فيصل كرامي.. مشوار سياسي بدأ وانتهى
في الخمسينات، عندما رحل عبدالحميد، اتفق الأبناء الثلاثة رشيد ومعن وعمر، على تزعيم شقيقهم الأكبر، رشيد. ظل الأشقاء يداً واحدة، ولكل دوره في منزل الزعامة الكرامية، لكن معن كان "الداهية" الذي وقف خلف شقيقه راسماً السياسات العريضة، وصانعاً مجد رشيد السياسي، حتى اغتيل في العام 1987، تاركاً الإرث السياسي لشقيقه التالي معن.
جرت الرياح لاحقاً بعكس طريق معن. عوامل عدة أسهمت في وراثة عمر الحالة الكرامية، ووقف معن للعب الدور ذاته الذي لعبه في فترة رشيد، فكان "الداهية" الذي وقف خلف عمر لأكثر من عقد ونصف، قبل أن يفترقا بعد العام 2005، بسبب ما سماه معن يومها "إضاعة عمر لإرث عبد الحميد السياسي".
ظلت العلاقة مضطربة بين الأشقاء، إلى أن تم توزير نجله فيصل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، من الحصة الوزارية الشيعية آنذاك. نقل الإرث السياسي من عمر إلى فيصل استفز الشقيق الأكبر معن، الذي رأي فيه احتكاراً لإرث والده السياسي، خصوصاً أن الخط السياسي الذي كان يتبعه عمر، لم يكن يرضيه.
يومها قرر معن أن ينتقل إلى مواجهة شقيقه. وصف علانية فيصل بأنه "الوزير الشيعي السادس في الحكومة". وذكر بأنه تنازل عن الزعامة لشقيقه عمر لأنه "لا يبحث عن المناصب". ومن يومها كسرت الجرة نهائياً، رغم اللقاء الذي جمع معن وعمر بعد أشهر وفق قاعدة "الدم ما بيصير مي".
بدأ فيصل عهده السياسي مجرداً من الأوراق العائلية، خصوصاً أن أي حالة كرامية في طرابلس لا يمكن أن تصنع بمعزل عن معن "الداهية"، الممسك بالورقة الشعبية، نظراً إلى أنه تولى لفترة طويلة، ومنذ عهد رشيد، ولاحقاً عمر، النشاطات الاجتماعية في المدينة.
أتت الانتخابات البلدية لتثبت أن معن حضر جيداً نجله وليد لوراثة "الحالة الكرامية"، وقد ضرب حلفاً مع الوزير أشرف ريفي، وفق قواعد "العروبة"، التي يرددها ريفي دوماً في مواجهة "المشروع الفارسي"، والتي يعتبرها معن أساس سياسة بيت كرامي، منذ نضال عبدالحميد ضد الفرنسيين، وقبلهم تحالفه مع الأمير فيصل و"الثورة العربية الكبرى" (1916) ومحاولة استقلال سوريا عن العثمانيين.
في الانتخابات البلدية الأخيرة، يقال في الشارع الطرابلسي إن معن نجح في تجيير الأصوات الكرامية لمصلحة لائحة ريفي، ولم يفلح فيصل إلا في تجيير عدد محدود من الأصوات، خصوصاً أن نشاط معن السياسي الممتد على عقود طويلة، يخوله معرفة بيوت المدينة، واحداً واحداً، ويتواصل معها دورياً، بما أنه كان راعي الزعامة الكرامية، بعد أن تفرغ رشيد لرئاسة الحكومة، وكذلك عمر لاحقاً.
سلم الرجل الثمانيني، كل الأوراق السياسية، وشبكة علاقاته في المدينة لنجله وليد، الذي يتحضر رسمياً، لدخول عالم السياسية، بعدما أكد مراراً معن أحقيته بعد رشيد وعمر في أن تؤول إليه ولنجله الزعامة. أول خطوة مقبلة ستكون في الانتخابات النيابية التي سيترشح فيها إلى جانب ريفي، الحليف "العروبي" الجديد، ليقارع بها ما ورثه فيصل.
يصعب على فيصل بناء حالة جديدة بمعزل عن دعم عمه معن، لكن ذلك ليس وحده ما يهدد مشواره السياسي، الذي يبدو أنه انتهى قبل أن يبدأ، خصوصاً أن فيصل فشل في بناء تحالفات صلبة ضمن البيئة الطرابلسية. ورغم انضمامه إلى لائحة "لطرابلس" التوافقية، فإن علاقته بالرئيس نجيب ميقاتي ينغصها وجود ابن النائب أحمد كرامي. وعلاقته بالرئيس سعد الحريري لاتزال فاترة، وحتى علاقته بآل عيد و"التيار الوطني الحر" شابها كثير من التوتر مؤخراً، نتيجة تحالفه مع ميقاتي والحريري بلدياً.