موسكو تقرأ إنتفاضة السويداء..من لبنان
على الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على إنتفاضة السويداء، لا يزال الكرملين يلتزم الصمت حيالها. والنصوص القليلة التي نشرت في بعض إعلامه لا تقول جديداً غير المعتاد حين يتعلق الأمر بإنتفاضة شعبية ضد أي ديكتاتور، فكيف إذا كان من أمثال الأسد. واتهام الغرب بالوقوف وراء أي إحتجاج مشابه بهدف التخريب على سلطة الديكتاتور "الشرعية" وصداقته مع الكرملين لا يتطلب عناء البحث عن براهين وإثباتات. وحين يتعلق الأمر بديكتاتور شرق أوسطي، تستحضر ذاكرة إعلام الكرملين "الربيع العربي"، و"الثورات الملونة" في الجمهوريات السوفياتية السابقة، و"ميدان" كييف 2014 حين طرد الشعب الأوكراني الرئيس الموالي للكرملين فيكتور يانوكوفيتش.
الجديد نسبياً هذه المرة في إتهام الغرب بالوقوف وراء إنتفاضة السويداء، هو القول بمخطط أميركي لزعزعة إستقرار المنطقة عبر التحكم بشبكة التدفقات المالية المرتبطة بازمة الجهاز المصرفي اللبناني. وليست المرة الأولى التي يربط فيها الإعلام الروسي بين الكارثة السورية وأزمة المصارف اللبنانية. فقد درج على إعتبار هذه الأزمة أحد عوامل الجانب الإقتصادي من الكارثة التي يرجعها بشكل أساسي إلى الجفاف الذي ضرب سوريا لسنوات عديدة قبل إنفجار 2011.
موقع topwar المرتبط بوزارة الدفاع الروسية نشر في الأول من الجاري نصاً بشأن إنتفاضة السويداء بعنوان "الإحتجاجات السورية وإستراتيجية الولايات المتحدة في لبنان". ليست المرة الأولى التي يتناول فيها كاتب النص ميخائيل نيكولايفسكي الأزمة المالية المصرفية في لبنان وتأثيرها على الوضع في سوريا، فقد خصها الربيع المنصرم بنصين عنون أحدهما "لماذا تركز الولايات المتحدة إنتباهها على مالية لبنان".
استهل الكاتب نصه بالحديث عن تزايد نشاط الولايات المتحدة في سوريا منذ مطلع الصيف، ورأى من المنطقي أن يربط المحللون الإحتجاجات في جنوب غرب سوريا بعودة الولايات المتحدة إلى وسائل الثورات الملونة وممارساتها. ولا يشكك في إثبات فعالية هذه "الوسائل والبرامج" مرة اخرى، حيث أخذت تنشط مختلف المؤسسات الغربية في "دراسة" حقوق الإنسان في سوريا.
يشير الكاتب في النصين المذكورين إلى ما تناوله فيهما من تصاعد في نشاطات الولايات المتحدة في التحكم بتدفقات الدولار في المنطقة، ودراسة التكنولوجيا والعلاقات التي يعتمدها مختلف اللاعبين لإبعاد هذه التدفقات عن انتباه المدققين الأمريكيين. ويرى أن قرار الولايات المتحدة الإهتمام بالحقل المالي اللبناني وكذلك العراقي، ليس لمجرد إعادة تنظيمهما، بل هو جزء من مفهوم إستراتيجي يجمع "الذين على صواب" في مكان واحد مع إلتحاق تركيا بالإتحاد الأوروبي، وطرد "الذين على خطأ" ــــ سوريا، حزب الله وإيران ـــ خارج كتلة الشرق الأوسط الجديد.
يعتبر الكاتب أن لا إرتفاع الأسعار ولا تقلب سعر الصرف كان السبب في إندلاع الإحتجاجات، فليس من جديد على السوريين في الأمرين. بل يرى أن شبكة التبادل التجاري "الصغيرة" وتدفقات الدولار عبر القنوات اللبنانية والعراقية التي توفر للسوريين إمكانية تغطية إحتياجاتهم، أخذت تنفذ لدى القطاع الخاص أكثر مما لدى الدولة.
يقول الكاتب أن نصوصاً كثيرة عن سوريا نُشرت هذه السنة في روسيا، لكن، ولسبب ما، غاب عنها لبنان كلياً. حتى عن العقوبات الأميركية المالية على العراق كُتب أكثر مما عن لبنان، علماً أن العراق يأتي في المرتبة الثانية لدى الحديث عن الوضع المالي الإتصادي في سوريا. ومن دون تحليل الوضع في لبنان يستحيل كلياً فهم المشاكل في سوريا. وتزايد وتيرة نشاط الولايات المتحدة في لبنان مرتبط بإستراتيجيتها الهندية العربية (Stratégie indo-arabe)، والتي أيضاً، ولسبب ما، لا يكتبون عنها شيئاً "عندنا".
