مسيحيو لبنان وشجاعة الاكراد
اعلان أكراد سوريا النظام الفدرالي في مناطق سيطرتهم في شمال البلاد، يسرع ولادة واحدة من حقائق الشرق الاوسط المقبل في القرن الحادي والعشرين.
بعد الحكم الذاتي لأكراد العراق وإنهيار المصالحة الكردية التركية وتحول الصراع الى ما يشبه حرب اهلية بين الطرفين، والسخونة الموسمية التي تهب على ملف اكراد ايران، سيحتاج الامر للكثير من التبسيط لافتراض ان استعادة الهيمنة على الهوية الكردية أمر متاح.
قد لا تكون هذه الحقيقة ولادة كردستان الكبرى التي تضم اقاليم من سوريا وتركيا والعراق وايران، وقد تكون. لكن الاكيد أن الفدرالية تشق طريقها على نحو سريع وحاسم الى متن العقد الاجتماعي لعدد من دول المشرق العربي ودول جواره، لا سيما تركيا وايران!
قبل اكراد سوريا وبعد اكراد العراق، رفع العراقيون الشيعة لواء الفدرالية بعد اطاحة صدام حسين عام ٢٠٠٣. المفارقة كانت أن من تصدر المشروع الفدرالي بين شيعة العراق، والدعوات المبطنة لإستقلال جنوب العراق، كان السيد عبد العزيز الحكيم رحمه الله، الذي يتحدر من عائلة شكلت عنوان زعامة الشيعة العرب لعقود طويلة. ولم ينج العراقيون السنة من مغازلة فكرة الفدرالية مؤخراً للخلاص من جحيم “التعايش القسري” مع الآخر في المذبحة المفتوحة التي اسمها العراق!
وفي لبنان يبدو المسيحيون هم الاسرع بين اقرانهم في التقاط هذا الملمح المستجد، على مستوى تركيبة الدول التي ستخرج من رحم إنهيار المشرق القديم بإنهيار ركنيه الابرز، العراق وسوريا!
ليس من المبالغة القول إن المعنى العميق للمصالحة المسيحية المسيحية بين الدكتور سمير جعجع والجنرال ميشال عون، بالتوازي مع إنهيار حلف ١٤ آذار كإطار لبناني تعددي جامع، لطوائف ومناطق ومذاهب، يتصل بتلمس هذا الملمح الوليد. مسيحيو لبنان كأكراد سوريا، كشيعة العراق واكراده يبحثون عن مرتكزات جديدة للقعد الاجتماعي الذي ينظم عيشهم مع الاخرين في بقايا الكيانات الوطنية التي تهتز حدودها الخارجية وحدود الجماعات داخلها!
أما اليمن فلن يكون ممكناً إيجاد اطر لادارته خارج الفدرالية بين الجنوب والشمال، لعدم تجرع كأس التقسيم والعودة الى صيغة الدولتين، فننتهي اذذاك بدولتين فاشلتين بدل دولة فاشلة واحدة! وها هي ليبيا تستعيد من تاريخها المعني العميق إسم الدولة قبل القذافي: المملكة الليبية المتحدة، التي بقيت تدار حتى عام ١٩٦٣عبر النظام الاتحادي الذي كان يجمع بين الولايات الليبية الثلاث طرابلس وبرقة وفزان!
ثمة ملاحظة لا بد منها!
فيما تنفجر الدول المركزية يقدم النظام الفدرالي العربي واحدة من أنجح التجارب في دولة الامارات العربية المتحدة. دعك عن النموذج الناجح نسبياً، حتى وقت ليس بعيد، في كردستان العراق!
الفدرالية تتقدم، ولن تردها الى الوراء دعوات لوحدات قسرية كان من ابرز نتائجها ما وصلنا اليه الان.
الاكراد يملكون شجاعة قول ما لا يجرؤ على قوله الآخرون!