التقرير الذي نشرته “ذا دايلي بيست” ونقلت فيه، عن مصادر اميركية، قبول واشنطن بقاء “الدكتاتور بشار الأسد في السلطة” يعكس بدقة موقف ادارة الرئيس دونالد ترامب، وهو موقف يبني على سياسة سلفه باراك أوباما، لناحية الحرب على تنظيم “الدولة الاسلامية”، مع اضافة تعديلات ترتبط بالوضع في الجنوب السوري، قدمتها اسرائيل، التي تتمتع اليوم بنفوذ غير مسبوق في البيت الابيض.
الشق الاميركي من سياسة ترامب في سوريا مازال يتمحور حول مسألة “اليوم التالي” لالحاق الهزيمة بداعش، وتحديد القوات التي ستمسك بالأرض السورية، شرق الفرات، بعد استعادة هذه الارض من التنظيم. واشنطن ترفض تسليم هذه الاراضي الى قوات الأسد وحلفائها، ربما تحت ضغط تركي بسبب خشية انقرة من العلاقة الايرانية مع الميليشيات الكردية المعادية للاتراك. ولطالما اتهم المسؤولون الاتراك طهران بتحريك المجموعات الكردية ضد انقرة، بما في ذلك قيام هذه المجموعات بشن عمليات انتحارية داخل تركيا.
هذه الاعتبارات دفعت واشنطن الى محاولة تشكيل قوة هجينة من الكرد والعرب. لكن يبدو ان هذه القوة المذكورة ماتزال غير قادرة على تثبيت شرق الفرات، وهو ما ادى الى تأخير الحسم ضد داعش، على الرغم من ان التنظيم يبدو مهتزاً الى درجة لا تتطلب الكثير من القتال او المجهود العسكري للقضاء عليه داخل سوريا. كذلك تخشى واشنطن من قيام قوات الأسد وايران باجتياح شرق الفرات، بعد القضاء على داعش، وهو ما يجبر أميركا على التريث والبحث عن ضمانات تكفل عدم قيام الأسد وايران باجتياح المناطق المذكورة.
هذه الضمانات يرجو الاميركيون الحصول عليها من الروس، الذين تبدو خطتهم لوقف القتال في سوريا هي الأمثل للأميركيين لمنع قوات الأسد وايران من اجتياح شرق الفرات بعد انهيار داعش، وهي ضمانات مبنية على نشر موسكو “شرطة عسكرية” تؤكد تثبيت حدود “مناطق خفض التصعيد”، وعدم قيام القوات المتحاربة باجتياح مناطق بعضها البعض.
تثبيت مناطق السيطرة والنفوذ في سوريا هو في صلب الشق الاسرائيلي للسياسة الاميركية تجاه سوريا، وخصوصا في الجنوب، اذ يأمل الاسرائيليون ابعاد قوات ايران عن الجولان السوري المحتل، وربما في مرحلة لاحقة اعادة قوات الأسد الى هذه المناطق لحراستها وضمان تثبيت أمنها، وهو ما برع به نظام الأسد على مدى العقود الاربعة الماضية. لذا، لا بد من بقاء” الدكتاتور بشار الأسد”، لعل وعسى ينجح في ابقاء قوات ايران بعيدة عن اسرائيل في سوريا، على الرغم من التماس بين القوات الايرانية واسرائيل على الحدود اللبنانية، وهو تماس يجزم الاسرائيليون انه سيبقى باردا في ظل “عقيدة الضاحية”، التي تملي قيام اسرائيل بايذاء مناصري “حزب الله” ومناطقهم، لردع الحزب اللبناني عن شن اي هجمات ضدها.
الأسد باق في السلطة في سوريا، او في الغالب في جزء منها، لكنه لن يعود الى سابق عهده، بل سيبقى على شكل فرانكنشتاين، المسخ الذي عاد الى الحياة حسب الاسطورة الغربية، لكنه مسخ كاف لعودة بعض المراهنات العربية عليه، منها بدء حكومة لبنان في التباحث في اعادة النازحين السوريين الى انقاض ديارهم.
حتى تنقلب ظروف العالم وتتحول، من غير المرجح ان تخرج سوريا من حربها الاهلية، بل ستمر هذه الحرب في فترات انحسار واستئناف، وستعيش هدنات تليها معارك، وسيعود النازحون الى انقاض ديارهم ويرحلون عنها مرارا وتكرارا. هي حرب عبثية تشبه الحرب اللبنانية، تعتاش على نظام بائد لا يموت، وعلى اوهام دولية، مثل مكافحة المد الشيوعي في الحالة اللبنانية، ومكافحة الارهاب في الحالة السورية، والحالتان عبث في عبث، ودماء وموت ودمار.