غزة في قازان: مثال لنظام معطوب

شادي لويس
الأربعاء   2024/10/23
طموحات دول "البريكس" تتجاوز الإمكانات (Getty)

في قازان عاصمة جمهورية تتارستان، الواقعة على سفوح جبال الأورال الفاصلة بين قارتي أوروبا وآسيا، تستضيف روسيا قمة بريكس لهذا العام. وأمام كاميرات وسائل الإعلام، يستقبل الرئيس بوتين وفود 36 بلداً، ومن بينها 20 رئيس دولة. الرسالة الدعائية لاستضافة القمة الأكبر في تاريخ تجمع البريكس منذ تأسيسه، تصب لصالح موسكو بالأساس. فالموجات القاسية من العقوبات الغربية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا تبدو وكأنها فشلت في تحقيق أهدافها. روسيا أبعد ما تكون عن كونها في عزلة أو دولة مارقة. والقمة ليست تجمعاً لخصوم الغرب. وإن كان هذا الوصف يلائم الصين وإيران، فهو لا ينطبق على دول مثل الهند والبرازيل والإمارات، وهي دول تتمتع بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. بل وجاء إعلان تركيا مؤخراً عن رغبتها في الانضمام إلى المجموعة، لتكون أول عضو في حلف الأطلسي يبدي رغبته في الالتحاق بالحلف الاقتصادي لدول الجنوب.

إن كان للعقوبات الغربية غير المسبوقة على روسيا أثراً، ولتوسع الولايات المتحدة في فرض العقوبات بالعموم، فهو دفع الكثير من الدول إلى التفكير في خلق بدائل للنظام المالي العالمي. في التصريحات الإعلامية الافتتاحية للوفود المشاركة في القمة، تطايرت الشعارات البراقة عن "نظام عالمي جديد" والتخلص من "الشمولية الأميركية" لصالح "نظام متعدد الأقطاب"، و"نظام أكثر عدالة". هناك ما يعزز تلك الشعارات، حيث أن العشر دول المكونة للمجموعة يزيد ناتجها المحلي الإجمالي عن الناتج الإجمالي للدول السبع الكبرى (أوما يطلق عليها المتحمسون للبريكس تهكماً: الدول السبع الصغرى). ويصل عدد سكان دول البريكس مجتمعة حوالى نصف سكان العالم. وهناك أكثر من 40 دولة أخرى تقدمت للانضمام للمجموعة أو على الأقل أعربت عن الرغبة في ذلك، مما يؤكد أن النظام الدولي القائم يهمش السواد الأعظم من دول الجنوب. وبالتبعية، هناك رغبة مفهومة لتغييره.

في القلب من هذا، تستحضر فلسطين، ويتم ذلك على مستويين. على المستوى الرسمي يحضر الرئيس الفلسطيني أبو مازن قمة قازان بدعوة من روسيا. وذلك بعد أن أعربت السلطة الفلسطينية عن رغبتها في الانضمام إلى المجموعة. وعلى المستوى الرمزي، لا تفوت كلاً من الصين وروسيا الفرصة للإشارة ضمناً لما يحدث في الشرق الأوسط، أو ما يصفه الرئيس الصين بالمشهد العالمي "الفوضوي والمتشابك"، وذلك للتدليل على عطب النظام العالمي. تلتقط وسائل الإعلام الغربية تلك الإشارات أيضاً. مثالاً، وفي تقرير لشبكة "سي إن إن" عن القمة، تستشهد كاتبته، سيمون مكارثي، في شأن الحرب في غزة ولبنان برأي المراقبين: "الغضب في جميع أنحاء الجنوب العالمي تجاه الولايات المتحدة ودعمها لإسرائيل، يعزز الحجة من أجل نظام عالمي جديد من دون الولايات المتحدة على رأس السلطة".

لكن الطموحات تتجاوز الإمكانات. تفتقد دول البريكس لأيديولوجيا جامعة توحدها، كما أن المجموعة تبدو وكأنها تتكون من عدد من الثنائيات المتخاصمة. فهناك الكثير من الخلافات بين الصين والهند، من المواجهات العسكرية الحدودية إلى التنافس على النفوذ في المجال الآسيوي. وينطبق الأمر نفسه على مصر وإثيوبيا، العضوين الجديدين في المجموعة، حيث تطور الخلاف الدبلوماسي بشأن سد النهضة إلى تلويح بالمواجهة العسكرية بينهما في بلد ثالث، هو الصومال. هشاشة الروابط بين دول البريكس تبدت أكثر مع انسحاب الأرجنتين من المجموعة، وذلك بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة هناك. وينطبق الأمر نفسه على السعودية، والتي كان من المفترض انضمامها هذا العام، قبل أن تعلن إعادة النظر في المسألة. أما في شأن الحرب الدائرة في غزة والممتدة نيرانها إلى لبنان، فليس هناك ما تستطيع المجموعة تقديمه، سوى استغلال فظاعاتها لمناكفة الغرب والتنديد بالنظام العالمي.