تركيا:الجائحة الحقيقية
ربما ذهبت معظم الجهود هباءً، كل هذه الجهود المتمثلة في التباعد الاجتماعي، والبقاء في المنزل قدر الإمكان، ومحاولة التحلي بالصبر لتسريع الأيام الأفضل لمستقبل مجهول، كل هذه الاحتياطات التي نحاول اتباعها منذ الإبلاغ عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا بتركيا في 11 آذار/مارس.
فسّر العديد من العلماء مشاهد 10 نيسان/أبريل، خاصة في إسطنبول على أنها مضيعة لجهد استمر لمدة شهر. في تلك الليلة من يوم الجمعة، فرضت وزارة الداخلية، فجأة، حظر تجوال لمدة يومين في 31 مدينة كبيرة، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة وإزمير، رداً على انتشار "COVID-19". جاء الإعلان قبل ساعتين فقط من حظر التجول، وهرع الكثيرون من الأتراك غير المدركين لمفهوم حظر التجوال، إلى المخابز والأسواق لشراء الاحتياجات الأساسية.
تشكلت طوابير طويلة أمام هذه الأسواق، بشكل مثير للاهتمام أمام محطات البنزين أيضاً. كان الذعر والتوتر شديدين لدرجة أنه حتى في المدن التي لم تكن ضمن حظر التجول نالت حصتها منه. واضطرت بعض البلديات في المدن المعفاة من حظر التجول إلى الإعلان عن عدم الحاجة إلى الاندفاع إلى الأسواق. لقد ساءت البلاد بأكملها تقريباً، وانتشرت مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي تبيّن أن السكان أهملوا قواعد التباعد الاجتماعي، وتقاتلوا مع بعضهم البعض من أجل الحصة الأخيرة وتنافسوا على الشوكولا. بدوا وكأنهم وليمة حقيقية للفيروس التاجي.
كتب البعض في وسائل التواصل الاجتماعي أثناء تعليقهم على هذه المشاهد، أنهم كانوا قادرين على تطوير نوع من التعاطف مع السوريين الذين فروا من بلادهم بسبب الخوف من المجاعة والحرب. لكن هذا النوع من الحس السليم كان محدوداً.
ومثل كل شيء، انقسم المجتمع إلى قسمين. اتهم المؤيدون للحكومة المواطنين بالطمع. زعموا أنه في تركيا، بالطبع، كل شخص لديه ما يأكله لمدة يومين. ووجّه آخرون تهماً لمؤيدي الحكومة بأنهم "ماري أنطوانيت" حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، نسبة إلى تصريحها الشهير: "إذا لم يكن هناك خبز فليأكلوا الكعك".
ولكن مهما كانت الحالة، يدّعي العلماء أنه في تركيا حيث ينتشر فيروس كورونا بسرعة كبيرة، فإن عدد المرضى المعلن عنه منخفض نسبياً. بعد تلك الليلة يجب أن ننتظر 15 يوماً حتى 25 نيسان/أبريل، لرؤية الصورة الحقيقية للجائحة.
ولكن بعد الانتقادات الشديدة حتى من الناس الأكثر هدوءاً، للحشد الذي حصل في تلك الليلة، وزير الداخلية سليمان صويلو، وهو أحد أقوى المرشحين لقيادة حزب العدالة والتنمية (الآخر هو صهر الرئيس رجب طيب أردوغان) ادعى في البداية أن كل ما فعله، كان تحت علم الرئيس. ولكن قبل ساعات قليلة من انتهاء حظر التجول، تحمّل مسؤولية هذه الفوضى قائلاً: "ما كان يجب أن تؤدي خبراتي التي لا تعد ولا تحصى إلى مثل هذه المشاهد في هذه الحادثة التي نتحمل مسؤوليتها"، واستقال.
ثم هذه المرة، كان أولئك الذين يحبونه بطريقة منظمة للغاية يخرجون من الشوارع، بالطبع دون الانتباه إلى التباعد الاجتماعي، ويظهرون التضامن معه، ويثنون عليه لجهوده في ما يسمونه محاربة الإرهاب، ولكنها بالنسبة لآخرين هي جهود للحد من حرية التعبير. لكن بعض المواطنين السذج، خاصة الشباب، عبّروا عن دهشتهم من خلال رؤيتهم لأول مرة في حياتهم، سياسياً يتحمل مسؤولية الأعمال الخاطئة. لكن مزاجهم لم يدُم طويلاً بعد أن أعلن أردوغان عدم قبوله الاستقالة.
تتضمن المناقشة الآن العديد من التكهنات حول الاستقالة -إذا كانت مجرد خطوة سياسية محسوبة مسبقًا- إذا كانت مسرحية جرت بعلم الرئيس. قد تكون مثل هذه المناقشة مفيدة للمواطنين ليشغلوا أنفسهم أثناء محاولتهم البقاء في المنزل، ولكن، هناك شيء واحد واضح؛ لم يبق أحد مسؤولاً لمحاسبته بشأن تسارع المرض المحتمل خلال 15 يوماً.
لكن، أعتقد أننا يجب أن نفكر في شيء آخر. لماذا حدث هذا الذعر ليلة الجمعة؟ هل كان ذلك فقط بسبب نقص بعض الاحتياجات الأساسية في المنزل؟ هل يستطيع الفقراء التسوق يومياً فقط؟ ربما تكون هذه الأسئلة مهمة، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في مكان آخر. المواطنون لا يثقون بمؤسسات الدولة، ويجدون صعوبة في تصديق ما تقوله الحكومة، وهم غير متأكدين تماماً من أن حظر التجول لمدة يومين سينتهي في غضون يومين.
انعدام الثقة هذا هو الجائحة الحقيقية التي نتجاهلها في هذه المنطقة لفترة طويلة.