لو كان الجمهوريون عرباً
كرر المرشح الجمهوري للرئاسة في الولايات المتحدة دونالد ترامب دعوته الى منع المسلمين من دخول الدول الغربية، معززا قوله بالاشارة الى تفجيرات بلجيكا الارهابية. وانضم الى ترامب منافسه السناتور الجمهوري عن ولاية تكساس تد كروز، الذي طالب اجهزة الشرطة الاميركية بتكثيف الرقابة “على احياء المسلمين” في عموم الولايات المتحدة.
تصريحات المرشحين اليمينيين ليست فريدة من نوعها، فقبل عام تقريبا، نظمت الجمعيات الاميركية الاسلامية زيارة الى مبنى الكونغرس المحلي لولاية تكساس، فما كان من احدى المشرعات الا ان وضعت علم اسرائيل في مكتبها، وطلبت من موظفيها ان يجبروا زوار مكتبها على اداء “قسم اليمين” الاميركي امام العلم الاسرائيلي، في خطوة اثارت سخرية غالبية الاميركيين.
ومنذ العام ٢٠١٠، صوتت اربع ولايات جنوبية هي اوكلاهوما وميزوري ونورث كارولاينا والاباما على “حظر تطبيق الشريعة” الاسلامية، خصوصا في المحاكم.
هذا العداء للمسلمين ينحصر غالبا بالمجموعات الاميركية المتطرفة. لكن ان يتبنى متصدرا مرشحي الحزب الجمهوري للرئاسة الخطاب الشعبوي المتطرف والمعادي للمسلمين هو أمر يشي بأن هذا العداء بدأ يستشري في جسم المؤسسة السياسية والشعبية للحزب الجمهوري.
على ان المحير هو ان ترامب وكروز لا يعبّران عن عدائهما للمسلمين فحسب، بل ان تصريحاتهما تقوض اسس الديموقرطية والحرية والمساواة بين المواطنين. مثلا، كيف يمكن لأمن الحدود في المطارات الاميركية تحديد من هو المسلم؟ الاسم؟ السحنة؟ ام عبر توجيه سؤال للمسافر الوافد؟
ترامب قال ان دعوته مبنية على الثقة بالمسافرين، اي ان حرس الحدود يسألونهم، واي مسافر يعلن اسلامه، يتم منعه من الدخول وترحيله. لكن بلاهة هذا الاقتراح واضحة، فالارهابيون لن يعلنوا هويتهم، وان كانت الثقة هي معيار ابقائهم خارج الولايات المتحدة، فالكذب على الشرطة الاميركية لن يقلقهم البتة.
اما دعوة كروز، فمبنية على اعتبار ان المسلمين يعيشون في احياء محددة. صحيح ان بعض المدن، مثل ديربورن في ولاية ميشيغان، يقطنها ١٠٠ الف مواطن منهم ٧٠ الفا من اصول عربية واسلامية، الا ان هذه المدينة هي الاستثناء، والارجح ان عملاء “مكتب التحقيقات الفدرالي” (اف بي آي) ينتشرون في الخفاء بشكل كثيف بين عرب ديربورن.
لكن بعيدا عن لا واقعية دعوة المرشحين لمراقبة المسلمين ومنعهم من دخول الولايات المتحدة، يبقى ان ترامب وكروز ومتطرفي الحزب الجمهوري يعبّرون عن عنصرية لو عبر عنها غير الاميركيين لقامت الدنيا ولم تقعد؟
مثلا، لنتصور ان مرشحاً الى اي منصب في اي حكومة عربية دعا الى ابقاء المسيحيين خارج هذه الدولة، او الى مراقبتهم. لنتصور ان مسؤولا عربياً قال ان بلاده تنوي اجراء تعديل دستوري يمنع تطبيق قوانين الاحوال الشخصية للمسيحيين والزامهم بالقوانين الاسلامية.
لنتصور ان رجل دين من المغمورين دعا الى قتل، لا الجنود الاميركيين فحسب، بل عائلاتهم، على غرار ما فعل ترامب بدعوته لقتل عائلات الارهابيين في العراق وسوريا.
عندمل يدلي متطرفون عرب بتصريحات عنصرية، تثور ثائرة الحكومات الغربية: ينتشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يقوم موقع "ممري" بترجمة التصريح المتلفز الى لغات اجنبية، ثم تدعو الحكومة الاميركية نظيراتها العربية الى الاقتصاص من صاحب التصريح. يلي ذلك قيام الحكومات الغربية بفرض عقوبات على صاحب التصريح، وعلى اهله، وعشيرته، وقريته، والناحية التي ينحدر منها بأكملها، وربما تخصص اميركا طائرة "درون" لتلاحقه وتصطاده.
هكذا، عندما يطفو تعصب اليمين الاميركي على السطح، وعندما ينفلت المرشحون الجمهوريون من عقالهم ويطالبون بتقويض الديموقراطية لطرد المسلمين الاميركيين ومراقبتهم وقتل عائلاتهم، يبتسم العالم ويهمس ان هؤلاء اقلية عابرة ومتعصبة.
اما عندما يطفو تعصب بعض المخابيل العرب، تثور الأمم، وتعتبر ان عنف المتعصبين العرب يعكس انحطاط الثقافة الاسلامية والعربية، وان الحل هو — لا بعزل المتطرفين ومحاربتهم — بل بمحاربة المسلمين والعرب بأجمعهم، بصالحهم وطالحهم.
لو كان الجمهوريون عربا، لكانت أميركا تعاني من عقوبات اممية، وربما حصارا بريا وبحريا وجويا وبضع غارات تقتل المذنبين والابرياء سوية. اما ان يكون الجمهوريون اميركيين، فدعابة يمكن للعالم التعامل معها بمرح.