حكاية أسما والشيخ
آخر ما شاركته أسما شريف منير –قبل الأزمة- في صفحتها في "فايسبوك"، كان هذه النكتة: صورة لبركة مياه تكوّنت في شارع عادي، ربما صنعها ماء المطر، لكن البركة ملطخة تماماً باللون الأحمر القرمزي، والتعليق فوق الصورة يقول: "تساقط الأمطار على وجوه ثلاث فتيات رايحين سيكشن 8 الصبح".
في الأيام التي سبقت تلك النكتة، كانت مصر مشغولة بالأمطار، لكن على نحو تراجيدي، بسبب حوادث غرق الشوارع وصعق المواطنين وخسائر الممتلكات. لم تشترك أسما في تلك التراجيديا، بل فضّلت أن تكون ممن يشتبكون مع مياه الأمطار بالنكات، ربما يعطي ذلك لمحة عن شخصية لا تتعمد الصِّدام. المذيعة التلفزيونية الشابة لا تزال في أول الطريق، ربما حتى في ما قبل أول الطريق. فبرنامجها الأول، تشارك في تقديمه والدها نجم التمثيل شريف منير. حتى الاسم الذي اختير للبرنامج يوضح أين تكمن النجومية وأين يكمن ملحقها. "أنا وبنتي" عنوان البرنامج الذي يقدمه النجم وابنته الإعلامية للموسم الثالث على شاشة (ON). والبرنامج، وهنا تبدأ المفارقة، يتناول "الفارق بين الأجيال"، وربما في هذا الفارق بين الأجيال يكمن الفخ الذي وقعت فيه أسما من دون أن تقصد.
لم يكن حتى "منشوراً" مستقلاً في "فايسبوك"، ذلك الذي ذكرت فيه أسما اسم الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي. كانت تسأل متابعيها، وهم أكثر قليلاً من نصف مليون متابع، عن ترشيحاتهم لأسماء شيوخ يمكن أن تستمع إلى أحدهم، "يقنعني ويبقى بسيط وأفهمه"، لأنها بحسب قولها "تعبانة صحياً ونفسياً ومحتاجة أقرّب من ربنا أكتر".
انهالت التعليقات ترشح لها أسماء مشايخ ودعاة. أحد المعلّقيت كتب لها: "طلّعي دروس الشيخ الشعراوي من يوتيوب مفيش أحسن منه فعلاً"، لترد أسما: "طول عمري كنت باسمعه زمان مع جدي الله يرحمه، ومكنتش فاهمة حاجة، لما كبرت شفت كام فيديو مصدقتش نفسي من كتر التطرف، كلام فعلاً عقلي معرفش يستوعبه"، ثم تتابع أسما في تعليق لاحق: "هادورلك على الفيديوهات اللي خلتني أبطّل أشوفه".
كثيراً ما صار "يوتيوب"، يلعب الدور الذي كانت تلعبه قديماً تراجم الشخصيات العامة، لكن بصورة تناسب العصر: مختصرة وبصرية. لقطات من حوارات تلفزيونية، أجزاء من خُطب، تصريحات مصوّرة، أعمال وثائقية. وليس من سمع –ولا من قرأ- كمن رأى. وعلى هذه الرؤية للمشاهدات المختصرة، في الفكر كما في الفن والرياضة، أصبحت تعتمد غالبية "الأجيال" -التي يخاطبها برنامج أسما ووالدها نجم السينما- لتكوين فكرة عامة عن شخصية ما. صحيح أن تلك المقاطع تكون، بطبيعتها، مجتزأة، وقد تتعرض للمونتاج، ولترتيب متعمّد، وعناوين مثيرة، لتصب في تأكيد أو نفي فكرة ما. إلا أنها، في الناحية الأخرى، تخضع لمفهوم ديموقراطية الإنترنت، فكل استخدام متعمّد لها من وجهة نظر معينة، يقابله استخدام يحاول قول أو تأكيد وجهة نظر أخرى، مضادة أو مختلفة. هكذا يمكن الخلاف حول ما تعنيه هذه الشخصية أو تلك في التاريخ والاجتماع، لكن لا يمكن التنصل من الوثيقة البصرية التي تنشر رأي هذه الشخصية على لسانها ذاته، لا نقلاً عنه.
