اعتذار ضحايا سوريا لقاتليهم
أمر يجافي المنطق ان يمضي السوريون وأصدقاؤهم الاسبوع وهم يبكون ضحايا حلب، ثم يكللون حزنهم بالاعتذار الى جلاديهم عن مقتل سفير روسيا في تركيا.
قتل المدنيين مدان، في كل زمان ومكان. وكذلك مدان قتل اي شخص غير منخرط في اعمال حربية. ومدان ايضا الغدر بحق أشخاص غير متحسبين، أبرياء كانوا ام مجرمين.
وليس مبررا القتل الا عند الدفاع عن النفس، وهذا دفاع جائز لدفع الضرر اثناء وقت الهجوم، وليس انتقاما او عقابا، على غرار “جيش الدفاع الاسرائيلي”، الذي “يدافع” باستيطان اراض فلسطينية تصفها المؤسسة الحاكمة الاسرائيلية انها لضرورات استراتيجية “للدفاع” عن الممر الساحلي الذي يربط الشمال بالجنوب.
القتل بشع ومدان، من الموصل الى الكرك الى برلين. لكن الارهاب ليس الآفة العنفية الوحيدة السائدة في المجتمعات البشرية. قتل المعارضين بالسم في لندن وكييف، وبالرصاص في واشنطن وموسكو، على غرار ما يفعل رئيس روسيا فلاديمير بوتين بحق معارضيه، هي جرائم تتعارض مع كل القوانين، الروسية والدولية.
ولأن القتل مدان، لا يجوز قتل الأشخاص بناء على معلومات استخباراتية وحدها من دون محاكمة. منذ ان قامت الولايات المتحدة بقتل الناشط في تنظيم “القاعدة في اليمن” الاميركي أنور العولقي في العام 2011، ثار نقاش أميركي ما زال مستمرا حتى اليوم، ويتمحور حول السؤال التالي: هل يجوز لرئيس السلطة التنفيذية اعدام مواطن أميركي من دون حكم قضائي؟ اما السؤال الذي يتفرع عنه، فهو: هل يحق لرئيس أميركا تصفية أي شخص، أميركي او غير أميركي، من دون حكم قضائي؟
لا يمكن لأي قانون ان يسود عبر تطبيقه على مجموعات بشرية دون أخرى. لذلك، ألبست الحضارة الانسانية سيدة العدالة عصبة على عينيها، قبل ان تسلمها ميزان العدالة.
ولا عدالة في ان يعتذر العالم لمقتل السفير الروسي وحده، وان يعد بمحاسبة المتورطين في اغتياله، من دون ان يعتذر العالم للسوريين، في حمص وحماة وداريا والغوطة وحلب ودرعا، ويعدهم بمحاسبة المتورطين في اهراق دمائهم.
في التغطية الاخبارية لمقتل السفير الروسي في انقرة على قناة “ام اس ان بي سي” الاميركية، أطلّ المراسل ريتشارد انغل، وهو سبق ان حرره من الأسر ثوار سوريا فشكرهم على حسن معاملتهم له. وبعد ان روى انغل تفاصيل عملية الاغتيال، أطلق سلسلة من التحليلات. قال ان الجاني “صرخ بالعربية الله أكبر، وهو يرفع سبابته” دلالة على التوحيد وتماهيا مع ما يفعله إرهابيو داعش. ذكر انغل ايضا ان الجاني صاح ان لا تنسوا حلب، وان العالم لن يعيش في أمان طالما ان السوريين ليسوا في أمان.
اعترض العالم على موقف قاتل السفير الروسي. رأوا في تهديده أمن العالم، تكرارا لمواقف إرهابيي القاعدة.
هذا التماهي، وهذا التداخل بين قضية محقة يحملها مهرجو “تنظيم القاعدة” وقضية مجحفة يحملها القتلة المحترفون من الروس والايرانيين، هي التي تطيل أزمة الارهاب حول العالم، وهي التي تزيد في شقاء العرب، الذين يجدون انفسهم يعتذرون وهم الضحايا.
الاختلال هو في ان يطلب العالم الى من يبحثون عن أحبائهم بين ركام بيوتهم، ان يعتذروا الى جلاديهم، الذين لا تميز مقاتلاتهم بين المستشفيات والمخابز والمدارس والبيوت وقافلات المساعدات الانسانية. والاختلال هو ان يعلن العالم نيته التسوية مع من اتهمه مجلس الأمن باستخدام السلاح الكيماوي بحق مدنيين، فيما يعلن العالم نفسه ان كل من يتعاطف مع الضحايا في سوريا هو اما ارهابي، ام متعاطف مع الارهاب.
الاختلال في الميزان الاخلاقي العالمي، والاختلال في ميزان العدالة العالمي، والاختلال في ميزان القوى العالمي، كلها تدفع العرب الى الاعتذار وهم يبكون، وتدفع قلّة منهم الى التورط في ما تيسر لهم من عنف، ارهابي او معتدل.
كل العرب أدانوا جريمة قتل سفير روسيا في تركيا، لكن غالبية العرب لم تبك السفير الروسي.