السعودية على لائحة عمرو موسى
يعود اسم الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، عمرو موسى، للظهور بعد غياب طويل، وذلك على خلفية حوار له مع جريدة "المصري اليوم"، أطلق فيه تحذير من تبعات التوسع الإسرائيلي، والذي بحسبه لن يتوقف عند غزة والضفة، ولا عند شريط حدودي مع لبنان، بل قد يمتد إلى مصر والأردن.
كانت دول الطوق، أو ما كان يطلق عليها هذه الوصف في زمن أسبق على كامب ديفيد، مهددة دائماً من العدوان الإسرائيلي. وعلى سبيل المثال، اختبرت مصر الطموحات التوسعية لجارتها العدوانية في الماضي على هيئة احتلالان لشبه جزيرة سيناء ومستوطنات على أرضها. لكن أكثر ما يلفت الانتباه في تصريحات موسى، هو ضمه الأراضي السعودية إلى لائحة الأطماع الإسرائيلية، مضيفاً أن الجيل الحالي سيرى نتائج ذلك التوجه التوسعي المتصاعد.
موسى القادم من عالم ما قبل الطوفان وما قبل الربيع العربي، وزير خارجية عهد الركود المباركي، يجد نفسه أمام التغيرات الزلزالية في خريطة النظام الإقليمي، مضطراً لشرح البديهيات والحقائق البسيطة المتوفرة من الماضي القريب جداً. أي أن إسرائيل دولة استعمار استيطاني في حالة تمدد دائم، وأن توسعها يحظى بدعم القوى العظمى. وفي العقد الأخير، يكفينا الإشارة إلى الاعتراف الأميركي بضم الجولان أثناء ولاية ترامب الأولى، وإلى تثبيت الإدارة الديمقراطية الحالية لهذا القرار المخالف للقانون الدولي. ويضاف إلى ذلك، التصريحات اللاحقة لترامب وهو على وشك ولايته الثانية، والمتعلقة بصغر مساحة إسرائيل والحاجة لتوسيعها. وبذلك تنتقل مسألة حدود الدولة اليهودية من نطاق "الحقوق التاريخية" المؤسسة على خرائط العهد القديم، إلى نطاق المنحة الامبراطورية.
بمنطق التطوير الحضري، الذي يزيح السكان أو يستأصلهم لصالح أرباح الاستثمار في العقارات، يعلق جاريد كوشنار على الحرب في غزة، مشيراً إلى الأسعار العالية المتوقعة لأراضي شريطها الساحلي على البحر المتوسط. على تلك الخلفية، لا يبدو أن أحداً يخفي النوايا التوسعية، لا في تل أبيب ولا في واشنطن.
والحال أن تحذير موسى موجّه بالأساس إلى دول الخليج وعلى رأسها السعودية. كانت إيران خطراً يلقى بظلاله دائماً على الإقليم منذ الثورة الإسلامية، وتغول بالخروج الأميركي المتعثر من العراق وتسليمه إلى حضن طهران. وبعد الربيع العربي، أتاح الاقتتال الأهلي في كل من اليمن وسوريا لإيران بتمديد نفوذها المباشر على رقعة المنطقة. ومن المفهوم أن تشعر الحكومات الخليجية بالارتياح لتقليم أظافر إيران ولي أذرعها العديدة في الشرق الأوسط. إلا أنه وفي الوقت نفسه، ينبغي على الدول العربية الجالسة على مقاعد المتفرجين أن تشعر بالقلق من اختلال ميزان القوة الإقليمي بشدة لصالح إسرائيل، وبالأخص في ظل التواطؤ الغربي على المذابح الواسعة التي ترتكبها في غزة، وبشكل أقل لكن بوتيرة متصاعدة في لبنان.
لا يبدو أن تحذيرات موسى مجرد صوت وحيد خارج الجوقة. فالكلمة الافتتاحية لولي العهد السعودي في قمة الرياض قبل يومين، والداعية إلى "احترام سيادة إيران والامتناع عن مهاجمة أراضيها"، توجز سلسلة من الخطوات الصغيرة للتقارب العربي- الإيراني. وعلى مستوى عسكري، أعلن قبل عدة أسابيع عن مناورات بحرية أجرتها السعودية في بحر العرب بمشاركة إيرانية. وفي تطور أخير، وصل رئيس الأركان السعودي، قبل يومين إلى طهران في زيارة تعد نادرة، للقاء رئيس الأركان الإيراني ورفع مستوى التعاون الدفاعي بين البلدين.
بلا شك، ستفضي الحرب الدائرة اليوم في المنطقة إلي شرق أوسط جديد أو نصف جديد، لكن ترتيباته ليست بالضرورة على الشاكلة التي ترغب بها تل أبيب أو واشنطن.