هكذا، لا بد أن أسما تأثرت، بوصفها جزءاً من الأجيال الحديثة التي يخاطبها برنامجها، بـ"فيديوهات" تبيّن الشيخ الشعراوي، أحد أبرز المؤثرين في الوعي الجمعي المصري، وزير الأوقاف في السبعينات ونجم تلفزيون الدولة في أبرز ساعات الذروة –بعد صلاة الجمعة- في الثمانينات، وهو يتبنى آراء حول حرية العقيدة، المرأة، المسيحيين، العلاج ونقل الأعضاء، الفن والثقافة، لا تختلف في قليل أو كثير عمّن تعتبرهم أجيال اليوم من أشدّ المتطرفين. بعض "الفيديوهات" التي تحدثت عنها أسما في الـ"Replay" المسكين، يجمع تلك الآراء المتشددة الخطيرة معاً، ما يخلق ولا شك تلك الصدمة المركزة، التي لم تجربها أجيال ما قبل "يوتيوب"، التي سمعت آراء الشيخ موزعة على آلاف الحلقات التلفزيونية، مستمتعة بتفسيره المبسط الميسّر للقرآن، وبتمكّن الشيخ من تخصصه الأساسي أي "فقه اللغة".
ما جرى بعد تعليق أسما الذي يعرب عن صدمتها في الشيخ، صار - كما يقول أهل الكرة عن النتائج المفاجئة - صار تاريخاً. تلقّى تعليقها البريء هجوماً شعبياً، أقل ما يوصف به أنه كاسح، استدعى التدخل والتعليقات حتى من دار الإفتاء شخصياً، ومطالبات "العقاب" والتهدئة من كبار الشخصيات في مختلف المجالات، بل وتحركاً في البرلمان يطالب بقانون يجرّم الإساءة للشخصيات العامة. ولم يبدأ الهدوء إلا بجلسة تشبه "الاستتابة"، صار متخصصاً فيها برنامج الإعلامي عمرو أديب. وكما استضاف من قبل، الممثلة رانيا يوسف، لتعتذر عن ارتدائها فستاناً كاشفاً في افتتاح مهرجان سينمائي، استضاف بدوره أسما لتبكي وتعتذر وتوضح" موقفها، ولتحوّل" صدمتها في تطرف الشيخ" إلى أسف وندم، ولتعلن: "مش هاستخدم كلمة متطرف تاني لحد ما اموت". هنا فقط، هدأت أجيال الكبار.
في الأيام التي سبقت تلك النكتة، كانت مصر مشغولة بالأمطار، لكن على نحو تراجيدي، بسبب حوادث غرق الشوارع وصعق المواطنين وخسائر الممتلكات. لم تشترك أسما في تلك التراجيديا، بل فضّلت أن تكون ممن يشتبكون مع مياه الأمطار بالنكات، ربما يعطي ذلك لمحة عن شخصية لا تتعمد الصِّدام. المذيعة التلفزيونية الشابة لا تزال في أول الطريق، ربما حتى في ما قبل أول الطريق. فبرنامجها الأول، تشارك في تقديمه والدها نجم التمثيل شريف منير. حتى الاسم الذي اختير للبرنامج يوضح أين تكمن النجومية وأين يكمن ملحقها. "أنا وبنتي" عنوان البرنامج الذي يقدمه النجم وابنته الإعلامية للموسم الثالث على شاشة (ON). والبرنامج، وهنا تبدأ المفارقة، يتناول "الفارق بين الأجيال"، وربما في هذا الفارق بين الأجيال يكمن الفخ الذي وقعت فيه أسما من دون أن تقصد.
لم يكن حتى "منشوراً" مستقلاً في "فايسبوك"، ذلك الذي ذكرت فيه أسما اسم الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي. كانت تسأل متابعيها، وهم أكثر قليلاً من نصف مليون متابع، عن ترشيحاتهم لأسماء شيوخ يمكن أن تستمع إلى أحدهم، "يقنعني ويبقى بسيط وأفهمه"، لأنها بحسب قولها "تعبانة صحياً ونفسياً ومحتاجة أقرّب من ربنا أكتر".
