اللوبي الايراني في واشنطن
سال حبر كثير في وصف اللوبي الموالي لنظام الجمهورية الاسلامية داخل واشنطن، وقوبل في الغالب بسخرية من القراء، خصوصا من المؤيدين لايران وحلفائها في المنطقة. لكن قصة هذا اللوبي اصبحت مكشوفة تماما بعدما أكد نائب مستشارة الامن القومي بن رودز الصلة بين ادارة الرئيس باراك أوباما واللوبي الايراني في مقابلته الفضائحية في مجلة “نيويورك تايمز”، قبل اسبوعين.
ومما قاله رودز، في وصف تلاعبه بالاعلاميين الاميركيين، انه سبق ان اجرى جولات جس نبض ليعرف من يمكنه حمل رسالة الادارة بفاعلية، وان من المجموعات التي اثبتت مقدرتها جمعية خيرية تحمل اسم بلوشيرز. وهذه الجمعية معروفة برعايتها “المجلس القومي الايراني الاميركي”، الذي يرأسه في واشنطن الايراني تريتا بارسي، صديق وزير الخارجية جواد ظريف منذ ان عمل الاخير موفدا لبلاده في الأمم المتحدة في نيويورك، كما يظهر حكم محكمة صادر في حق بارسي.
ولم تكد تمضي ايام على تصريحات رودز حول بلوشيرز حتى سارعت وكالة “اسوشتيد برس” الى اجراء ونشر تحقيق تمحور حول نشاطات هذه الجمعية الخيرية وتبرعاتها العلنية، والغالب ان الجمعية قدمت تبرعات سرية لا يفرض القانون الاميركي كشفها.
ولطالما دعمت بلوشيرز بارسي ومؤتمراته حول ايران. كذلك مولت اعمال ونشاطات باحثين نووين، وخبراء، وديبلوماسيين سابقين، حتى انها تبرعت بمبلغ ٧٠ الف دولار لجامعة برنستون المرموقة حتى ترعى الدبلوماسي الايراني النووي السابق حسين موسويان و تسوّق كتابه، وتحليلاته، واطلالته في الندوات والاعلام.
ومن مراكز الابحاث التي تسلمت اموالا من بلوشيرز“معهد بروكنغز”، و”مجلس الأطلسي”، و”مركز النزاهة العامة”، الذي يراقب عمل الاعلام للتأكد من حياديته. كذلك، تسلمت الاذاعة والتلفزيون شبه الرسمية “ان بي آر” ٧٠٠ الف دولار، وجاءت اذ ذاك تقاريرها الاخبارية مساندة للانفتاح على ايران.
ومولت بلوشيرز عمل واقامة صحافيين في طهران، مثل مراسل “نيويورك تايمز” توماس اردبرينك و”واشنطن بوست” جايسون راضيان، الذي اعتقله الايرانيون وبادلوه مع سجناء ايرانيين اميركيين كانت واشنطن تحتجزهم لمحاولتهم خرق العقوبات الاقتصادية ومحاولة تزويد طهران بتقنيات عسكرية ونووية.
ومن مستشارة أوباما الاقرب فاليري جاريت، المولودة في شيراز والتي تؤيد الانفتاح على النظام الايراني، الى سحر نوريزادة التي عملت في مجموعة بارسي قبل ان تنتقل الى “مجلس الأمن القومي” الاميركي، الى سلسلة مسؤولي الشرق الاوسط في هذا المجلس فيليب غوردن وستيف سايمون وروبرت مالي، والثلاثة من مؤيدي بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم واثنان منهم زارا الأسد في الماضي ويعرفونه شخصيا، كل هذه شخصيات داخل الادارة مؤيدة لايران وحلفائها.
واللوبيان الايراني والسوري في واشنطن يعملان مثل اللوبي المؤيد لاسرائيل، فالقانون الاميركي يفرض التصريح علنا عن الاموال التي تتبرع بها حكومات اجنبية او مواطنين غير اميركيين للحملات الانتخابية للسياسيين او للاعلاميين او مراكز الابحاث، وهو ما تفعله كبرى اللوبيات العالمية مثل التابعة لكندا والمانيا.
لكن اللوبيات الايرانية والسورية والاسرائيلية لا تصاريح لديها لأن مموليها مواطنون اميركيون، ما يجعل من الصعب تحديد كمية الاموال التي يضخونها لشراء نفوذ سياسي داخل واشنطن، لكن يمكن فهم مصدر تمويل احدى ابرز الصحافيات الاميركيات لورا روزن، التي تعمل لموقع اعلامي يموله سوري - اميركي موالٍ للأسد والتي تابعت المفاوضات النووية مع ايران بيومياتها وتفاصيلها بتكاليف سفر واقامة باهظة في اوروبا، ونشرت تقارير مفصلة عنها، وحاولت تسويقها اثناء اطلالاتها الاعلامية وفي مراكز الابحاث الاميركية كونها من الخبراء ممن واكبوا المفاوضات.
عبر شبكة الانترنت قد تظهر علاقات وصداقات بين اعلاميين وخبراء، لكن من يعيشون في العاصمة الاميركية يشاهدون خريطة اللوبيات ونفوذها عن كثب أكثر، فعندما لا ينشر الاعلاميون مقالاتهم، وعندما لا يطل الخبراء عبر الاعلام ومراكز الابحاث، فهم يتسامرون سوية ويذهبون الى المطاعم، ويأخذون اولادهم معا الى الملاعب والنزهات، ومن يعيش في واشنطن، يرى من صديق من، ومن يؤيد من، ويعرف انه كما في باقي الدول حول العالم، اللوبيات هي شبكات مصلحية واجتماعية في الوقت نفسه، وفي حالة ادارة أوباما واللوبيين الايراني والسوري، فان الترابط بينهما سابق لتولي أوباما الحكم، وهو على درجات متعددة اجتماعية ومصلحية وغيرها.
اللوبي الايراني في واشنطن قهر نظيره الاسرائيلي وفرض التوصل لاتفاقية نووية مع ايران، ومازال يعمل لتكريس الانفتاح الاميركي على طهران، وبشروط ايرانية. في الماضي القريب، كان الحديث عن اللوبيين الايراني والسوري بمثابة دعابة و“نظريات مؤامرة”. اليوم من لا يصدق هذه “الدعابة”، يمكنه العودة الى تصريحات رودز وان يطالع بيانات تبرعات بلوشيرز.