يرى الكاتب أنه ليس من قبيل الصدف على الإطلاق أن تكثيف إجراءات الرقابة المالية التي بدأتها الولايات المتحدة في لبنان، أي الحد من مشاركة حزب الله في السياسة الرسمية اللبنانية إلى أقصى حد ممكن بالنسبة للولايات المتحدة، تزامن مع الاحتجاجات في سوريا والإشتباكات المسلحة في مخيم الفلسطينيين في عين الحلوة بلبنان.
يقول الكاتب أن الدروز في السويداء الذين يزعم الإعلام الغربي بأنهم المحرك للإحتجاجات الصيفية، لم يرحبوا لا بدمشق الرسمية، ولا بالإسلاميين الراديكاليين، ولا بناشطي "الربيع العربي" المدنيين. لكنهم لم يزعجوا دمشق، ولم يطعنوها في الظهر باللحظات الحرجة. ويكتبون الآن أن الدروز إنتفضوا ضدها، غير أن الإحتجاجات ليست حاشدة، ووسط الدروز إتجاهات سياسية متحالفة مع حزب البعث. كما بينهم كذلك إشتراكيون فوضويون وسواهم من الحركات السياسية. والجنرال عصام زهر الدين، بطل سوريا الذي اشتهر بلقب "أسد الحرس الجمهوري"، وصمد ثلاث سنوات في الدفاع عن دير الزور ضد الدولة الإسلامية (لقي مصرعه العام 2017 في ظروف غامضة أحاطت بإنفجار لغم بسيارته) ، هو درزي أيضا كما الكثيرين من ضباط جيش بشار الأسد.
يستطرد الكاتب في الحديث عن تزايد نشاطات الولايات المتحدة في سوريا، بما فيها رفع عديد عسكرييها، ويرى بأنها كسبت جولة حتى الآن. ولا يساوره شك بأنها ستواصل ضغوطها في سوريا من خلال إتخاذ إجراءات علنية، لكنها ستمارس ضغوطاً أكبر بما لا يقاس في لبنان من خلال إجراءات أقل علنية.
موقع golosislama (صوت الإسلام) الروسي نشر في 25 الشهر المنصرم نصاً بعنوان "لليوم الخامس تتواصل الإحتجاجات في السويداء السورية". قال الموقع بأنه لليوم الخامس على التوالي خرج المئات إلى الشارع في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية للإحتجاج على تدهور الوضع الإقتصادي، "مطالبين برحيل الديكتاتور السوري بشار الأسد". وأشار إلى أن كبار رجال الدين الدروز إجتمعوا للمرة الأولى منذ إندلاع الإحتجاجات واعترفوا بالحق في الإحتجاج السلمي، لكنهم إمتنعوا عن تأييد دعوة الأسد للإستقالة. ونقل عن شيخ عقل الطائفة الدرزية في سوريا الشيخ حكمت الهجري قوله بأن هذه "الإحتجاجات هي صوت الشعب السوري الحق". لكنه إعترض على أعمال التخريب وحرق إطارات السيارات وإقفال مداخل المدينة.
وقال الموقع بأن المحتجين أحرقوا صورة كبيرة للأسد مرفوعة في الساحة الرئيسية للمدينة، وهتفوا "إرحل، إرحل، نريد أن نأكل يا بشار". والشعارات هذه نفسها كانت تتردد في بداية إحتجاجات 2011 المؤيدة للديموقراطية، والتي قمعتها بوحشية قوات النظام وأثارت صراعاً مريراً إستمر أكثر من عشر سنوات. وأُفيد بأن سلطات دمشق حاولت تفادي أي تصعيد في الوضع بالسويداء. وتحدث عن إنهيار الليرة السورية وتدهور الوضع الإقتصادي والمعيشي، وقال بأن النظام، كعادته، يحمل العقوبات الغربية المسؤولية عن الإنهيار. وقال بأن المسؤولين يخشون من إحتمال تمدد إحتجاجات الدروز إلى مناطق الساحل، معقل العلويين الذين ينتمي إليهم الأسد.
موقع صحيفة الإزفستيا المخضرمة نشر في 25 الجاري نصاً بعنوان "في أعقاب "الربيع العربي": الإحتجاجات تندلع من جديد في سوريا"، وأردفه بآخر ثانوي " في جنوب سوريا يدعون للإطاحة بالأسد". نقل الموقع عن قناة التلفزة "السويداء ــــ 24" إشارتها إلى أن المحافظة شهدت (حتى ذالك الحين) 42 مظاهرة إحتجاج. ويشير إلى أن قناة "الجزيرة" نقلت عن شاب في الخامسة والعشرين من العمر يدعى جميل ومن سكان مدينة السويداء قوله "نحن نحتج على تدهور الوضع الإقتصادي ووضع الفوضى التي تعم البلاد والفساد المنتشر في سائر مؤسسات الدولة".
استضافت الصحيفة أكثر من خبير روسي، ونقلت عن الباحث دانييل كيريلوف قوله بأن لا شيئ مستغرباً في هذه الإحتجاجات. فسوريا تعاني حالياً من وضع إقتصادي وإنساني بالغ الصعوبة، والشركاء الغربيون يبذلون قصارى جهدهم لإستمرار معاناة الشعب السوري وزعزعة استقرار الدولة السورية وتدميرها ذاتيًا.