انهالت التعليقات ترشح لها أسماء مشايخ ودعاة. أحد المعلّقيت كتب لها: "طلّعي دروس الشيخ الشعراوي من يوتيوب مفيش أحسن منه فعلاً"، لترد أسما: "طول عمري كنت باسمعه زمان مع جدي الله يرحمه، ومكنتش فاهمة حاجة، لما كبرت شفت كام فيديو مصدقتش نفسي من كتر التطرف، كلام فعلاً عقلي معرفش يستوعبه"، ثم تتابع أسما في تعليق لاحق: "هادورلك على الفيديوهات اللي خلتني أبطّل أشوفه".
كثيراً ما صار "يوتيوب"، يلعب الدور الذي كانت تلعبه قديماً تراجم الشخصيات العامة، لكن بصورة تناسب العصر: مختصرة وبصرية. لقطات من حوارات تلفزيونية، أجزاء من خُطب، تصريحات مصوّرة، أعمال وثائقية. وليس من سمع –ولا من قرأ- كمن رأى. وعلى هذه الرؤية للمشاهدات المختصرة، في الفكر كما في الفن والرياضة، أصبحت تعتمد غالبية "الأجيال" -التي يخاطبها برنامج أسما ووالدها نجم السينما- لتكوين فكرة عامة عن شخصية ما. صحيح أن تلك المقاطع تكون، بطبيعتها، مجتزأة، وقد تتعرض للمونتاج، ولترتيب متعمّد، وعناوين مثيرة، لتصب في تأكيد أو نفي فكرة ما. إلا أنها، في الناحية الأخرى، تخضع لمفهوم ديموقراطية الإنترنت، فكل استخدام متعمّد لها من وجهة نظر معينة، يقابله استخدام يحاول قول أو تأكيد وجهة نظر أخرى، مضادة أو مختلفة. هكذا يمكن الخلاف حول ما تعنيه هذه الشخصية أو تلك في التاريخ والاجتماع، لكن لا يمكن التنصل من الوثيقة البصرية التي تنشر رأي هذه الشخصية على لسانها ذاته، لا نقلاً عنه.
هكذا، لا بد أن أسما تأثرت، بوصفها جزءاً من الأجيال الحديثة التي يخاطبها برنامجها، بـ"فيديوهات" تبيّن الشيخ الشعراوي، أحد أبرز المؤثرين في الوعي الجمعي المصري، وزير الأوقاف في السبعينات ونجم تلفزيون الدولة في أبرز ساعات الذروة –بعد صلاة الجمعة- في الثمانينات، وهو يتبنى آراء حول حرية العقيدة، المرأة، المسيحيين، العلاج ونقل الأعضاء، الفن والثقافة، لا تختلف في قليل أو كثير عمّن تعتبرهم أجيال اليوم من أشدّ المتطرفين. بعض "الفيديوهات" التي تحدثت عنها أسما في الـ"Replay" المسكين، يجمع تلك الآراء المتشددة الخطيرة معاً، ما يخلق ولا شك تلك الصدمة المركزة، التي لم تجربها أجيال ما قبل "يوتيوب"، التي سمعت آراء الشيخ موزعة على آلاف الحلقات التلفزيونية، مستمتعة بتفسيره المبسط الميسّر للقرآن، وبتمكّن الشيخ من تخصصه الأساسي أي "فقه اللغة".
ما جرى بعد تعليق أسما الذي يعرب عن صدمتها في الشيخ، صار - كما يقول أهل الكرة عن النتائج المفاجئة - صار تاريخاً. تلقّى تعليقها البريء هجوماً شعبياً، أقل ما يوصف به أنه كاسح، استدعى التدخل والتعليقات حتى من دار الإفتاء شخصياً، ومطالبات "العقاب" والتهدئة من كبار الشخصيات في مختلف المجالات، بل وتحركاً في البرلمان يطالب بقانون يجرّم الإساءة للشخصيات العامة. ولم يبدأ الهدوء إلا بجلسة تشبه "الاستتابة"، صار متخصصاً فيها برنامج الإعلامي عمرو أديب. وكما استضاف من قبل، الممثلة رانيا يوسف، لتعتذر عن ارتدائها فستاناً كاشفاً في افتتاح مهرجان سينمائي، استضاف بدوره أسما لتبكي وتعتذر وتوضح" موقفها، ولتحوّل" صدمتها في تطرف الشيخ" إلى أسف وندم، ولتعلن: "مش هاستخدم كلمة متطرف تاني لحد ما اموت". هنا فقط، هدأت أجيال الكبار.