إنها الحرب الأهلية يا عزيزي
يتصرف حزب الله على قاعدة أن نتائج عملية ٧ أيار ٢٠٠٨ مستمرة في السياسة. المداولات التي التي جرت قبل صدور البيان الوزاري حول العلاقات اللبنانية السعودية تعكس في العمق هذه الحقيقة، بحيث أتى البيان الهزيل، ترجمة فعلية لتوازن السلاح في الحياة السياسية والوطنية اللبنانية.
من يملك السلاح، ومن يتسلح بالنتائج السياسية المستمرة لـ ٧ أيار، فرض على الآخرين تذويب أي عبارة يُشتم منها تراجع، ولو لفظياً، أمام الهجمة السعودية. فخرج البيان شبح تضامن بلا ملامح أو عصب، وبلا اي اشارة جدية لموضوع التضامن!
ومثل حزب الله، يتصرف خصومه أيضاً على قاعدة أن نتائج عملية ٧ أيار ٢٠٠٨ مستمرة في السياسة، بحيث لا يحيدون مرة عن سكة تقديم التنازلات، كجزية تدفع لحماية البلاد من الإنفجار. ولئن كان هذا خيار لا يحتمل المزايدة عليه ممن هم خارج مسؤولية صناعة القرار، وأنا منهم كمعلق سياسي، الا أنه لا يعفي المراقب من ملاحظة قاتلة، وهي أن من نتصرف معهم بعقلية القبول بالهزيمة، ما عادوا يكتفون بإقرارنا بالهزيمة بل يبتغون التلذذ بإذلال البلاد والعباد!
فالرابح في إنتخابات الرئاسة سلفاً بترشيح أحد صقريه، الجنرال ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، لا يبدو مستعجلاً لقطف إنتصاره! ومن نسعى للوصول معه الى تسوية لفظية تخفف من نتائج إختطافه لقرار السياسة الخارجية اللبنانية، لا يريد الاكتفاء بأن ما كتب في مؤتمري وزراء الخارجية ومنظمة التعاون الإسلامي، قد كتب! بل يريد الزيادة عليه، أن تصدر القوى السياسية اللبنانية أناشيد التأييد له، بوصفه درة العبقرية الديبلوماسية في تطبيق مبدأ “الحياد” وبالتالي “حماية المصلحة الوطنية”!!
الإقرار، من قبل حزب الله وخصومه، بإستمرار النتائج السياسية لعملية ٧ أيار ضروري لفهم اللحظة المتفجرة التي يعيشها لبنان الآن. وهذا الاقرار يعني التسليم ضمناً بأن فائض إستثمار حزب الله في هذه النتائج هو عملياً الغاء للسياسة وتصحير لها! لكنه يعني أيضاً أن لا ضمانة لإستمرار الصفقة الراهنة: الخضوع لإرادة السلاح مقابل السلم الاهلي.
ليس في قدرة ولا رغبة خصوم حزب الله الرئيسيين او ما يسمى سياسياً “”main stream الذهاب بإتجاه التسلح والخيارات العسكرية. وهم ما زالوا رغم النزيف الحاصل في صفتهم التمثيلية للناس، يراهنون على الكائن المسمى الدولة، الذي يمعن حزب الله في إهانته وتدميره يومياً. لكن ثمة ما إستجد منذ ٧ أيار ٢٠٠٨ وحتى اليوم!
أولاً أن الاشتباك المذهبي السني - الشيعي إتخذ حينها صفة مواربة، وبقي في إطار الاشتباك السياسي المحلي بين فريقين. ولم يكن قد إنفجر الصراع بين راعيي الفريقين بمثل إنفجاره اليوم وعلى إمتداد ساحات كثيرة.
ثانياً، لم يكن قد طرأ على الاجتماع اللبناني دخول نحو مليوني سني سوري، يحملون في عقلهم ووجدانهم أعلى درجات الاستنفار حيال حزب الله، الذي اشترك مع نظام الاسد في تهجيرهم! وهم ممن لا تملك قوى الـ“main stream” أي سلطة عليهم، كما لا تملك من المشروعية السياسية والوطنية ما يكفي طويلاً لمنع التعاطف اللبناني معهم ومع رغبتهم وتحينهم فرصة الإنتقام.
هذا ليس تهديداً أو رسالة. ولا يعبر عن رغبة، معلنة او دفينة، في هذا الاتجاه، بل هو اقرار فج بالوقائع على الارض في واحدة من أخطر اللحظات التي يمر بها لبنان، دولة ومجتمعاً وكياناً!
يكفي أن نتذكر أن ياسر عرفات سجنه دركي لبناني عام ١٩٦٥، وما إن مضت اربع سنوات حتى كان يجلس على الطاولة مقابل ممثل الدولة اللبنانية ويملي شروطه لتوقيع إتفاق القاهرة، الإتفاق الاخطر والأكثر إثماً في تاريخ التجربة اللبنانية!
أربع سنوات فقط حولت عرفات من أجنبي يقيم تحت القانون الى قائد ثوري يقيم فوق العادة! الظروف مختلفة بلا شك، لكن ليس ضرباً من ضروب الخيال أن نتوقع ولادة عرفات سوري في مواجهة حزب الله!
إعترفنا أم لم نعترف. كابرنا أم لم نكابر. إنها الحرب الاهلية يا عزيزي!
شدوا الأحزمة وإستمتعوا.