفترض بوزارة الداخلية تحديد 140 قلم اقتراع (يضم كل واحد رئيساً وعضوين) موزعة على بلدان الاغتراب، على أن لا يقلّ عدد المسجلين للانتخاب في كل قلم عن 200 ناخب كما ينص القانون، فيما يتوقع أن يصل عدد المسجلين على لوائح الشطب في بعض الأقلام إلى ما بين 400 و600 ناخب، اسوة بعملية الانتخاب في لبنان.
وفي حديث إلى "المدن"، يقول حمادة إن "النقاش داخل الجلسة تركّز على شفافية عملية انتخاب المغتربين، وسألنا كيف ستتم عملية الاقتراع، ومَن الذي سيترأس أقلام الاقتراع؟ ومِن أين سيأتون بالطواقم على صناديق الاقتراع؟ وما هو دور مندوبي اللوائح؟ وهل تستطيع القنصليات والسفارات استيعابَ 70 مندوباً في كل قلم اقتراع؟ وكيف ستُعد المغلفات التي تحتوي على محضر النتائج الخاص بكل محطة اقتراع؟ ومن يشرف على إعادة توضيبها إلى لبنان؟".
ويوضح أنه "رغم ثقتنا بالسفراء، إلا أن هؤلاء يعجزون عن الاشراف على جميع المراكز، كما أن وزارة الداخلية غير قادرة على إرسال نحو 140 شخصاً للاشراف على العملية في الخارج". وإذ طالب بإرسال موظفين من قبل هيئة الإشراف على الانتخابات بصفة مراقبين على 140 قلم اقتراع في دول الانتشار، شدد حمادة على ضرورة ايجاد حل للموضوع وإلا ستُظلل الشكوك هذه العملية.
وأثيرت في الجلسة، خصوصاً من الوزير فرعون، مسألة تسريب معلومات شخصية تتعلق بالناخبين المغتربين، بعدما كشف عن تواصل الوزير السابق نقولا صحناوي مع أحد الناخبين في فرنسا اعتماداً على داتا معلومات غير متاحة للعموم (لوائح الشطب متاحة للجميع، لكن ليس عناوين الإقامة وأرقام الهواتف). وقد استغرق النقاش في هذا الموضوع وقتاً طويلاً. وقد طلب فرعون التحقيق بما حصل حتى لا يحصل التمادي بذلك خلال الانتخابات.
لكن، ما بدا لافتاً في جلسة مجلس الوزراء كان التوافق البارز بين الوزيرين جبران باسيل ونهاد المشنوق، ومبادرتهما للتأكيد أن كل الأمور تحت السيطرة، فأعضاء الجسم القنصلي والدبلوماسي في جهوزية تامة لمواكبة العملية ومراقبتها. وأكد المشنوق أن "ليس هناك فرز في مراكز الاقتراع في الخارج، بل هناك إحصاء لعدد الأصوات، وشركة DHL ستعمل على إقفال الصناديق بالشمع الأحمر ومن ثم يتم شحنها إلى لبنان. كما يحق لمندوبي اللوائح التواجد في أقلام الاقتراع، رغم مشكلة ضيق المكان نظراً إلى عدد اللوائح"، لافتاً إلى أنّهم غير مضطرين إلى ارسال طواقم اضافية "في ظل وجود نظام كاميرات في جميع أقلام الاقتراع لنقل الصورة على الشاشة مباشرة إلى لبنان يوم الاقتراع"، مشدّداً على أن "جميع هذه المخاوف هي مجرد أوهام وتأتي في سياق افتعال مشاكل سياسية غير واقعية".
بدوره، رفض باسيل كل الاتهامات التي تطال وزارة الخارجية، معتبراً أن "الداخلية هي المسؤولة عن عملية اقتراع المغتربين، فيما يقتصر دور الخارجية على التنفيذ"، واصفاً اقتراع المغتربين بأنه "إنجاز، ولا يجب أن نقحمهم بحفلة السياسة الرخيصة وبأمور لم ولن تحصل". ورأى أنه يتم تحميل الموضوع "أكثر بكثير مما يحتمل"، مؤكداً أنه "لا يجوز أن نشكك بسفير فئة أولى معتمد يمثل لبنان في دول كبيرة، وأن نقبل بموظف آخر في الدولة نستطيع أن نثق به أكثر. هؤلاء جميعاً هم موظفون لدى الدولة ومحكومون بالقانون لإدارة هذه العملية".
وعن داتا المقترعين المغتربين، اعتبر باسيل أن "الموضوع ليس بهذه الأهمية، فهذه الداتا موجودة في وزارة الخارجية وأقسام منها موجودة في السفارات ولدى الماكينات الانتخابية وليست داتا محصورة". ولفت إلى أنه طلب خلال الجلسة توزيعها رسمياً، "لأن كل المرشحين والجهات السياسية تطلبها، وليس هناك من مانع بعدم انتشارها، لكن وزير الداخلية قال إنه لا يحق لنا توزيعها بشكل رسمي، انطلاقاً من كونها معلومات شخصية، ولا ينتظر أن يغيّر أحد رأي الآخر".
في المقابل، علّق النائب بطرس حرب على هذا الموضوع، في تغريدة عبر حسابه في تويتر، معتبراً أنه "من المعيب أن توضع داتا المعلومات التي تحتوي أرقام تلفونات المغتربين وعناوينهم الالكترونية في تصرف مرشحي تيار المرشح وزير الخارجية، لكي يتواصلوا مع المغتربين، ويحرم المرشحون الآخرون من هذه المعلومات. ما يشكل مخالفة صارخة للقانون وخرقاً لمبدأ حيادية السلطة وما يعرض الانتخابات للطعن".
ويؤكد حرب لـ"المدن" أنه سيتقدم مع العديد من المرشحين، "وفي القريب العاجل، بسلسلة شكاوى ضدّ هذه الممارسات، لأنّها تزوّر العملية الانتخابية ونتائجها. بالتالي، تقضي على حيادية الحكومة".